العملاء الجدد للطاقة النووية..
د. باسل برقان
جو 24 : كارثة مدينة فوكوشيما في اليابان بإنصهار المفاعلات الذرية الأربعة في 11/3/2011 كانت نقطة تحول تاريخية في هذه الصناعة. فبعد 3 أيام فقط وفي 14/3/2011 إجتمع البرلمان الألماني (البوندستاج) وقرر بأغلبية مطلقة تفعيل قرار قديم عمره 11 عام وهو الإنسحاب من الطاقة الذرية كمصدر لإنتاج الطاقة والتي تشكل 23% من خليط الطاقة الألماني. وقد كان التصويت آنذاك بعام 2000 بنسبة 98% لإغلاق المفاعلات الذرية الألمانية.
بعد شهرين فقط من هذه الحادثة، صوت البرلمان السويسري إيجاباً لإغلاق الخمسة مفاعلات ذرية والتي تساهم في نسبة كبيرة من خليط الطاقة وفي سويسرا تصل إلى 39%. وفي صيف عام 2011 أيضاً (حزيران)، صوت الشعب الإيطالي بنسبة 94% رافضين فكرة طرحتها الحكومة لإدخال الطاقة الذرية إلى إيطاليا. إسبانيا أعلنت بأنها لن تبني مفاعلات ذرية جديدة وستترك القديم لينتهي عمره وستتحول إلى الطاقة المتجددة لسد الحاجة. بالمجموع، هنالك 14 دولة غرب أوروبية (ألمانيا، سويسرا، إسبانيا، إيطاليا، النمسا، الدنمارك، اليونان، إيرلندا، لتفيا، ليختشتاين، لوكسومبورغ، مالطا، النرويج والبرتغال) أعلنت إما رفضها القاطع أو خروجها المرحلي من النادي النووي مما شكل صفعة قوية في وجه هذه الصناعة وشركاتها. وأعلنت هذه الدول التوجه إلى الطاقة المتجددة أو التوليد عن طريق الغاز الذي هو أنظف من الفحم الحجري أو الديزل والوقود الثقيل.
وبنفس الوقت أعلن السيد بيتر لوشر وهو المدير العام لشركة سيمنز الألمانية العظمى بأن شركته ستغلق القسم المعني بالطاقة النووية وأن قسم الطاقة المتجددة بشركتة تمتع بأعلى نسبة نمو بين جميع الأقسام (صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية 18/9/2011).
هنا شعرت شركات بناء وتشغيل المحطات النووية بالخطر وأن هذه الصناعة القائمة من خمسينيات وستينيات القرن الماضي في طريقها إلى الموت البطيء والزوال، وهي توظف عشرات الأف الموظفين. فعلى سبيل المثال، شركة روس أتوم الروسية هي شركة حكومية تمتلكها الحكومة الروسية مثلها مثل شركة أريفا الفرنسية والتي توظف 48 ألف موظف، وإن قرار إغلاق هذه الصناعة هو كارثة سياسة ستلحق حكوماتها وتؤدي إلى رسوب سياسي وتصعيد وإحتجاجات من مواطنيهم. وقد جوبهت هاتان الشركتان بقضايا الفساد والرشوة وأعمال غير قانونية في العديد من الدول خلال السنوات الخمسة الماضية.
شركات صناعة المحطات النووية تمكنت من إنشاء مجموعة لوبي بعد الكوارث الثلاثة الشهيرة في هذه الصناعة (كارثة الأميال الثلاثة عام 1978 بأمريكا، كارثة محطة تشرنوبل عام 1986 بالإتحاد السوفيتي وأخيراً كارثة محطة فوكوشيما عام 2011 باليابان). ولكن هذا اللوبي لم يفلح بإيجاد أسواق أو مشاريع جديدة في العالم الغربي بسبب الرفض المجتمعي لهذا المصدر القذر والخطير للطاقة ولشدة قوانين وتشاريع السلامة المفروضة عليها والتي ترفع كلفة الإنتاج إلى أضعاف المصادر الأخرى من الطاقة. فلذلك توجهت هذه الشركات مثل أريفا الفرنسية وروس أتوم الروسية إلى دول العالم الثالث لإيجاد عملاء جدد من هذه الدول.
