لا أحد
طارق مصاروة
جو 24 :
كنّا دائماً نعطي للقوى الدولية والاقليمية دوراً رئيسياً في تصدينا لقضايانا الوطنية والقومية. فتعاون أحرار العرب مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى وحين انتهت الحرب اكتشفوا ان بريطانيا ليست حليفاً، وانما هي عدو خطير قسّمت سوريا الكبرى، واعطت الصهيونية وطناً في فلسطين، وفرض انتدابها (اي استعمارها) على العراق!
ولأننا لُدغنا من الحيّة البريطانية، فقد وجدنا في النازية الألمانية مطرحاً لآمالنا، لمجرد انها معادية للانجليز، وعاشت القوى التحررية على امل انتصار المحور، واحراق اليهود في فلسطين، وطرد بريطانيا وفرنسا من الوطن.. الهلال الخصيب، حتى ان الحاج أمين الحسيني جعل من برلين مكان اقامة له، وشارك في اقناع مسلمي البوسنة والهرسك للانضمام الى الجيش الألماني في محاربة المقاومة التي كان يقودها جوزيف بروز تيتو.
وبعد الحرب، علّقنا آمالنا الوطنية والقومية على الاتحاد السوفياتي، ووجدنا ان مكاسبه كانت تقوم على ضعفنا، وعلى حاجتنا للسلاح، والفيتو الروسي في مجلس الامن. وحين انهار الاتحاد السوفياتي فانه لم يحاول احد ان يقول لاخوته العرب، تاجروا بقواكم الذاتية.. ولا تتاجروا بأحد!!
الآن يدهش المواطن الأردني لردود الفعل العادية على الانقلاب العسكري الفاشل، فهناك من يحتفل «بانتصار» اردوغان، وهناك من بدأ من الساحات الاولى الاحتفال بسقوط اردوغان، ولعل هناك عرباً كثيرين لا يجدون في اردوغان نصيرا او عدوا، لكنهم مع ذلك لا يملكون التصور القائم على قوى الأمة الذاتية، ومصيرية استنهاضها حتى زمن الفوضى والحرب الاهلية.
قبل اسابيع ابديت ملاحظة لاحد الاصدقاء الذي اخذته اعلانات الشقق والارض في اسطنبول: ادفع خمسة آلاف دولار واحجز شقة في اجمل مواقع العاصمة الاقتصادية لتركيا، وبكفالة الدولة قلت للصديق: لا تراهن كثيراً فهناك فوضى في تعامل الحكومة التركية مع المعارضة البرلمانية والكردية، وهناك عدم استقرار في علاقاتها مع القوى الاقليمية والدولية. والحقيقة ان الصديق دهش لما حدث ويحدث في تركيا، فسحب كل ما كان رصده لشراء عقارات في اسطنبول!!
لا أحد معنا. وصيحة الحبيب محمود درويش:
يا وحدنا.. هي الصيحة المطلوبة.. شرط ان لا تكون شكوى من القدر، وجزءاً من اليأس.
لا احد معنا الا انفسنا، وكل هذا الرغاء الذي نسمعه كذب. واستهبال لأمة أهم ما في تراثها شيء واحد: هو الايمان واليقين.
(الراي)