بَيْن عبد الله محادين وجلال الأشقر
لميس أندوني
جو 24 : عبد الله محادين هو أحد الشباب المعتقلين على خلفية اعتصام الدوار الرابع, الذي كان يطالب بإطلاق سراح نشطاء حراك الطفيلة.
أما إيهاب الأشقر فهو الشاب الذي أصيب بطلق ناري خلال مسيرة العودة في أيار الماضي ولا تزال الرصاصة مستقرة في أسفل عموده الفقاري.
بين عبد الله ابن الكرك وجلال ابن غزة الكثير الكثير من تاريخ الأردن الوطني, وما يجب أن يكون عليه حاضره ومستقبله.
في ذكرى النكبة العام الماضي كان كل من عبد الله و جلال في الغور, النقطة الأقرب إلى فلسطين, يشاركان في مسيرة العودة.
عبد الله يكمل ما بدأه أجداده منذ بداية القرن العشرين برفض الاستيطان الصهيوني لأرض فلسطين; في حين يعبر جلال عن تصميم اللاجئ الفلسطيني على العودة إلى بلاده مهما طال أمد الاحتلال والظلم.
لم يكن جلال وعبد الله يعرفان بعضهما بعضا, وربما لم يكونا قد التقيا لولا حادثة إطلاق النار- التي لحد الآن لم يعرف مصدرها وإن جاءت مع بدء مهاجمة ومطاردة المشاركين في المسيرة.
بعد أيام من المسيرة علمت من صديق أن جلال يرقد في مستشفى مدينة الحسين الطبية, وقد اجريت له عملية جراحية صعبة بعد أن مزقت الرصاصة جزءا من أمعائه وتركته في حالة حرجة وفي خوف من شلل نصفي دائم.
وبعد أن بدأت باتصالات مع سياسيين, ومسؤولية, اكتشفت أن شباب الحراك كانوا يبحثون عن مكان جلال بعد أن سمعوا عن إصابته, وتسارعوا إلى الذهاب إلى المستشفى للاطمئنان عليه والوقوف إلى جانبه. أذكر تماما أنني وفي زيارتي الثانية عندما قالوا لي أن شاباً اسمه عبد الله محادين قد جاءهم إلى المستشفى معلناً تضامنه بتعاطف واضح وبقوة.
لفت نظري تركيز الأهل على عائلة خالد, فكونه ابن الكرك, كان يعني الكثير فهو يعكس شعور أهل غزة بتهميش وإبعاد قد لا يدركه آخرون.
قمت بتعريفهم الى الشبيبة الذين كانوا معي و كنت أنا في رفقتهم ومنهم حمزة زغلول و أحمد عدنان و أحمد النجداوي ولين خياط ومحمد صعوب وطارق كميل, ولم يفتني أيضاً لحظتها أن أرى ارتياح الأهل الواضح لاكتشافهم الأصول المختلفة للمتضامنين مع ابنهم.
استوقفني المشهد طويلاً ولم يذهب عن بالي معناه العميق المريح والمزعج في آن, كانت لحظات الزيارة تصويرا لمشهد تلاحم وطني منطلقه توحد القناعة بحقوق المواطنة والمساواة وبالتزام بالقضية الفلسطينية.
ولكن المشهد كان يحمل في طياته التغيير الذي حدث في الأردن حيث أصبح ما كان يعتبر موقفاً عادياً جداً من التلاحم الوطني التلقائي في عقود ماضية إلى موقف يستوجب ال¯تأمل والتفكير وحتى الفرح الاستثنائي.
في الأسابيع التي تلت نظم شباب الحراك مظاهرات أمام مبنى وزارة الداخلية مطالبين بأن تتولى الدولة تكاليف علاج وإعادة تأهيل جلال بالكامل والتحقيق والكشف ومحاكمة الجاني لكن كما في جميع الحالات المماثلة وان جرى هناك أي تحقيق فلم تعلن أي نتائج ولم يحاسب الجاني.
