تطوير أم تغيير للمناهج
د. سمير الصوص
جو 24 :
التطوير يعني التقدم للأحسن أما التغيير فيحتمل أن يكون تغييرا للأحسن أو للأسوأ وما حصل في مناهجنا هو تغيير وليس تطوير وكان تغييرا مجتزأ ولم يتماشَ مع أسس وقواعد التطوير التربوي المتعارف عليها منذ عقود في وزارة التربية والتعليم؛ بل قد كان عبارة عن عملية جراحية بالليزر لإزالة عبارات وجمل محددة، لتحقيق أهداف معينة تتماشى مع رغبات فئة لا صلة لها بمجتمعنا الأردني عربي الأصل والثقافة والعادات والتقاليد.
لا يختلف اثنان على أهمية تطوير المناهج من حيث المضمون والشكل؛ فمن حيث المضمون لابد أن تراعي مهارات التفكير الناقد والإبداعي، وحل المشكلات وأن تكون وظيفية؛ أي أن ترتبط بالوظائف المختلفة لحياة الطالب، صحيح أن المناهج الحالية تتضمن بعض الإشارات لمهارات التفكير إلا أنها مازالت قابعة بعيدا عن مهارات التفكير العليا بدليل أن اختبارات الثانوية العامة ما زالت تصحح حرفيا عن سبورة رسمت عليها الإجابة.
أما من الناحية الشكلية فلابد أن تراعي المقروئية والإشراكية، أي أن تكون المناهج جذابة وممتعة وشائقة ومطبوعة طباعة فاخرة، وأن يكون هناك تباعد بين الأسطر والكلمات ليستطيع الطالب قراءتها، وأن لا تكون الصفحة محشوة بكلام كثير، أما الإشراكية فنعني بها مدى التفاعل بين الطالب والكتاب، ومدى توجيه الطالب للأنشطة خارج محيط الصف؛ إذ إن الكتاب ليس هو المنهج بل هو الوجه التطبيقي للمنهج؛ أما المنهج فهو مجموعة الخبرات التي يمر بها التلاميذ داخل المدرسة وخارجها، وهذه الخبرات لابد أن تكون مخططة ومنظمة ومرتبطة بفلسفة المجتمع وفلسفة التربية ومقرة من مجلس التربية.
لقد سارت وزارة التربية والتعليم على نهج سليم منذ اطلاق أول عملية تطوير تربوي شامل وموسع سنة(1987) حيث تم تشكيل االفرق المختلفة من إشراف وتأليف ولجان عليا للإشراف على التأليف.
وبعدها دأبت الوزارة على التطوير كل عشر سنوات، وقد نلت شرف العمل في تطوير المناهج في الفترة (2004-2006) حيث عملت على تطوير وتأليف المناهج المحوسبة مع فريق مميز من الزملاء والزميلات وبالتعاون ما بين شركة الاتصالات الأردنية ووزارة التربية والتعليم، فاعتمدنا في التأليف الإطار العام للمناهج المنبثق عن فلسفة التربية المنبثقة عن فلسفلة المجتمع، وما ارتبط بها من خطوط عريضة لكل مادة وتشكلت فرق التأليف وفرق المراجعة والتدقيق وفرق الحوسبة ولجان الإشراف العليا. في الحقيقة لم يكن أمرا سهلا ولا بسيطا كان صعبا وشاقا وممتعا في الوقت نفسه؛ إذ إن العمل كان يسير وفق آلية محددة ومعايير تضبط عمل اللجان وتقييم أدائهم، وفي نهاية كل صف تعرض المواد على لجنة عليا برعاية معالي الوزير وحضور مدير المناهج ووزملاء من قسم اللغة العربية والمؤلفين وتعرض المواد بصورتها النهائية ليتم اعتمادها ونشرها في الميدان لتنتقل إلى مرحلة التجريب والتطوير، وأعتقد أن الوزارة استمرت على هذا النهج من حيث اختيار المؤلفين واللجان من الميدان وسارت على الآلية نفسها إلى ما قبل حصول المفاجآت الحديثة التي شغلت الشارع الأردني وشغلت كوادر الوزارة كافة.
أكاد أجزم أن ما حصل حاليا من عملية تغيير في المناهج لم يمر بالأطر المعتمدة لدى وزارة التربية والتعليم التي ذكرتها بالتفصيل، ومن خلال متابعاتي ومن خلال الملاحظات التي وصلتني من الزميلات والزملاء من الميدان مشكورين والموثقة بالكتاب والصفحة وتاريخ الطبعة. تبين أن ما حصل هو تغييرات شكلية كان أبرزها طمس الهوية الإسلامية من مناهج اللغة العربية بالذات ومن كتب التربية الإسلامية والاجتماعية والوطنية بناء على توصيات مؤتمر عمان (9-2015) ومؤتمر بيروت
(3-2016) واللذان لم يكن للوزارة فيهما حضور موسع كعادتها في عند رسم هيكلة واضحة للتطوير والبناء؛ فالفرق واضح بين العمل الممنهج المنظم الذي كانت تسير عليه وزارة التربية والتعليم، وبين أن تتفاجأ الوزارة مثلها مثل الميدان بوجود لجنة من خارج الوزراة تقوم بتعديلات شكلية تُمليها على مديرية المناهج لتنفيذها بالسرعة الممكنة دون أي اعتراض أو إبداء الأسباب حتى لو كانت هذه التعديلات لا تتوافق بل تتعارض حقيقة مع الخطوط العريضة للمناهج.
