الاستقواء بالسياسة على الاقتصاد
جرت العادة ان يتعامل السياسي بحذر شديد في التصريحات أو الاجراءات التي تخص سعر صرف العملة؛ خشية ردة فعل مبالغ بها في قطاعات سريعة التأثر في الأخبار، مثل قطاعات الاسهم والعملات.
الغريب ان رؤساء وزاراتنا يبدون ارتياحاً منقطع النظير فيه من الجسارة ما يشجع بقية الفريق على التجربة، وما تصريحات الرئيس النسور ومن قبله الطراونه بهذا الخصوص، إلا شواهد تكرر نفسها في سياقات التشظي وغياب الرؤية والأفق لدى قطاع واسع من الرسميين.
المتابعون لتلك التصريحات من الاقتصاديين، فسروا ذلك بأنه من الممكن ان يتسبب في خلق حالة هلع في الاسواق، تؤدي الى بيوعات كبيرة للدينار وزيادة في الطلب على الدولار والعملات الاجنبية.
وذلك ما حدث، حيث أدّت تلك التصريحات إلى انخفاض كبير في احتياطي العملات الصعبة لدى البنك المركزي، ويمكن ملاحظة ذلك، خصوصا بعد تصريحات الطراونه التي لم تفاجئ حتى البسطاء، حين قال :"الوضع على حافة الهاوية"، لكن ما فاجأ الجميع هو تصريح الرئيس للتلفزيون الاردني حول خيارات خفض قيمة سعر صرف الدينار أو رفع الدعم، مع انه ليس من علاقة مباشرة بين العمليتين كما تم تفنيد ذلك من قبل مختصين.
السؤال هو لماذا لجأ اكثر من مسؤول إلى هكذا تسريبات وإفصاحات، علما بان مثل هذه الاجراءات يتم التكتم عليها، وعادة ما تكون من اختصاص البنوك المركزية، وعندما تنوي الدولة تعديل سعر الصرف فانها تقوم بالتخفيض أو الرفع بشكل مباغت لتفويت الفرصة على المضاربين، الذين تتركز وظيفتهم في التقاط الاخبار ذات الصلة؛ للقيام بعمليات مربحة، هي بالضرورة ستشكل خسارة للطرف الاخر، وهي الدولة أذ ترفع الكلفة على خزينتها.
ولعل خير مثال على ذلك، ما جرى ويجري بشأن سعر صرف الفرنك السويسري، حيث يتسبب ارتفاعه مقابل العملات الاخرى في ضعف الاقتصاد السويسري، وكذلك الين الياباني، ألم يلاحظ العقل السياسي بعد الطريقة التي تتعامل بها السلطات الحكومية والنقدية في تلك الدول بمثل هذه القضايا الحساسة.
جميع الدول التي لديها مشاكل اقتصادية، عادة ما تسعى إلى اخفائها، او تحاول اظهار ما يبعث على التفاؤل في الاسواق؛ دعماً للبيئة الاقتصادية، وتجنبا لعمليات التباطؤ في القطاعات المختلفة.
لكن يبدو أن الوضع في الأردن مختلف، حيث ذهب الرئيس للتلفزيون وربما ليس في جعبته ما يقوله للاردنيين، فتوسع بالحديث ليغطي "الستون دقيقة" بمواضيع مختلفة من دون إدراك منه لخطورة هكذا طرح؟؟، أم انه تقصد اخافة الناس بان بديل رفع الدعم هو تخفيض سعر صرف الدينار، والاستقواء بالسياسة على الاقتصاد، مسخراً الموضوع لتمرير بعض القرارات الصعبة.
لماذا لم يتذكر دولة الرئيس-على سبيل المثال- ان بامكانه فرض ضريبة على قطاع الاتصالات حيث تستنزف أكثر من ملياري دولار سنويا إلى حسابات المالكين خارج الاردن، وكذلك فرض ضريبة تعدين على كل من الفوسفات والبوتاس دون الحاجة إلى استعادة الملكية لهذه الشركات..هي مجرد أسئلة ستبقى برسم الإجابات.