بوصلة التعليم العالي مفقودة ..!
د. هند ابو الشعر
جو 24 : حضرت عشرات وعشرات الاجتماعات والمؤتمرات والندوات واللقاءات التي تتحدث عن واقع حال التعليم العالي، وكان التنظير يغلب دائما على أصحاب الخبرات الأكاديمية، وما زلت أجد حالنا منذ مطلع التسعينيات حتى اليوم تراوح بين النقد أو الصمت وعدم الاكتراث، والبعد عن اتخاذ القرارات الحاسمة، وما زلنا كلنا نراقب وندبّ الصوت ولا نجرؤ على المواجهة، مع أننا في مركب واحد يكبر ويحتشد فيه الركاب، والبوصلة مفقودة ..!
نقول من باب الإنصاف والرؤية الموضوعية، إننا لا نفتقد التشريعات، وإننا منذ أن صدر أول قانون للتعليم العالي في وطننا عام 1965 م، لم نتوقف عن التعديل والمراجعة، وهذا أمر طبيعي؛ لأن الأردن ينمو بصورة مذهلة في هذا القطاع وبلا حساب، لا نفتقر إلى التشريعات إذن، ولا إلى المؤسسات، ولا رأس المال الأهلي الذي نافس التعليم الحكومي، ولدينا كفاءات في كل المجالات، فأين الخلل إذن ..؟ ما الذي يجعلنا نتراجع ..؟
سأسمح لنفسي من باب المعايشة والخبرة أن أقول بجرأة، إن الخلل يكمن الآن بفقدان البوصلة التي أحسنت قيادتنا طوال ستين عاما من عمر التعليم العالي في الوطن، وهذه البوصلة التي كانت تقودنا هي الحاكمية العليا التي يمثلها الوزير، وهو الذي يختار إدارات الجامعات، فإذا صلح الوزير وأحسن توجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح سار مركبنا بفعل رؤيته الواعية، وإذا كانت قيادته ضعيفة، فقدت التشريعات قيمتها المؤسسية، وغدت مجمدة في ثلاجة..! وهنا الطامة الكبرى، فما قيمة كل التشريعات وكل المسيرة المؤسسية إن قاد المركب ربان لا يحسن اختيار القيادات، ويتدخل في خط سير المؤسسية التي يجب أن تكون الخط الناظم للمؤسسات التعليمية، ونعرف بالتأكيد أن الإجابة الجاهزة ستواجهنا، والتي تقول بأن حرية الجامعات مكفولة وأن وزير التعليم العالي لا يتدخل في عمل المجالس التي تحكم الجامعات ..؟
تنظير رائع ولكنه غير حقيقي، صحيح أن المجالس قائمة وأنها محكومة بالقانون والأنظمة والتعليمات، لكنها كلها وبجرة قلم تصبح في حالة الجمود عندما يتدخل الوزير بصورة غير مباشرة، ويتم توجيه القيادات الأكاديمية نحو ما يريده الوزير، وما دمنا نقترب من وداع سنة جديدة، علينا أن نتذكر أن ما يحتاجه قطاع التعليم العالي هو الرؤية المستقبلية للسنوات العشر القادمات، وهي سنوات صعبة وعسيرة على كل صعيد، ويجب أن نضمن فيها التخطيط للمستقبل بكل وعي، وتثوير قطاع التعليم العالي، وتأكيد قيادة البوصلة لخريطة طريق ذكية، تقودها التشريعات الناظمة ولا يقودها مزاج وزير لا يبقى على كرسيه أكثر من عام، إن الخلل الذي يتهدد هذا القطاع الحيوي الذي سيقود أبناؤه من الخريجين مفاصل الدولة في العقد القادم، تغول السلطة التنفيذية على مسيرته، فلا فائدة لتاريخنا المؤسسي وتشريعاتنا إن طالت يد السلطة وتدخلت .
ودعونا نتذكر أننا نتحدث عن الأردن في عشرينيات القرن الحادي والعشرين، وعن الاستثمار في التعليم واجتذاب الطلبة من كل أنحاء العالم، وأن كل ما نرسمه من خطط، لا يجوز أن يكون مرتهنا بيد معالي الوزير، الذي لا يبقي في موقعه غير مدة محدودة .. ما الضمان إذًا لصمود المسيرة المؤسسية وعدم تجاوز المنظومة التشريعية من قبل أي وزير ..؟ وإذا كنا نضع أسسا لاختيار أعضاء الهيئات التدريسية والقيادات الأكاديمية ونتشدد فيها لضمان ضبط مسيرتنا الأكاديمية، فما هو الضمان لتوافر هذه الأسس في اختيار الوزراء ..؟ هذا هو السؤال الذي لا يطرحه أحد، ولا يجيب عنه أحد ..! لكنه سؤال المرحلة الذي سيضع البوصلة المفقودة بيد قيادة إدارية تحتاجها المرحلة القادمة بامتياز .
