حزب النظام وحزب الوطن!
كثيرون كانوا في أعوام 1957 و1958 يرغبون إلى الملك الراحل الحسين، أن ينشأ حزب أردني موال للنظام، في مواجهة الأحزاب المعارضة اليسارية والقومية. وكان رحمه الله يسمع من الاقتراحات الكثيرة المتشابهة.. وكان يرفض في النهاية النظر في الموضوع، لأنه كان يرى أن النظام السياسي هو نظام الشعب الأردني: المعارضون والموالون، ويرى أن الملك لكل الأردنيين!. ولا معنى بأن يلزم نظام بلدنا السياسي بحزب حتى لو كان حزب السلطة، أو أن يكون ملكاً لجزء من الشعب الأردني!!َ.
هذا الموقف المتفرّد للملك الراحل، كانت له كلفته الثقيلة، فليس من السهل ان يقبل احتلال المعارضين للشارع، أو احتكار الوطنية والتحرّر والقومية فيما هو خارجها، ولو في الإذاعات والدعايات المثيرة آنذاك. فلقد كان من السهل خلق حزب أو أحزاب للسلطة تنزل إلى الشارع، وتهتف، وترد على الدعايات المعادية بمثلها، لكن الحسين رحمه الله كان يحترم شعبه فلا يحوّل نخبه إلى هتافة في الشارع، ويختلق بدل الشرعية التاريخية والدستورية شرعية الفوضى وغياب العقل والخلق!!.
وها نحن بعد نصف قرن، نجد في عبدالله بن الحسين سيرة والده العظيم، فهناك عشرات الآلاف من الأردنيين الذين يرغبون في اجتياح الشارع وإيقاف هذه التمثيلية غير المسلية.. تمثيلية الدعوة إلى إصلاح غير محدد وغير واضح، والدعوة إلى إزالة الفساد.. دون مس الفاسدين، والإصرار على رفض كل شيء: الحوار، والانتخابات، والتعديلات الدستورية. والمحاكم المختصة. وحرية الصحافة. ولعل آخر جواب على سؤال أساسي: إذا رفضتم الانتخابات فإن الدستور ينص على إعادة مجلس النواب المنحل.. فهل تريدون فعلاً عودة المجلس؟!. وكان الجواب: نعم. مع أن حلّه كان المطلب الأول قبل عشرين شهراً!!.
لا ترى القيادة في هذا البلد منذ أكثر من نصف قرن، أن ينقسم شعبنا برغبة السلطة، بين أحزاب المعارضة وأحزاب الموالاة. فالمعارضة لا يمكن أن تكون معارضة الدولة والوطن. والموالاة هي الموقف الطبيعي للمواطنين فلا يكون هناك أحزاب لها.
لقد شاعت أحزاب الأنظمة في الوطن العربي، وشهدنا نتائجها. فقد تحوّلت إلى أحزاب الديكتاتوريات، وقمع الشعب، ومصادرة إرادته!!.
(الراي)