رفقا بطلبة التوجيهي
المجتمع الأردني مجتمع فتي ولا أدل على ذلك من وجود أكثر من مليون ونصف طالب وطالبة على مقاعد الدراسة، ويمثل 10% بالمئة منهم تقريبا طلبة التوجيهي، أي ما يقارب 150 مئة وخمسون ألفا في كل عام يؤدون الامتحان الوطني أو الثانوية العامة أو التوجيهي، وفي كل عام تكون نسبة النجاح أكثر من 50% بالمئة تقريبا وهذا يعني أن 50% بالمئة توصف بأنها راسبة أو فاشلة، طبعا النسبة كبيرة جدا؛ لأننا نتحدث عن ما يزيد عن 750 ألف طالب وطالبة في كل عام، يعني في خمس سنوات يكون لدينا نصف مليون راسب وهذا رقم مذهل وخطير، ولكن ما هي الأسباب؟ وأين تكمن الحلول؟ وهل وزارة التربية والتعليم تشعر أن هناك مشكلة حقيقية أم أن الموضوع يوصف بأنه عادي وهذا وضع طبيعي! لم نسمع عن أي مؤتمر لمناقشة هذه الظاهرة لا في الوزارات ولا في الجامعات.
في الحقيقة هذه المشكلة ليست مشكلة وزارة التربية والتعليم وحدها وإنما هذه مشكلة وطنية وظاهرة عامة لا بد أن تدرس ابتداء من المجالس الملكية والمبادرات التربوية لرعاية التعليم وجميع الوزارات وخاصة التربية والتعليم العالي والتخطيط والعمل ومؤسسات التدريب المهني والجامعات الأردنية كافة.
وزارة التربية والتعليم، ويشرفني أنني كنت أحد أفرادها ويزيدني شرفا أنني عملت في المناهج المحوسبة في ظل المبادرة التربوية الأردنية (JEI) وعملنا سنوات لتكون المناهج تنمي التفكير الإبداعي والناقد وأسلوب حل المشكلات، وكل هذا جميل جدا حتى أصبحت المناهج الأردنية مثالا يحتذى في الوطن العربي إلى اليوم.
لكن المشكلة الحقيقية هي أن امتحان التوجيهي ينفي ما قبله من جهود بالصفوف الأولى-إن كانت المناهج المحوسبة مفعلة بالواقع - ويركز على مهارتي الحفظ والتلقين، ويغفل عن باقي المهارات التي يجب أن تقاس لدى الطالب، وكلنا على دراية كيف يكون أسلوب التدريس في الثانوية العامة ولماذا يتوجه الطلبة إلى المراكز الثقافية، ويكون كما في المثل القائل: قل لي كم تحفظ أقل لك نتيجتك.
وفي ظل عصرنا المتطور أصبح التركيز على المهارات أكثر من حفظ المعلومات، حتى أن نظريات الذكاء قد تطورت بنظرتها للإنسان، وأشارت إلى دور البيئة المهم في تطوير وتنمية الذكاء عند الأشخاص بما لا يتم فيه إغفال لدور الوراثة، وأصبحنا نتحدث عن نظرية الذكاءات المتعددة التي تعتقد أن كل إنسان لديه أنواع متعددة من الذكاء في جوانب مختلفة، وعلى الأسرة والمدرسة والمجتمع تنمية تلك الذكاءات من خلال أساليب متنوعة في التدريس والتدريب والتقييم، فالامتحانات التي تعد في المدارس بشكلها التقليدي لا تقيس قدرات الأطفال ومهاراتهم، وبالتالي جاهزيتهم للتخصصات المختلفة مستقبلاً.
لذلك لابد من التفكير في أساليب أكثر نضجا لتقييم طلبة التوجيهي خاصة وأن التجارب من حولنا كثيرة فبعض الدول تعتمد اختبارات مختلفة تركز فيها الكشف عن ميولات الطلبة، كما تقيس مدى امتلاكهم للمهارات بطرق ووسائل عديدة لا تعني الامتحان الكتابي فقط، وإنما الإنتاج اليومي والفصلي للطالب داخل الغرفة الصفية، وبناءً على هذه المجموعة من الاختبارات يتم توزيع الطلبة على التخصصات في الجامعة.
إننا بحكمنا القاطع على الطالب في التوجيهي بأنه ناجح أو راسب نظلمه ونظلم أسرته بل ونظلم المجتمع بأكمله، هذا الطالب ليس راسبا لكن ميوله وقدراته واستعداداته لم تمكنه من اجتياز امتحان الثانوية، وكم من أناس رسبوا في اختبارات الثانوية لكنهم نجحوا في الحياة العامة والعكس صحيح.
تحضرني هنا عبارات تربوية للإمام الغزالي رحمه الله يقول فيها : "لابد للمعلم أن يعرف أن هناك فرقا بين طفل وآخر في طبعه وميوله ومزاجه فيعامل كل طفل حسب طبعه" والإمام ابن سينا يقول : "كل صناعة يريدها الصبي غير ممكنه له ، فيجب على الموجه أن يعرف قابليات ذلك الصبي وذكاءه وعليه أن يختار المهنة المناسبة له " وبالتالي فالمسؤولية تتعاظم على المؤسسسات والوزارات ومؤسسة التدريب المهني لتوجيه النشئ حسب قدراتهم وميولهم، قبل أن نوصل الطالب لمرحلة التوجيهي ثم ننعته بأنه راسب.
وما أجمل ما قاله الشاعر :
إذا لم تستطع شيئا فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع
أعتقد أن الحياة واسعة والمجتمع رحب وكل طالب سيجد نفسه في زاوية من زواياه، وعلى الأهل أيضا أن يرحموا أبناءهم ولا يحملونهم فوق ما يطيقون أسوة بابن الجيران، فحقيقة رفقا بطلبة التوجيهي.