jo24_banner
jo24_banner

لا للإقصاء

لميس أندوني
جو 24 :

الاستقطاب الحاد بين المثقفين العرب، وفي الرأي العام العربي حول الأحداث في مصر، وقبل ذلك في سورية، كشف عن قبول واسع بالإقصائية فكراً وممارسة، إذا كان ذلك يتناسب مع المواقف السياسية من ذلك الطرف أو ذاك.
بعض العلمانيين واليساريين، يبررون موقفه بأن الأحزاب الدينية بطبيعتها إقصائية للجميع، ولا تعترف بالآخر الذي لا يتماشى معها، وأنا شخصيا لا أؤمن باستعداد أي حزب ديني، مسلم أو مسيحي، بالتخلي عن إقصائيته.
لكن هذا لا يبرر الإقصائية التي نقبل بها باسم "التقدمية"، يبدو أننا نقبل بذلك وأكثر، ونعتقد أن علمانياتنا، تنزع عنا صفة الإقصائية وتعطينا رخصة لكل مواقفنا التي نعتبرها أخلاقية ومعادية للامبريالية، وتنزع أحياناً الإنسانية عن خصومنا السياسيين والأيديولوجيين.
الادعاء باليسارية او العلمانية او الليبرالية، ليس كافيا لبناء مجتمعات العدالة والقانون، إذا لم نمارس قولاً وفعلاً المبادئ التي نؤمن ونلتزم بها.
لكن ما نقوم به هو أننا لا نتورع عن تطويع الحقائق لتناسب مواقفنا السياسية، لأننا نحدد أنفسنا بمخاوفنا من الآخر وليس برؤية مستقبلية للتغيير لبناء دولة مدنية ديمقراطية وتعددية، تؤسس لعدالة اجتماعية.
ففي الحالة المصرية، بعدما أيدنا شعار "يسقط، يسقط حكم العسكر"، قال بعضنا ولم يوفر في الكلمات، عن قمع الجيش و تفاهماته الأمريكية، لكن بمجرد عزل الرئيس محمد مرسي، بدأنا نصفه بأنه جيش "جمال عبد الناصر" و"حارس الثورة".
أي نفقد توازننا بسهولة لأننا رأينا بخطوة الجيش فرصة للتخلص من الاخوان الى الأبد، غير آبهين بما يعني ذلك من تداعيات على مصر وتعميق الانقسام العمودي في المجتمع المصري والعالم العربي أجمع.
هذا هو الفكر الإقصائي بعينه؛ فإننا لا نعتبر قاعدة الاخوان الشعبية جزءا من المجتمع المصري، بل بعضنا لا يعتبر أفرادها بشرا ولا حتى من المخلوقات الحية، ويبرر سجنها وقتلها، فما هي بالتحديد رؤيتنا التي نغلفها بأقوال ماركس، والشهيد غسان كنفاني والثائر تشي غيفارا والمناضل العظيم نيلسون مانديلا، هل تعلمنا منهم شيئاً؟
قد يقول البعض إن وصول النازية والفاشية جاءت عبر صندوق الانتخابات، هذا صحيح لكن لا نستطيع اعتماد هذه الحجة لعدم مواجهة إقصائيتنا، ولذلك فإن أكبر خلل في التجربة المصرية كان في وضع الدستور بعد الانتخابات وليس قبلها، حتى لا يستطيع الحزب الفائز ممارسة المغالبة ويحاول تطويع الدستور لسلطته.
بعضنا يصر على أن إسقاط محمد مرسي هو جزء من إسقاط المشروع الأمريكي -الصهيوني في المنطقة، وكأن قيادة الجيش، ليست جزءا من النظام البائد، ولن تحاول تقديم بدائل الى واشنطن لتمرير السياسات نفسها، والدليل ترشيح زياد بهاء الدين لرئاسة الوزراء وهو من أشد المؤيدين لبرامج صندوق النقد الدولي.
الشعارات المنددة بأمريكا في ميدان التحرير، هي ردة فعل على موقف الإدارة الأمريكية الرافضة خلع مرسي، لأنها خسرت فرصة التعاون مع اسلاميين لهم شرعية انتخابية، ويتماشون مع اهم سياساتها، لكن العبء يقع على قيادة المعارضة والثورة، وعليها أن تقدم للجماهير رؤية تقدمية تحررية، اذ إن بعض أطراف المعارضة لم يتوقفوا يوما عن عرض خدماتهم لامريكا.
أعترف أنني معنية بعدم التخلي عن التحليل النقدي، وأن واجبي أن أبدأ بالطرف الذي أؤيد، لأن ما يقدمه من قيم ومبادئ، شعارات وممارسة، هي أهم من مواقف تحكمها الخصومة السياسية، مهما كان الخصم غارقا في الاستبداد والرجعية مهما كان الاختلاف معه.
أنا منحازة ايديولوجياً وسياسياً، الى مفاهيم العلمانية واليسار، وبالأخص الى العدالة الاجتماعية، لكن لن استطيع خداع نفسي أن ما تقوم به قيادة العسكر هو الدفاع عن الطبقات الكادحة والعمال، عدا أننا لا نستطيع أن ننسى ما كان يصفه الثوار المناهضون للإخوان أنفسهم بمجازر الجيش.
في النهاية، على الجميع مراجعة مواقفهم، بما ذلك الحركة الإسلامية التي استقوت بالصندوق والدعم الأمريكي، لكن يجب أن لا تعمينا خصومتنا مع الإسلام السياسي، عن تداعيات الإقصاء خاصة أن قبولنا الإقصائية هي انتقاص لإنسانيتنا وليس فقط لإنسانية "الآخر".
(العرب اليوم)

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير