حكاية (مجلس) شجاع ..!
د. هند ابو الشعر
جو 24 : آلية المجالس وأدوارها مسألة مقلقة، وربما كنا بحاجة في زمن التحديث وإعادة النظر بحالنا كدولة مؤسسات تحاول الارتقاء بالعمل المؤسسي، إلى المكاشفة والمواجهة، وإلاّ فإن الشكلانية والعمل التقليدي سيصبح مقتلنا، ونحن في زمن أحوج ما نكون فيه إلى تثبيت أركان تميزنا في مجال التعليم والخدمات الطبية، ويبدو أن علينا أن نقرأ بعمق (الأوراق النقاشية) التي قدمها لنا سيدّ البلاد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، لنفهم إستراتيجية الزمن القادم بوعيّ حقيقي.
تجربة "مجلس التعليم العالي" تستحق المراجعة العميقة، والتعامل معها بهذه الصورة الرسمية تطرح تساؤلات كثيرة ومنطقية، ولا بدّ أن يسمع الرأي العام شهادة أعضاء المجلس المقال بتجربتهم، لأنها أصبحت قضية رأي عام، فقد تناولتها الصحافة والجهات المعنية بمجلس النواب والجسم الأكاديمي، وكانت مفاجأة الجهات التنفيذية عاجلة وبلا قراءة معمقة للعواقب، صحيح أن معالي وزير التعليم العالي مارس حقه الذي يمنحه إياه القانون في (العزل) والتعيين (أقول العزل لأن المجلس لم يستوف مدته القانونية)، ولأن ما جرى كان حالة نادرة مستعجلة ..! نعم، مستعجلة قبل عقد الجلسة المحددة دائما بأيام الخميس، وهي الجلسة التي كان يجب علينا كمجلس اتخاذ قرار تعيين رئيس إحدى الجامعات، وتمّ تأجيل الجلسة لحلّ المجلس الذي لم يهادن ولم يكن مجلسا تقليديا يمررّ القضايا المصيرية لحال التعليم العالي، ورغم حالات «التحشيد والاصطفاف« التي شاهدناها وتمت ممارسة الضغوط على بعضنا لتغيير موقفه، فإن المجلس كان عند الأمانة وشهدنا نهايته الدراماتيكية رسميا، قرأناها مثل غيرنا عبر المواقع الإلكترونية والصحافة بخبر عاجل.. وانتهت (حكاية مجلس شجاع).
ولأن ما مرّ لم يكن حالة خاصة بأيّ منا، فنحن نمثل أمانة، ولأننا نؤمن «بمأسسة الديمقراطية« التي تمثلها المجالس، فإن حلّ المجلس لا يلغي الرأي ولا يسودّ رأي الوزير ويلغي آراء أصحاب الخبرات الذين جمعتهم تركيبة المجلس المنحلّ، وللحق والتاريخ فإن القضايا التي عرضت على هذا المجلس كانت إشكالية لواقع التعليم العالي، وعلى رأسها رفع معدلات القبول، وتخفيف قوائم الاستثناءات وتجديد تعيين رؤساء جامعات انتهت خدماتهم حكما بفعل القانون، والذي (يجيز) التجديد للرئيس الذي قضى أربع سنوات، ومع أن قاعدة (المجربّ لا يجرب ّ) كانت حاضرة، لكن الاحتكام للجان تحكيم من أعلى الخبرات كانت حاضرة، وكنا بانتظار النتائج ليتم اتخاذ القرار في الجلسة التي تمّ اغتيالها وتعطيلها، وهي سابقة سيحكم عليها التاريخ، والأهم من كلّ القضايا الشخصية التي تتمثل بالتجديد لرئيس أو عدمه هو المؤسسية والتي كانت هاجسنا، صحيح أن بعضنا تعرض لضغوطات من جهات كثيرة ومن معالي الوزير نفسه للتجديد لأحد رؤساء الجامعات، لكن الكاتب الذي يحترم كلمته ويقدس مواقفه، لا يخاف من فقدان الكرسي، لأنه في زمن ما سيفقده، لكنه لا يفقد كرامته واحترام مواقفه وقداسة الكلمة، وأقولها بصدق كانت مقولة جلالة الملك عبد الله (ارفع رأسك فأنت أردني) ترنّ في أذني وأحس بأن عليّ أن أحتفظ بموقفي وليذهب الكرسي ولا يذهب احترامي لنفسي..!
أقول أخيرا، إنّ مثل هذه التجربة منحتني شخصيا فرصة ثمينة لأعرف آلية تفكير بناة التعليم العالي، كانت الجلسات محفزة وغير تقليدية، ولكنها كشفت عيوب المجالس وحسناتها، علينا أن نرتقي بالمجالس لتكون مكان «عصف ذهني« ولا تقبل التبعية والإملاء، علينا أن نضع الوطن أولا ولا شيء غيره، ولا أظن الأعضاء الذين تمت إقالتهم أصابتهم خسارة ما، ولكنى على ثقة تامة بأن التعليم العالي هو الخاسر، فهؤلاء كلهم أصحاب مواقع أكاديمية وإدارية، غادروا المجلس وحملوا خبراتهم معهم، والأمل أن يكون الزملاء الذين خلفونا هم خير خلف لخير سلف، وأما أنا فعلى المستوى الشخصي تغيرت لدي قناعات كثيرة، وصار لدي موضوعات تلح عليّ لأكتبها بعد هذه التجربة الغنية، والمهم أنني لا أفقد ثقتي بوطني أبدا وإن كنت فقدت ثقتي ببعض الذين عرفتهم .