(الدستور)
نقول من باب الإنصاف والرؤية الموضوعية، إننا لا نفتقد التشريعات، وإننا منذ أن صدر أول قانون للتعليم العالي في وطننا عام 1965 م، لم نتوقف عن التعديل والمراجعة، وهذا أمر طبيعي؛ لأن الأردن ينمو بصورة مذهلة في هذا القطاع وبلا حساب، لا نفتقر إلى التشريعات إذن، ولا إلى المؤسسات، ولا رأس المال الأهلي الذي نافس التعليم الحكومي، ولدينا كفاءات في كل المجالات، فأين الخلل إذن ..؟ ما الذي يجعلنا نتراجع ..؟
سأسمح لنفسي من باب المعايشة والخبرة أن أقول بجرأة، إن الخلل يكمن الآن بفقدان البوصلة التي أحسنت قيادتنا طوال ستين عاما من عمر التعليم العالي في الوطن، وهذه البوصلة التي كانت تقودنا هي الحاكمية العليا التي يمثلها الوزير، وهو الذي يختار إدارات الجامعات، فإذا صلح الوزير وأحسن توجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح سار مركبنا بفعل رؤيته الواعية، وإذا كانت قيادته ضعيفة، فقدت التشريعات قيمتها المؤسسية، وغدت مجمدة في ثلاجة..! وهنا الطامة الكبرى، فما قيمة كل التشريعات وكل المسيرة المؤسسية إن قاد المركب ربان لا يحسن اختيار القيادات، ويتدخل في خط سير المؤسسية التي يجب أن تكون الخط الناظم للمؤسسات التعليمية، ونعرف بالتأكيد أن الإجابة الجاهزة ستواجهنا، والتي تقول بأن حرية الجامعات مكفولة وأن وزير التعليم العالي لا يتدخل في عمل المجالس التي تحكم الجامعات ..؟
تنظير رائع ولكنه غير حقيقي، صحيح أن المجالس قائمة وأنها محكومة بالقانون والأنظمة والتعليمات، لكنها كلها وبجرة قلم تصبح في حالة الجمود عندما يتدخل الوزير بصورة غير مباشرة، ويتم توجيه القيادات الأكاديمية نحو ما يريده الوزير، وما دمنا نقترب من وداع سنة جديدة، علينا أن نتذكر أن ما يحتاجه قطاع التعليم العالي هو الرؤية المستقبلية للسنوات العشر القادمات، وهي سنوات صعبة وعسيرة على كل صعيد، ويجب أن نضمن فيها التخطيط للمستقبل بكل وعي، وتثوير قطاع التعليم العالي، وتأكيد قيادة البوصلة لخريطة طريق ذكية، تقودها التشريعات الناظمة ولا يقودها مزاج وزير لا يبقى على كرسيه أكثر من عام، إن الخلل الذي يتهدد هذا القطاع الحيوي الذي سيقود أبناؤه من الخريجين مفاصل الدولة في العقد القادم، تغول السلطة التنفيذية على مسيرته، فلا فائدة لتاريخنا المؤسسي وتشريعاتنا إن طالت يد السلطة وتدخلت .
ودعونا نتذكر أننا نتحدث عن الأردن في عشرينيات القرن الحادي والعشرين، وعن الاستثمار في التعليم واجتذاب الطلبة من كل أنحاء العالم، وأن كل ما نرسمه من خطط، لا يجوز أن يكون مرتهنا بيد معالي الوزير، الذي لا يبقي في موقعه غير مدة محدودة .. ما الضمان إذًا لصمود المسيرة المؤسسية وعدم تجاوز المنظومة التشريعية من قبل أي وزير ..؟ وإذا كنا نضع أسسا لاختيار أعضاء الهيئات التدريسية والقيادات الأكاديمية ونتشدد فيها لضمان ضبط مسيرتنا الأكاديمية، فما هو الضمان لتوافر هذه الأسس في اختيار الوزراء ..؟ هذا هو السؤال الذي لا يطرحه أحد، ولا يجيب عنه أحد ..! لكنه سؤال المرحلة الذي سيضع البوصلة المفقودة بيد قيادة إدارية تحتاجها المرحلة القادمة بامتياز .
(الدستور)