حملة شراء الصمت عن الوجع
لميس أندوني
جو 24 : الطريف في الحملة الرسمية لتسويق رفع الدعم، أنها لم تقنع أحداً سوى الجهات الرسمية نفسها، لأنها حملة لشراء الصمت وليس حملة تستهدف الإقناع أو حتى تعكس الاقتناع بجدوى الحملة نفسها.
فالحوار الذي دار في برنامج "ستون دقيقة"، بين الخبير الاقتصادي ، الذي تبوأ عدة مناصب رسمية رفيعة ، الدكتور جواد عناني ، والمعارض اليساري الدكتور خالد الكلالدة، أثبت مرة أخرى أنه لا مجال لمناقشة جدية لأفكار بديلة لرفع الدعم، وأن الهدف من الحلقة إثبات انه لا بديل لقرار رفع الدعم.
نرحب بخطوة التلفزيون الأردني، استضافة شخصية معارضة، دأبت على وضع أفكار محددة بديلة لسياسة رفع الدعم، أساسها وقف الهدر المالي الكبير كمدخل لتصحيح عجز الموازنة، بدلاً من تحميل الفئات الشعبية، و بعض شرائح الطبقة الوسطى، وزر رفع الأسعار وتدهور وضعهم المعيشي.
لكن إدارة الحوار، كانت موجهة ، لخدمة الحملة الرسمية عن طريق الإيحاء بأن سياسة رفع دعم السلع الضرورية والمحروقات مسؤولة عن الخلل في الموازنة وأن الأحزاب والتيارات المعارضة تقتصر على رفع الشعارات ولا تطرح برامج أو اقتراحات محددة.
لست معنية بتناول أداء الزميلة التي أدارت الحلقة بشكل خاص، لأن الأهم هي عقلية التحشيد والتجييش، التي تطغى على الإعلام الرسمي، والتي تضغط بدورها على الإعلاميين العاملين فيه باللحاق بها ، كدليل ولاء وانتماء، ما ينتقص من المهنية ويدفع إلى المحاولة للانتقاص من صدقية الرأي الآخر.
لا نقلل من خبرة وسعة معرفة الدكتور عناني ، أو من تجربته الثرية، فهو كما قال في البرنامج، يعي تماماً الأخطاء التي فاقمت الأزمة الاقتصادية، ولكنه يؤكد أن الوضع لا يحتمل عملية تبادل اللوم، لأن رفع الدعم ، يعني توفير تكلفته على الحكومة وبالتالي توفير المال اللازم ، لدفع معاشات موظفي الدولة.
أي أن الدكتور العناني يضعنا بين خيارين: إما رفع الأسعار أو عدم دفع الرواتب- أي في الحالتين ستدفع الفئات الفقيرة وذوو الدخل المحدود ثمن عجز الموازنة.
ليسمح لي الدكتور العناني ، وهو أستاذ متبحر بشؤون الاقتصاد والمال، ويعرف أكثر مني أن القرارات والإجراءات الاقتصادية لا تتم استجابة للضرورات والأزمات فقط، بل تفرضها في اختيارها، مصالح الفئات المسيطرة على الاقتصاد، والأيديولوجية التي تمثلها طبقياً.
فالصراع حول المدارس الاقتصادية في البلدان الرأسمالية المتطورة، لم تنته بعد حتى نتمسك نحن بمنحى ونهج واحد يتمثل في تخلي الدولة عن دورها في الرعاية الاجتماعية وعن مسؤوليتها بتشكيل شبكة أمان اجتماعي، وتبنيها قوانين لإعادة توزيع الدخل بشكل أكثر عدالة.
لا نتكلم عن أخطاء الماضي ، ولكنني أتهم فئات متنفذة بالدولة بإغلاق كل الأبواب على إجراءات عملية لتوفير دخل للدولة ، عن سبق إصرار وترصد،التي كان من الممكن فتحها لتصحيح الخلل في العجز، حتى تم مواجهتنا بالاختيار بين رفع الدعم او الانهيار، وكأن ذلك خيار الشعب.
لا يمكن وصف ما جرى في الأشهر الأخيرة، في فترة انعقاد البرلمان ، إلا بأنه خطة محكمة، أقرب إلى المؤامرة العلنية، منعت استعادة مقدرات الوطن، و عرقلت تمرير قانون ضريبة الدخل التصاعدية، وقانون الضمان الاجتماعي، حتى يجد الشعب الأردني نفسه، وبالأخص الفئات الشعبية بأنها المتهمة والمسؤولة الأولى عن هدر الأموال، وعن عجز الموازنة وعن المديونية الداخلية والخارجية، وعن سعر الدينار، وربما عن أزمة الأسواق العالمية أيضاً.
جوهر ما يطرحه الدكتور خالد الكلالدة، أن هناك موارد دخل مهدورة، مثل نفقات المؤسسات المستقلة الهائلة، مثالاً، و غيرها من أشكال الهدر، ستوفر على الخزينة أضعاف ما سيوفره رفع الدعم، الذي سيوجع الفقير و يوسع رقعة الفقر والعوز.