بالرغم من أن دول العالم الثالث تواجه صعوبات في إيجاد أي مخصصات مالية لتمويل المشاريع الكبرى، فإن شركات بناء المحطات النووية ترى في هذه الدول فرصة متاحة كونها تفتقر للشفافية وينتشر بها الفساد والرشوة. والأهم من ذلك كله عدم وجود قوانين وضوابط الأمان لهذه الصناعة مما يخفض ثمن بنائها وتشغيلها ويزيد من الأرباح مقارنة بالدول الصناعية المتحضرة والتي قطعت شوطاً كبيراً في التشريع.
بالأردن تناست هيئة الطاقة الذرية الأردنية أهم الشروط للدخول في النادي النووي. فإن إجراءات إنشاء المحطات النووية حسب ما نشرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبالوثيقة رقم 1513 تفرض إصدار دراسة جدوى إقتصادية للمشروع تعتمد من المؤسسات المالية وتفرض أيضاً شرط محاورة المجتمعات المحلية وأخذ موافقتهم. ولكن هذا لم يتم نهائياً بالأردن، حيث بعد ثمانية سنوات من إنشاء الهيئة لم تصدر جدوى إقتصادية للمشروع مع أنها تعاقدت مع الشركة الروسية وتبحث عن تمويل محلي ودولي للمحطة النووية. وقد بنيت المحطة النووية البحثية في جامعة العلوم والتكنولوجيا بدون موافقة السكان أو جدوى إقتصادية. وقد إعترض السكان المجاورين فقاموا بإقتحام مرافق المحطة، وتم تحطيم مكاتبها في صيف عام 2012 مما حدا على الهيئة لإنشاء أسوار حولها أعلى من أسوار السجن.
وتفرض إجراءات الوكالة الدولية العديد من الشروط التي تم تجاهلها بالأردن وكأنما المشروع هو إنشاء مزرعة دواجن.
في شهر كانون ثاني من عام 2012 إقتحم فلاحون من القرى المحيطة لمحطة ضبعة النووية في مصر المحطة بعد 5 سنوات من الإحتجاج على المشروع. كانت نتيجة الإقتحام سرقة كامل المحتويات وتم فقدان 18 مصدر مشع خطر ومسرطن ولغاية تاريخه. وفي العراق هاجم المواطنون سبعة مراكز أبحاث نووية في أول إسبوع من إحتلال أمريكا بشهر نيسان عام 2003. وفي بولندا قام المواطنون بسرقة محطة زارنوفيك فور سقوط الإتحاد السوفيتي والأمثلة لا تعد ولا تحصى عن الرفض المجتمعي لهذا المصدر من الطاقة.
وبعد كل ذلك نرى العديد من دول العالم الثالث تعلن عن نيتها دخول النادي النووي وكأنها معيار للتقدم وبالرغم من تأكيد العالم الصناعي قذارة هذا المصدر للطاقة وعدوله عنها. فدول مثل مصر، والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن واليمن و المغرب و الجزائر و تونس و السودان و تشيلي و الاكوادور و بنغلادش و منغوليا و كازاخستان و فيتنام إما أعلنت عن التوجه للطاقة النووية او باشرت فعلاً بالبناء بالرغم من عدم وجود اي خبرات لديها نهائياً في هذا النوع الخطر من الطاقة. والاهم من ذلك فان الغالبية العظمى من هذه الدول تتمتع بسطوع شمسي ما يزيد عن 330 يوماً بالسنة وهي الطاقة المستدامة والأرخص والأنظف حالياً بالإضافة إلى ممرات هوائية لا تعد ولا تحصى لإنشاء مزارع مراوح الرياح وجميعها تعد مشاريع سيادية وطنية ولا تعتمد على إدارة الشركات الأجنبية، لا بل توظف أبناء بلادها لإنشائها وإدارتها.
يبقى السؤال، هل سيستيقظ العالم النامي من ظلام مشاريع الطاقة النووية التي يتخلى عنها الغرب؟ الإجابة من الوطن على ما يبدو "ليس حالياً...."
بعد شهرين فقط من هذه الحادثة، صوت البرلمان السويسري إيجاباً لإغلاق الخمسة مفاعلات ذرية والتي تساهم في نسبة كبيرة من خليط الطاقة وفي سويسرا تصل إلى 39%. وفي صيف عام 2011 أيضاً (حزيران)، صوت الشعب الإيطالي بنسبة 94% رافضين فكرة طرحتها الحكومة لإدخال الطاقة الذرية إلى إيطاليا. إسبانيا أعلنت بأنها لن تبني مفاعلات ذرية جديدة وستترك القديم لينتهي عمره وستتحول إلى الطاقة المتجددة لسد الحاجة. بالمجموع، هنالك 14 دولة غرب أوروبية (ألمانيا، سويسرا، إسبانيا، إيطاليا، النمسا، الدنمارك، اليونان، إيرلندا، لتفيا، ليختشتاين، لوكسومبورغ، مالطا، النرويج والبرتغال) أعلنت إما رفضها القاطع أو خروجها المرحلي من النادي النووي مما شكل صفعة قوية في وجه هذه الصناعة وشركاتها. وأعلنت هذه الدول التوجه إلى الطاقة المتجددة أو التوليد عن طريق الغاز الذي هو أنظف من الفحم الحجري أو الديزل والوقود الثقيل.
وبنفس الوقت أعلن السيد بيتر لوشر وهو المدير العام لشركة سيمنز الألمانية العظمى بأن شركته ستغلق القسم المعني بالطاقة النووية وأن قسم الطاقة المتجددة بشركتة تمتع بأعلى نسبة نمو بين جميع الأقسام (صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية 18/9/2011).
هنا شعرت شركات بناء وتشغيل المحطات النووية بالخطر وأن هذه الصناعة القائمة من خمسينيات وستينيات القرن الماضي في طريقها إلى الموت البطيء والزوال، وهي توظف عشرات الأف الموظفين. فعلى سبيل المثال، شركة روس أتوم الروسية هي شركة حكومية تمتلكها الحكومة الروسية مثلها مثل شركة أريفا الفرنسية والتي توظف 48 ألف موظف، وإن قرار إغلاق هذه الصناعة هو كارثة سياسة ستلحق حكوماتها وتؤدي إلى رسوب سياسي وتصعيد وإحتجاجات من مواطنيهم. وقد جوبهت هاتان الشركتان بقضايا الفساد والرشوة وأعمال غير قانونية في العديد من الدول خلال السنوات الخمسة الماضية.
شركات صناعة المحطات النووية تمكنت من إنشاء مجموعة لوبي بعد الكوارث الثلاثة الشهيرة في هذه الصناعة (كارثة الأميال الثلاثة عام 1978 بأمريكا، كارثة محطة تشرنوبل عام 1986 بالإتحاد السوفيتي وأخيراً كارثة محطة فوكوشيما عام 2011 باليابان). ولكن هذا اللوبي لم يفلح بإيجاد أسواق أو مشاريع جديدة في العالم الغربي بسبب الرفض المجتمعي لهذا المصدر القذر والخطير للطاقة ولشدة قوانين وتشاريع السلامة المفروضة عليها والتي ترفع كلفة الإنتاج إلى أضعاف المصادر الأخرى من الطاقة. فلذلك توجهت هذه الشركات مثل أريفا الفرنسية وروس أتوم الروسية إلى دول العالم الثالث لإيجاد عملاء جدد من هذه الدول.