في تلك المظاهرات التي رفعت بها صور جلال كان لعبد الله دور قيادي لافت متصدراً الصدح بالشعارات, وكان هناك كما دائما صديقه ورفيقه نهاد زهير المميز بشعره الأسود الطويل الذي يجعله شبه عازف قيثارة لاتيني ومختلفا تماما عن صديقه عبد الله ذي القصة القصيرة الأنيقة والنظارات الحديثة ويبدو دائما انه طالب مُجِدّ مكانه بين رزمات الكتب منكبا على الأبحاث أو مشغولاً بتطوير برامج حاسوب متقدمة - بدلا من وجودهما الدائم في المسيرات والمظاهرات.
المهم ان كلا من شبيه عازف القيثارة اللاتيني والطالب الأنيق المُجِدّ, يقبعان في السجن, في حين يمضي جلال, الملقب بمهند لشبهه غير العادي بالممثل التركي الوسيم, في بيته ينتظر الشفاء الكامل ويبحث عن عمل لا يجده.
لكن الثلاثة ينتظرون ويبحثون عن العدالة في أردن يكون بالفعل مساويا وضامناً لحق كل مواطنيه.
المشكلة أننا فقدنا الإحساس بالظلم الذي يتعرض له الآخر منا إذا لم يكن ينتمي إلى مُكوِنّنا الاقليمي أو الاجتماعي.
فاصبح اللاجئ الذي تشردت عائلته مرتين, من قرية بربرة القريبة من مجدل فلسطين وثم من قطاع غزة يصور على أنه خطر ديمغرافي على ابن الطفيلة والكرك وكأنه يخطط للوطن البديل, وعندما يحاول التعبير عن حنينه إلى أرضه يصاب برصاصة تمزق أحشاءه.
وفي ضجة التفرقة الاقليمية, نصل إلى مرحلة تبدو فيها آمال عبد الله ورفاقه, بما في ذلك حراك الطفيلة, تهديداً لحقوق المواطنة لمن فقد موطنه وأن باستطاعته شد الرحال في أية لحظة والعودة.
كيف وصلت الى هذه المعادلة? مسألة تستحق البحث والتفكير.
في النهاية ننسى اننا كلنا عبد الله وإيهاب, ولنتذكر ذلك جيداً قبل أن نستمر في عملية التحطيم.
العرب اليوم
أما إيهاب الأشقر فهو الشاب الذي أصيب بطلق ناري خلال مسيرة العودة في أيار الماضي ولا تزال الرصاصة مستقرة في أسفل عموده الفقاري.
بين عبد الله ابن الكرك وجلال ابن غزة الكثير الكثير من تاريخ الأردن الوطني, وما يجب أن يكون عليه حاضره ومستقبله.
في ذكرى النكبة العام الماضي كان كل من عبد الله و جلال في الغور, النقطة الأقرب إلى فلسطين, يشاركان في مسيرة العودة.
عبد الله يكمل ما بدأه أجداده منذ بداية القرن العشرين برفض الاستيطان الصهيوني لأرض فلسطين; في حين يعبر جلال عن تصميم اللاجئ الفلسطيني على العودة إلى بلاده مهما طال أمد الاحتلال والظلم.
لم يكن جلال وعبد الله يعرفان بعضهما بعضا, وربما لم يكونا قد التقيا لولا حادثة إطلاق النار- التي لحد الآن لم يعرف مصدرها وإن جاءت مع بدء مهاجمة ومطاردة المشاركين في المسيرة.
بعد أيام من المسيرة علمت من صديق أن جلال يرقد في مستشفى مدينة الحسين الطبية, وقد اجريت له عملية جراحية صعبة بعد أن مزقت الرصاصة جزءا من أمعائه وتركته في حالة حرجة وفي خوف من شلل نصفي دائم.
وبعد أن بدأت باتصالات مع سياسيين, ومسؤولية, اكتشفت أن شباب الحراك كانوا يبحثون عن مكان جلال بعد أن سمعوا عن إصابته, وتسارعوا إلى الذهاب إلى المستشفى للاطمئنان عليه والوقوف إلى جانبه. أذكر تماما أنني وفي زيارتي الثانية عندما قالوا لي أن شاباً اسمه عبد الله محادين قد جاءهم إلى المستشفى معلناً تضامنه بتعاطف واضح وبقوة.