بعض المنظرين لعملية التغيير التي تمت قال على قناة رؤيا أن سبب حذف الآيات من منهاج اللغة العربية هو أننا ننادي بمبدأ المناهج المنفصلة؛ طبعا يبدو أنه لم يواكب عملية التطوير في المناهج على مستوى العالم- إذ إن نظرية المناهج المنفصلة نظرية من الستينات من القرن الماضي، والتي تنادي بدراسة كل مادة بمعزل عن المواد الأخرى، أما العالم اليوم فينادي بالمنهج التكاملي؛ التكامل بين مهارات المادة الواحدة والتكامل ما بين المادة والمواد الأخرى، والتكامل ما بين المنهاج والمجتمع المحلي، والتكامل ما بين المنهاج والتكنولوجيا، ولا عجب أن نعرف أن الغرب وصل في التكامل ما بين مادتي العلوم والرياضيات حيث تم وضعهما على مسطرة واحدة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الخطوط العريضة المعتمدة في وزارة التربية والتعليم والمقرة من مجلس التربية تشير إلى اعتماد الشواهد في اللغة العربية من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والشعر العربي القديم والحديث.... فعلى أي أساس يتم حذفها؟ ومن الذي قرر هذا؟ وأين تنسيب اللجان وتوقيع معالي الوزير على ذلك؟
لقد أخطأت وزارة التربية والتعليم بسماحها لمجموعة غريبة عن ثقافتنا المساس بمناهجنا دون السير بالإجراءات المتبعة في عمليات التطوير المتعارف عليها عالميا، وأخطأت الوزارة أيضا عندما شكلت فرقا من الإعلاميين وعلماء الدين من مختلف الوزارات والمؤسسات ليدافعوا عن أخطائها ويتهموا كل من تكلم بموضوع المناه بالضال أو الآثم، وأخطأت الوزارة عندما وجهت كوادرها في الوزارة للبحث عن تبريرات لما حصل ليتم نشرها في الإعلام، وأخطأت الوزارة في تماديها أنه لا يوجد أي مشكلة في التغيير الذي حصل. والخطأ الكبير كان ما صدر عن اللجنة المشكلة لدراسة الملاحظات الواردة من الميدان وكانتت النتيجة المدهشة والمفاجئة للجميع: أن المناهج سليمة ولا صحة لما ورد من الميدان؛ أي لا صحة لما تناقله أكثر من مليون ونصف المليون أردني ما بين ولي أمر ومعلم في مدرسة أو مدير مدرسة أو مشرف، لا صحة لما قالوه بتاتا! وصور المقارنة بين طبعة قديمة وطبعة جديدة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي لا صحة لها، وإنما هي أساطير الأولين اكتتبوها ونشروها.....
إن حقيقة التطوير تعني أن نحضر شيئا جديدا سواء أكانت موضوعات أم نصوص بناء على مراجعة أسس بناء المناهج والمرتكزات العامة والنتاجات.... أما ما حصل حاليا فلا يتعدى أن يكون تغير طبعة بطبعة منزوعة الدسم لتتماشى مع إملاءات جهات خارجية فرضت أجندتها على وضعنا الاقتصادي، وها هي تفرضه على مناهجنا وقيمنا وأخلاقنا ومبادئنا.
أحيي معلمي الأردن على وقفتهم الجريئة أمام دعوات التغريب فهناك المنهج الرسمي وهناك المنهج المكتوب وهناك المنهج المنفذ وهناك المنهج الخفي فكونوا سدا منيعا لحماية الأجيال القادمة، فمن يدافع عن حقوق الطالب ويحمي التراث من الضياع ليس بالآثم ولا بالضال مثلما يصور الإعلام، وإنما هو من الفئة الهادية المهدية بإذن الله.
أما ما هو مطلوب من وزارة التربية والتعليم حاليا:
•الدعوة الصريحة لعملية تطوير مناهج وفق أسس التطوير العالمية والتي تجمع ما بين الأصالة والمعاصرة.
•إيقاف مهزلة التغيير المفضوحة وإعادة المناهج إلى ما كانت عليه.
•الاعتذار الرسمي للشعب عن كل ما اقترفته بحق الأجيال القادمة.
•إشراك أولياء الأمور في عمليات التطوير القادمة؛ كونهم جزءا من صناعة القرار في العملية التعليمية التعلمية.
•التزامن ما بين تطوير المناهج وتحسن وضع المعلم المادي والمعنوي.
•تحسين البنية التحتية للمدارس.
•الاهتمام بالتدريب الحقيقي للمعلمين وليس الشكلي.
•إعادة تخصص معلم مجال لكليات التربية.
•الانفتاح الحقيقي على المجتمع وأفراده؛ ففيهم الطاقات المتوقدة من شتى الفئات.
معالي الوزير الكل يعرف حقيقة ما جرى، فنرجو من معاليكم وكما عهدناكم صاحب مواقف صلبة في الحق أن تعيدوا الأمور إلى نصابها وتغليب مصلحة الطالب على أي مصلحة أخرى.