jo24_banner
jo24_banner

عزيز العراق الأشم

أسعد العزوني
جو 24 : ما لم يتحقق في حياة النبيل الراحل طارق عزيز "أبو زياد" ، تحقق بعد مماته وعلى أيدي أعدائه ، فكما هو معروف فإن راحلنا النبيل كان بعثيا ، وأن حزب البعث كان ينادي بأن قضية فلسطين هي القضية المركزية ، ولسنا هنا بصدد محاكمة إلتزام حكام الأمة بذلك ، لأننا في حضرة روح نبيل ، رحل وقضى نحبه في سجون الإحتلال الأمريكي في العراق الأشم ، ومنع أهله من دفن جثمانه في العراق حيث مسقط رأسه ، كما أن هناك من إختطفه في محاولة لمنعهم حتى من دفن جثمان أبيهم العزيز طارق عزيز في الأردن .

لا أريد التحدث عن الموت ، لأنه حق على كل مخلوق ،ونبيلنا الراحل ليس إستثناء ، ولكني أزف البشرى لمن يعنيهم الأمر ، أنه رب ضارة نافعة ، فرغم الإبقاء على طارق عزيز في غياهب السجون ، رغم تدهور حالته الصحية ، ومحاولات إخفاء جثته بعد إختطافها من بين يدي رفيقة دربه أم زياد ، إلا أنهم ودون أن يعلموا ، قد أسدوا لراحلنا النبيل خدمة ما بعدها خدمة ،لأنه بعد خروج الروح من الجسد ، لا يهم أين تدفن لأن الله سيأتي بها عند البعث وفي أي أرض كانت.

الخدمة التي أسداها أعداء طارق عزيز له ، هي أنهم حققوا له ما لم يتحقق في حياته ، وهو أنه رحمه الله ، جسد وبموته الحقيقة التي يحاول الجميع إخفاءها ، وهي أن طارق عزيز بدفنه في الأردن بلد الحشد والرباط ، وفي مأدبا على وجه الخصوص التي تطل على فلسطين ، جسد مبدأه القاضي بمركزية القضية الفلسطينية ، وأبقى الحبل السري الذي يبرط بين العراق وفلسطين منذ الأزل ، حيث كان الآشوريون يعتبرون فلسطين خطا أحمر ، وجزءا من أمنهم القومي ، وكانوا ينقضون على كل من تسول له نفسه تدنيس أرض فلسطين ، شأنهم في ذلك شأن الفراعة العرب في المحروسة مصر .

كنا عندما نلتقي الراحل عزيز خلال زياراتنا الإعلامية للعراق إبان الحصار ، نخرج مطمئنين على العراق ، إذ كان صاحب هيبة ولديه مصداقية ، ولكنه رحمه الله لم يكن يدري أن أم قصر تلك القرية الحدودية العراقية ، ستصمد أمام الجحافل الأمريكية لأسبوعين ، في حين أن عاصمة الرشيد التي كانت "مزنرة " بخنادق سبعة أعدها الراحل صدام حسين بعناية لتحرق الغزاة حرقا ، دون أن يتمكنوا من تدنيس عاصمة الرشيد بغداد .

لم يكن راحلنا طارق عزيز يعلم أن هناك ، ومن الذين حازوا على ثقة القيادة ، وأقسموا في الأيام الأخيرة الأيمان الغليظة ، وقدموا فروض الولاء والطاعة للقيادة ، سوف يخونون الأمانة وأنهم بيتوا أمرا وجرى التشبيك معه مسبقا .

كان النبيل طارق عزيز علما من أعلام العراق ، ولذلك حاول البعض النيل منه ، من خلال ضرب الثقة المتأصلة بينه وبين القيادة ، وقيل أنه رجل الغرب في العراق ، وأنه رجل الفاتيكان أيضا ، وزادوا هرطقة بأن قالوا أنه سيكون خليفة الراحل صدام حسين بعد الإحتلال الأمريكي للعراق .

ولعل هذه القراءة الساقطة كانت تدل على من حاول كتابة حروفها بحبر من كذب ، لأن الولايات المتحدة وكما قال الثعلب اليهودي الألماني الماكر "العزيز" هنري كيسنجر، قد قال أن أمريكا ستعمل على إقتلاع الفكر القومي من العراق وهذا ما حصل ، ولكن من يقرأ ؟

لم يكن هؤلاء يعلمون الحقيقة ، لأنهم لم يستطيعوا قراءة خارطة جينات طارق عزيز العروبية ، ولذلك أقدموا على حماقاتهم وراهنوا على أن دسائسهم ستثمر عن قطيعة بينه وبين القيادة .

لم يعلم هؤلاء أيضا أن طارق عزيز كان عروبيا مسيحيا مؤمنا بمبادئه ووفيا لبلده وقيادته ، وهذا ماكان يظهر عليه خلال لقاءاته مع الوفود العربية ، ولم يكن الرجل كاذبا في حديثه ، لأن العيون كانت تسابق اللسان والشفاه في الإعراب عن مكنونات النفس .

مات طارق عزيز ميتة يتمناها كل الأحرار ، ويكفي أن الجهات التي قيل أنه يمثلها في العراق كالفاتيكان ، لم تتمكن من إخراجه من السجن حيا ، ولم تفرج عنه رغم الإنهيارت المستمرة في صحته ، وكان القرار أن يموت في السجن ، ولعل ذلك شرفا وتشريفا له .

كل العزاء لرفيقة دربه أم زياد ولأبنائه وبناته وأحفاده وأحرار الأمة القابضين على الجمر.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير