موظفو الخارجية الاميركية
طارق مصاروة
جو 24 :
قصة رسالة الاحتجاج التي بعثها موظفو وزارة الخارجية على سياسة الادارة في سوريا لها تأثيرها اكثر مما نتصوّر على الرأي العام الاميركي. فأي مظاهرة امام البيت الابيض يمكن أن تكون اكبر بكثير من عدد الموقعين على الرسالة, لكن طبيعة عمل كل منهم في الخارجية, وفي قسم الشرق الاوسط.. وفي «الديسك» السوري, تؤشر ان اصحاب المعرفة والاختصاص لا يوافقون اصحاب القرار, الذي ثبت أن اكثرهم لا يعرف من معهم أو من عدوهم, ولم يحسب حسابات المصلحة الاميركية. فهناك رؤساء جمهورية اتخذوا قرارات لا تختلف في نتائجها عن جرائم الحرب, فقرار احتلال افغانستان وتدمير العراق وتسليمه للفوضى, وقرار التهديد الدائم للنظام السوري دون جعله يوقف المذبحة, والعبث الذي مارسوه في ليبيا.. وما هو أسوأ من العبث في مصر.. ولا أحد ينسى «الامر» الذي أصدره الرئيس اوباما لرئيس مصر.. الان «والان تعني الان»!! كل ذلك لم يكن ليحدث لو ان رأس الادارة استمع او قرأ تقارير موظفي الادارة ومنهم سفير الولايات المتحدة في دمشق.
لقد حدث وأقام وزير الخارجية الاميركية مسرحاً في مجلس الامن لامتلاك العراق اسلحة الدمار الشامل, وصور الشاحنات التي تحمل اسلحة كيميائية متنقلة في شوارع بغداد, ومكالمات قادة الجيش العراقي.. وكلها – وقد سمعناها – اصوات لا يفهمها أحد ثم ثبت أن الوزير الخطير كان يكذب ليبرر لرئيسه شن الحرب على العراق.. و»اعادته الى ما قبل عصر الصناعة» ولم يكن احد من موظفي الخارجية مقتنعاً بمسرحية رئيسه وكتب كثيرون عنها بمعرفة واختصاص.
لقد اخذت وزارة الخارجية الروسية رسالة الموظفين الاميركيين مأخذ الجد, وكانت تعليقاتهم حادة, ومستمرة طيلة الايام الثلاثة الماضية. وألمح الرئيس بوتين في مؤتمر بيترزبيرغ الاقتصادي الى «توافق» اميركي – روسي لادخال المعارضة في الوزارة السورية الامر الذي نفت الخارجية الاميركية حدوثه. لكن الواضح ان لعبة هدنة حلب, أو تمرير قوافل الاغاثة الدولية الى المدن والقرى المحاصرة الجائعة, لم يكن القصد منها ايجاد حل سياسي للكارثة السورية, وانما كان اعطاء مقويات لنظام منهار لاستمرار عمليات القتل والتهجير. وتدمير كل شيء في سوريا.
موسكو تعلن هدنة في حلب, وتقصف احياءها الثائرة, وتقول بعد ذلك انه لا تستطيع التفريق بين المسلمين المعتدلين والمسلمين الارهابيين.
ودمشق تسمح بوصول شاحنات الاغاثة الى مداخل داريا.. ثم تبدأ قصفها, وذلك «رداً على رصاص الارهابيين».. وقد ثبت في المرة الماضية بعد «تهجير» سكان مضايا لقاء تهجير قرى علوية في ضواحي حمص أن لا أحد غير سوري في مضايا.
اللعب الكلامي المريح لادارة الرئيس اوباما, في آخر ايامه, لا يمس أحداً الا المصالح الاميركية في المنطقة. فالسوريون مدعوون الى انقاذ بلدهم بأنفسهم. (الراي)