بالرغم من أن دول العالم الثالث تواجه صعوبات في إيجاد أي مخصصات مالية لتمويل المشاريع الكبرى، فإن شركات بناء المحطات النووية ترى في هذه الدول فرصة متاحة كونها تفتقر للشفافية وينتشر بها الفساد والرشوة. والأهم من ذلك كله عدم وجود قوانين وضوابط الأمان لهذه الصناعة مما يخفض ثمن بنائها وتشغيلها ويزيد من الأرباح مقارنة بالدول الصناعية المتحضرة والتي قطعت شوطاً كبيراً في التشريع.
بالأردن تناست هيئة الطاقة الذرية الأردنية أهم الشروط للدخول في النادي النووي. فإن إجراءات إنشاء المحطات النووية حسب ما نشرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبالوثيقة رقم 1513 تفرض إصدار دراسة جدوى إقتصادية للمشروع تعتمد من المؤسسات المالية وتفرض أيضاً شرط محاورة المجتمعات المحلية وأخذ موافقتهم. ولكن هذا لم يتم نهائياً بالأردن، حيث بعد ثمانية سنوات من إنشاء الهيئة لم تصدر جدوى إقتصادية للمشروع مع أنها تعاقدت مع الشركة الروسية وتبحث عن تمويل محلي ودولي للمحطة النووية. وقد بنيت المحطة النووية البحثية في جامعة العلوم والتكنولوجيا بدون موافقة السكان أو جدوى إقتصادية. وقد إعترض السكان المجاورين فقاموا بإقتحام مرافق المحطة، وتم تحطيم مكاتبها في صيف عام 2012 مما حدا على الهيئة لإنشاء أسوار حولها أعلى من أسوار السجن.
وتفرض إجراءات الوكالة الدولية العديد من الشروط التي تم تجاهلها بالأردن وكأنما المشروع هو إنشاء مزرعة دواجن.
في شهر كانون ثاني من عام 2012 إقتحم فلاحون من القرى المحيطة لمحطة ضبعة النووية في مصر المحطة بعد 5 سنوات من الإحتجاج على المشروع. كانت نتيجة الإقتحام سرقة كامل المحتويات وتم فقدان 18 مصدر مشع خطر ومسرطن ولغاية تاريخه. وفي العراق هاجم المواطنون سبعة مراكز أبحاث نووية في أول إسبوع من إحتلال أمريكا بشهر نيسان عام 2003. وفي بولندا قام المواطنون بسرقة محطة زارنوفيك فور سقوط الإتحاد السوفيتي والأمثلة لا تعد ولا تحصى عن الرفض المجتمعي لهذا المصدر من الطاقة.
وبعد كل ذلك نرى العديد من دول العالم الثالث تعلن عن نيتها دخول النادي النووي وكأنها معيار للتقدم وبالرغم من تأكيد العالم الصناعي قذارة هذا المصدر للطاقة وعدوله عنها. فدول مثل مصر، والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن واليمن و المغرب و الجزائر و تونس و السودان و تشيلي و الاكوادور و بنغلادش و منغوليا و كازاخستان و فيتنام إما أعلنت عن التوجه للطاقة النووية او باشرت فعلاً بالبناء بالرغم من عدم وجود اي خبرات لديها نهائياً في هذا النوع الخطر من الطاقة. والاهم من ذلك فان الغالبية العظمى من هذه الدول تتمتع بسطوع شمسي ما يزيد عن 330 يوماً بالسنة وهي الطاقة المستدامة والأرخص والأنظف حالياً بالإضافة إلى ممرات هوائية لا تعد ولا تحصى لإنشاء مزارع مراوح الرياح وجميعها تعد مشاريع سيادية وطنية ولا تعتمد على إدارة الشركات الأجنبية، لا بل توظف أبناء بلادها لإنشائها وإدارتها.
يبقى السؤال، هل سيستيقظ العالم النامي من ظلام مشاريع الطاقة النووية التي يتخلى عنها الغرب؟ الإجابة من الوطن على ما يبدو "ليس حالياً...."