لفت نظري تركيز الأهل على عائلة خالد, فكونه ابن الكرك, كان يعني الكثير فهو يعكس شعور أهل غزة بتهميش وإبعاد قد لا يدركه آخرون.
قمت بتعريفهم الى الشبيبة الذين كانوا معي و كنت أنا في رفقتهم ومنهم حمزة زغلول و أحمد عدنان و أحمد النجداوي ولين خياط ومحمد صعوب وطارق كميل, ولم يفتني أيضاً لحظتها أن أرى ارتياح الأهل الواضح لاكتشافهم الأصول المختلفة للمتضامنين مع ابنهم.
استوقفني المشهد طويلاً ولم يذهب عن بالي معناه العميق المريح والمزعج في آن, كانت لحظات الزيارة تصويرا لمشهد تلاحم وطني منطلقه توحد القناعة بحقوق المواطنة والمساواة وبالتزام بالقضية الفلسطينية.
ولكن المشهد كان يحمل في طياته التغيير الذي حدث في الأردن حيث أصبح ما كان يعتبر موقفاً عادياً جداً من التلاحم الوطني التلقائي في عقود ماضية إلى موقف يستوجب ال¯تأمل والتفكير وحتى الفرح الاستثنائي.
في الأسابيع التي تلت نظم شباب الحراك مظاهرات أمام مبنى وزارة الداخلية مطالبين بأن تتولى الدولة تكاليف علاج وإعادة تأهيل جلال بالكامل والتحقيق والكشف ومحاكمة الجاني لكن كما في جميع الحالات المماثلة وان جرى هناك أي تحقيق فلم تعلن أي نتائج ولم يحاسب الجاني.
في تلك المظاهرات التي رفعت بها صور جلال كان لعبد الله دور قيادي لافت متصدراً الصدح بالشعارات, وكان هناك كما دائما صديقه ورفيقه نهاد زهير المميز بشعره الأسود الطويل الذي يجعله شبه عازف قيثارة لاتيني ومختلفا تماما عن صديقه عبد الله ذي القصة القصيرة الأنيقة والنظارات الحديثة ويبدو دائما انه طالب مُجِدّ مكانه بين رزمات الكتب منكبا على الأبحاث أو مشغولاً بتطوير برامج حاسوب متقدمة - بدلا من وجودهما الدائم في المسيرات والمظاهرات.
المهم ان كلا من شبيه عازف القيثارة اللاتيني والطالب الأنيق المُجِدّ, يقبعان في السجن, في حين يمضي جلال, الملقب بمهند لشبهه غير العادي بالممثل التركي الوسيم, في بيته ينتظر الشفاء الكامل ويبحث عن عمل لا يجده.
لكن الثلاثة ينتظرون ويبحثون عن العدالة في أردن يكون بالفعل مساويا وضامناً لحق كل مواطنيه.
المشكلة أننا فقدنا الإحساس بالظلم الذي يتعرض له الآخر منا إذا لم يكن ينتمي إلى مُكوِنّنا الاقليمي أو الاجتماعي.
فاصبح اللاجئ الذي تشردت عائلته مرتين, من قرية بربرة القريبة من مجدل فلسطين وثم من قطاع غزة يصور على أنه خطر ديمغرافي على ابن الطفيلة والكرك وكأنه يخطط للوطن البديل, وعندما يحاول التعبير عن حنينه إلى أرضه يصاب برصاصة تمزق أحشاءه.
وفي ضجة التفرقة الاقليمية, نصل إلى مرحلة تبدو فيها آمال عبد الله ورفاقه, بما في ذلك حراك الطفيلة, تهديداً لحقوق المواطنة لمن فقد موطنه وأن باستطاعته شد الرحال في أية لحظة والعودة.
كيف وصلت الى هذه المعادلة? مسألة تستحق البحث والتفكير.
في النهاية ننسى اننا كلنا عبد الله وإيهاب, ولنتذكر ذلك جيداً قبل أن نستمر في عملية التحطيم.
العرب اليوم