الانتظار حتى الانتخابات المقبلة افضل
حوارات رئيس الحكومة مع من يختارهم من نقابات وصحافيين لا تكفي لتفسير ما في جعبته من قرارات لرفع الدعم ، كانت النتائج ايجابية لمثل هذه الحوارات ممكنة قبل عام ٢٠١١ ، وهو العام الذي فتحت فيه الشعوب الأبواب على مصراعيها للمشاركة في الشأن العام وفي مقدمته شؤون السياسة والاقتصاد .
تذكرنا هذه الحوارات بقصة لجنة الحوار الوطني التي كرست القاعدة الرسمية القائلة : تحاوروا كما تشاؤون لكن في النهاية ما يتم تنفيذه هو مخرجات حوار الحكومة مع نفسها . وحتى الحوارات الحكومية المختارة لا تأتي بالمرجو منها فما سمعناه بعد لقاءات الرئيس مع الاعلام ومع النقابات يدل على ان القناعة ضعيفة بما طرحه الرئيس من حجج لرفع الدعم . لا هذه الحكومة التي جاء رئيسها من ( رحم المعارضة النيابية ) كما يقول وزير التنمية السياسية ولا اية حكومة مقبلة قادرة على كسب الراي العام خلف سياسة رفع الدعم حتى لو كانت مبررات ذلك منطقية ، القصة ليست في نجاعة التفسير او عدمه انما في الخلل السياسي الكبير في العلاقة بين الراي العام وبين الحكومات ، خلل سبق ان أشار اليه رئيس الوزراء ببلاغة سياسية راقية من على منبر المجلس النيابي عندما كان نائبا . انها قصة الاصلاح الشامل اولا وأخيرا ، وانا مع رأي الدكتور بسام العموش بان القرارات الكبيرة التي يتحدث عنها الرئيس بحاجة الى حكومة تنال الثقة النيابية ، اي انه من الافضل أرجاء بحثها وتنفيذها شهرين ، اي الى ما بعد الانتخابات المقبلة وهي فترة لا تحسب في عمر السياسات.
الخلل قائم في عدم اليقين فيما اذا كنا كدولة ومجتمع نريد الانتقال وبصورة صحيحة من دولة الرعاية الشاملة لجميع شؤون وحاجات المجتمع من توفير العمل والمسكن والغذاء الى الدولة الديموقراطية الليبرالية التي ترعى تنظيم المجتمع لنفسه وتترك للسوق تنظيم الاقتصاد وللمجتمع المدني تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية ومهمة الرقابة على السياسات الاقتصادية وتصحيح اي اثار سلبية لها على الطبقات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة .لكي ينجح حوار الحكومة ، التي قررت تبني سياسة اقتصادية ليبرالية لرفع الدعم ، ولكي تلقى قبولا من الراي العام فإنها تحتاج الى حوار لم تكتمل شروطه ، اما بتعثر وجود توافق وطني مع المعارضة ،او لما تمليه مرحلة الانتظار لمخرجات مشروع الدولة الإصلاحي التي ستتبلور في انتخابات كانون الثاني المقبل ، وعلى ضوء تخطي التحدي الكبير بان تكون حرة ونزيهة بحيث تحمل الى القبة مجلسا قادرا على خوض نقاش جدي ومسؤول حول السياسة الاقتصادية .
الحوار مع الأشكال التنظيمية التي كانت قبل الربيع الاردني لا تكفي وحدها للقول بان هناك حوار وطني حول السياسة الاقتصادية الجديدة فهناك قوى اجتماعية كانت هامشية دخلت من الباب العريض لتلعب دورا مهما في السياسة، واذا ما تمثلت هذه القوى في المجلس النيابي المقبل عبر المشاركة بالانتخابات فان المجلس سيكون ساحة حقيقية لإقرار وتنفيذ السياسات على ضوء المصلحة الوطنية حيث يتقبلها الراي العام ، واذا لم تشارك القوى الجديدة فان مهمة الحكومة برفع الدعم تصبح اكثر صعوبة ، ومرة اخرى لا يكون الحل الا بإقامة توازن بين الاصلاحات الاقتصادية وبين الاصلاحات السياسية من اجل خلق رأي عام متعاون ومتفهم .
الانتظار حتى الانتخابات المقبلة لإثارة حوار سياسي ومجتمعي حول رفع الدعم او ( إنقاذ موازنة الدولة ) يجنب البلد حالة تداعيات الشد والجذب وحوار الطرشان بين الحكومة وبين المعارضة والقوى السياسية والاجتماعية ، بل ان مناقشته في البرلمان القادم سيشكل اختبارا لنجاح مشروع الدولة الإصلاحي ولقدرته على اعادة الثقة بين الشعب والحكومات .
.