لكن لا مستمع و لا من مجيب، فالمعاناة الشعبية غير مهمة، ما دام في المقدور إبقاؤها آهات لا تتحول إلى صرخات.
(العرب اليوم)
فالحوار الذي دار في برنامج "ستون دقيقة"، بين الخبير الاقتصادي ، الذي تبوأ عدة مناصب رسمية رفيعة ، الدكتور جواد عناني ، والمعارض اليساري الدكتور خالد الكلالدة، أثبت مرة أخرى أنه لا مجال لمناقشة جدية لأفكار بديلة لرفع الدعم، وأن الهدف من الحلقة إثبات انه لا بديل لقرار رفع الدعم.
نرحب بخطوة التلفزيون الأردني، استضافة شخصية معارضة، دأبت على وضع أفكار محددة بديلة لسياسة رفع الدعم، أساسها وقف الهدر المالي الكبير كمدخل لتصحيح عجز الموازنة، بدلاً من تحميل الفئات الشعبية، و بعض شرائح الطبقة الوسطى، وزر رفع الأسعار وتدهور وضعهم المعيشي.
لكن إدارة الحوار، كانت موجهة ، لخدمة الحملة الرسمية عن طريق الإيحاء بأن سياسة رفع دعم السلع الضرورية والمحروقات مسؤولة عن الخلل في الموازنة وأن الأحزاب والتيارات المعارضة تقتصر على رفع الشعارات ولا تطرح برامج أو اقتراحات محددة.
لست معنية بتناول أداء الزميلة التي أدارت الحلقة بشكل خاص، لأن الأهم هي عقلية التحشيد والتجييش، التي تطغى على الإعلام الرسمي، والتي تضغط بدورها على الإعلاميين العاملين فيه باللحاق بها ، كدليل ولاء وانتماء، ما ينتقص من المهنية ويدفع إلى المحاولة للانتقاص من صدقية الرأي الآخر.
لا نقلل من خبرة وسعة معرفة الدكتور عناني ، أو من تجربته الثرية، فهو كما قال في البرنامج، يعي تماماً الأخطاء التي فاقمت الأزمة الاقتصادية، ولكنه يؤكد أن الوضع لا يحتمل عملية تبادل اللوم، لأن رفع الدعم ، يعني توفير تكلفته على الحكومة وبالتالي توفير المال اللازم ، لدفع معاشات موظفي الدولة.
أي أن الدكتور العناني يضعنا بين خيارين: إما رفع الأسعار أو عدم دفع الرواتب- أي في الحالتين ستدفع الفئات الفقيرة وذوو الدخل المحدود ثمن عجز الموازنة.
ليسمح لي الدكتور العناني ، وهو أستاذ متبحر بشؤون الاقتصاد والمال، ويعرف أكثر مني أن القرارات والإجراءات الاقتصادية لا تتم استجابة للضرورات والأزمات فقط، بل تفرضها في اختيارها، مصالح الفئات المسيطرة على الاقتصاد، والأيديولوجية التي تمثلها طبقياً.
فالصراع حول المدارس الاقتصادية في البلدان الرأسمالية المتطورة، لم تنته بعد حتى نتمسك نحن بمنحى ونهج واحد يتمثل في تخلي الدولة عن دورها في الرعاية الاجتماعية وعن مسؤوليتها بتشكيل شبكة أمان اجتماعي، وتبنيها قوانين لإعادة توزيع الدخل بشكل أكثر عدالة.
لا نتكلم عن أخطاء الماضي ، ولكنني أتهم فئات متنفذة بالدولة بإغلاق كل الأبواب على إجراءات عملية لتوفير دخل للدولة ، عن سبق إصرار وترصد،التي كان من الممكن فتحها لتصحيح الخلل في العجز، حتى تم مواجهتنا بالاختيار بين رفع الدعم او الانهيار، وكأن ذلك خيار الشعب.
لا يمكن وصف ما جرى في الأشهر الأخيرة، في فترة انعقاد البرلمان ، إلا بأنه خطة محكمة، أقرب إلى المؤامرة العلنية، منعت استعادة مقدرات الوطن، و عرقلت تمرير قانون ضريبة الدخل التصاعدية، وقانون الضمان الاجتماعي، حتى يجد الشعب الأردني نفسه، وبالأخص الفئات الشعبية بأنها المتهمة والمسؤولة الأولى عن هدر الأموال، وعن عجز الموازنة وعن المديونية الداخلية والخارجية، وعن سعر الدينار، وربما عن أزمة الأسواق العالمية أيضاً.
جوهر ما يطرحه الدكتور خالد الكلالدة، أن هناك موارد دخل مهدورة، مثل نفقات المؤسسات المستقلة الهائلة، مثالاً، و غيرها من أشكال الهدر، ستوفر على الخزينة أضعاف ما سيوفره رفع الدعم، الذي سيوجع الفقير و يوسع رقعة الفقر والعوز.
لكن لا مستمع و لا من مجيب، فالمعاناة الشعبية غير مهمة، ما دام في المقدور إبقاؤها آهات لا تتحول إلى صرخات.
(العرب اليوم)