(الدستور)
تجربة "مجلس التعليم العالي" تستحق المراجعة العميقة، والتعامل معها بهذه الصورة الرسمية تطرح تساؤلات كثيرة ومنطقية، ولا بدّ أن يسمع الرأي العام شهادة أعضاء المجلس المقال بتجربتهم، لأنها أصبحت قضية رأي عام، فقد تناولتها الصحافة والجهات المعنية بمجلس النواب والجسم الأكاديمي، وكانت مفاجأة الجهات التنفيذية عاجلة وبلا قراءة معمقة للعواقب، صحيح أن معالي وزير التعليم العالي مارس حقه الذي يمنحه إياه القانون في (العزل) والتعيين (أقول العزل لأن المجلس لم يستوف مدته القانونية)، ولأن ما جرى كان حالة نادرة مستعجلة ..! نعم، مستعجلة قبل عقد الجلسة المحددة دائما بأيام الخميس، وهي الجلسة التي كان يجب علينا كمجلس اتخاذ قرار تعيين رئيس إحدى الجامعات، وتمّ تأجيل الجلسة لحلّ المجلس الذي لم يهادن ولم يكن مجلسا تقليديا يمررّ القضايا المصيرية لحال التعليم العالي، ورغم حالات «التحشيد والاصطفاف« التي شاهدناها وتمت ممارسة الضغوط على بعضنا لتغيير موقفه، فإن المجلس كان عند الأمانة وشهدنا نهايته الدراماتيكية رسميا، قرأناها مثل غيرنا عبر المواقع الإلكترونية والصحافة بخبر عاجل.. وانتهت (حكاية مجلس شجاع).
ولأن ما مرّ لم يكن حالة خاصة بأيّ منا، فنحن نمثل أمانة، ولأننا نؤمن «بمأسسة الديمقراطية« التي تمثلها المجالس، فإن حلّ المجلس لا يلغي الرأي ولا يسودّ رأي الوزير ويلغي آراء أصحاب الخبرات الذين جمعتهم تركيبة المجلس المنحلّ، وللحق والتاريخ فإن القضايا التي عرضت على هذا المجلس كانت إشكالية لواقع التعليم العالي، وعلى رأسها رفع معدلات القبول، وتخفيف قوائم الاستثناءات وتجديد تعيين رؤساء جامعات انتهت خدماتهم حكما بفعل القانون، والذي (يجيز) التجديد للرئيس الذي قضى أربع سنوات، ومع أن قاعدة (المجربّ لا يجرب ّ) كانت حاضرة، لكن الاحتكام للجان تحكيم من أعلى الخبرات كانت حاضرة، وكنا بانتظار النتائج ليتم اتخاذ القرار في الجلسة التي تمّ اغتيالها وتعطيلها، وهي سابقة سيحكم عليها التاريخ، والأهم من كلّ القضايا الشخصية التي تتمثل بالتجديد لرئيس أو عدمه هو المؤسسية والتي كانت هاجسنا، صحيح أن بعضنا تعرض لضغوطات من جهات كثيرة ومن معالي الوزير نفسه للتجديد لأحد رؤساء الجامعات، لكن الكاتب الذي يحترم كلمته ويقدس مواقفه، لا يخاف من فقدان الكرسي، لأنه في زمن ما سيفقده، لكنه لا يفقد كرامته واحترام مواقفه وقداسة الكلمة، وأقولها بصدق كانت مقولة جلالة الملك عبد الله (ارفع رأسك فأنت أردني) ترنّ في أذني وأحس بأن عليّ أن أحتفظ بموقفي وليذهب الكرسي ولا يذهب احترامي لنفسي..!
أقول أخيرا، إنّ مثل هذه التجربة منحتني شخصيا فرصة ثمينة لأعرف آلية تفكير بناة التعليم العالي، كانت الجلسات محفزة وغير تقليدية، ولكنها كشفت عيوب المجالس وحسناتها، علينا أن نرتقي بالمجالس لتكون مكان «عصف ذهني« ولا تقبل التبعية والإملاء، علينا أن نضع الوطن أولا ولا شيء غيره، ولا أظن الأعضاء الذين تمت إقالتهم أصابتهم خسارة ما، ولكنى على ثقة تامة بأن التعليم العالي هو الخاسر، فهؤلاء كلهم أصحاب مواقع أكاديمية وإدارية، غادروا المجلس وحملوا خبراتهم معهم، والأمل أن يكون الزملاء الذين خلفونا هم خير خلف لخير سلف، وأما أنا فعلى المستوى الشخصي تغيرت لدي قناعات كثيرة، وصار لدي موضوعات تلح عليّ لأكتبها بعد هذه التجربة الغنية، والمهم أنني لا أفقد ثقتي بوطني أبدا وإن كنت فقدت ثقتي ببعض الذين عرفتهم .
(الدستور)