jo24_banner
jo24_banner

رسائل تربوية قصيرة وسريعة إلى وزير التربية الدكتور عمر الرزاز

د. محمد أبو غزلة
جو 24 :
-أعانك الله على الإرث الثقيل وعلى المسؤولية الكبيرة، وكلنا ثقة بقدرتك وحكمتك فقد ورثت وزارة حالها لا يسرّ عدوا ولا حبيبا
-غياب الرؤية الاستشرافية، والقرارات الشعبوية وراء تدهور المنظومة التعليمة في السنوات الأخيرة.. وتدمير النجاحات التي تحققت في زمن وزراء سابقين
-المشاركة المجتمعية الفاعلة في جميع عمليات التخطيط والتنفيذ والتقويم للعملية التعليمية شرط لتحقيق نظام تعليمي فاعل وتمكينه من المنافسة العالمية
-المحافظة على هيبة المعلم ومكانته وتوفير الامان الوظيفي والبيئة المناسبة له متطلب أساس لنجاح الجهود التربوية.
-نظام التنظيم الاداري الجديد للوزارة هدر مالي وبشري وزيادة البيروقراطية وتهميش لمديريات التربية ويجب عدم الأخذ به.
-إعادة النظر في تشكيلة مجلس التربية والتعليم يعد أولوية لمساعدتك في مناقشة القرارات واتخاذها لمصلحة الوطن.
-إعادة بناء العلاقات بين العاملين وتوفير المناخ المادي والمعنوي لهم بما يسهم في تميز المؤسسة وتطورها.
-تشكيل هيئة وطنية للمناهج والامتحانات، إذ يجب أن يُراعى في اختيار أعضائها مكونات المجتمع لعكس فلسفته.
-إعادة النظر في عقد امتحان الثانوية العامة لمرة واحدة في العام؛ لعدم توافر متطلبات نجاحه في العام القادم.
-دراسة سياسية الامتحان العام ومحتواه واعتماد محطات تقييمية لتفادي الرسوب والتسرب.
-إعادة النظر في تنفيذ الخريطة المدرسية للأبنية المدرسية وتوجيهها للمناطق المحتاجة.
-إيجاد مظلة مشتركة للتعليم والتدريب المهني والتقني وإتباع التعليم المهني لها؛ لضمان تطويرها بما يلائم مخرجات التعليم مع سوق العمل الداخلي والخارجي.
-المدارس الخاصة مؤسسات تعليمية وطنية يجب المحافظة عليها والاستفادة منها في دعم التعليم الحكومي، لذا يجب مراجعة التشريعات التي تحكم عملها.



بداية أتوجه إلى معاليك بالتهنئة والتبريك بالثقة الملكية السامية على اختياركم لوزارة التربية والتعليم، وأعانكم الله على هذه المسؤولية الجسيمة التي تحتاج إلى زمن ليس بقصير في ظل التدهور الذي أصاب المنظومة التعليمية الأردنية في السنوات الأخيرة جراء السياسات الفردية، وفي ظل غياب الرؤية الاستشرافية لرسم سياسات تربوية استشرافية مبنية على تخطيط استراتيجي Strategic Planning)) وعلى تشخيص وتحليل لواقع النظام التعليمي ولعناصر المنظومة التعليمة كافة، ووفق أي من المناهج المتعددة في التحليل مثل(SWOT Analysis ) أو grow Analysis)) أو تحليل بيست PESTAnalysis) ) أو تحليل ستيرتت (Analysis STEER).

ومن البديهي أن التوظيف العلمي لهذه الأدوات سيسهم وبطرق مختلفة في صياغة وتطوير رسالة الوزارة وأهدافها، وتحديد مسار العمل بها لتحقيق فاعلية وكفاءة النظام التربوي، وإحداث تغييرات حقيقية جوهرية تخدم المجتمع الأردني وتحقق تنمية متواصلة تؤدي إلى إعادة خلق هوية المؤسسة التربوية الأردنية التي شوهت، والعودة للمكانة التي كانت تحتلها سابقا، شريطة المشاركة الفاعلة لكل مكونات المجتمع في صياغة الرؤى والمشاركة في جميع عمليات التخطيط والتنفيذ والتقويم للعملية التعليمية لتدعيم قدراتها، والتعرف إلى إمكاناتها الداخلية، وما فيها من أساليب قوة وسبل الاستفادة منها، وما لديها من مجالات تحسين، ومتطلبات تطويرها، وتقليل درجة المخاطر المرتبطة بالمتغيرات الخارجة عن سيطرتها وإدارتها، وتوفير المرونة للتكيف مع تلك المتغيرات، للعمل على إيجاد نظام تربوي مفتوح متفاعل مع البيئة الداخلية والخارجية، وصولا إلى تحديد وتوفير متطلبات تحسين الأداء، وتحقيق النظام التعليمي الفاعل وتمكينه من المنافسة العالمية.

وعليه فنتمنى على معالي الوزير الذي يمتلك كل مقومات النجاح كشخص متخصص في التخطيط وخبير في القطاع العام وفي القطاع الأكاديمي والإداري ، وما يتوافر في الوزارة من خبرات تستحق التقدير رغم تهجير غالبيتهم وإقصائهم، مع ضرورة الكشف عن أخرى مغيبة، وبعيدا عن كل المؤثرات المحيطة بك بأن يتم تناول مجموعة من الملفات الأساسية التي تم العبث في بعضها في ظل غياب الرؤية لمعالجتها على الرغم من نجاح هذه الملفات في عهد وزراء سابقين، وأخرى افتعلت أزمات إدارية لتوريط أي وزير قادم للانشغال بها، والانصراف عن الملفات الرئيسة في عمل الوزارة .

ونقول لك يا معالي الوزير لا بد من السير قدما رغم الحرب التي بدأت تشن عليك من الخارجين ومن الداخل المؤسسي مدعوما بمجموعة من المستكتبين، والتي تعودت عليهم الإدارة التي عانت من الفشل إبان توليها هذا الملف التعليمي للدفاع عنها، وتضليل وخداع الرأي العام بإنجازات وهمية، وعليه فإن هناك عددا من الملفات التي يجب الوقوف والتأمل بها ودراستها بشكل مستفيض لما لها من أثر سياسي وتعليمي واجتماعي وغيره يجب وضعه في عين الاعتبار قبل اتخاذ أي قرار لتطبيقه، ومن هذه الملفات :

-ملف اعادة الهيكلة للوزارة ومجلس التربية، والعلاقية بين العاملين : عملية إعادة الهيكلة للمؤسسة التربوية يجب أن ترتكز على أسس علمية تستند إلى دراسة وظائف الوزارة وتحليل الأهداف والمهام والوظائف والمسؤوليات والصلاحيات الأصيلة أو حتى المفوضة، فإعداد نظام التنظيم الإداري الذي تم اقراره ونشره في الجريدة الرسمية، لم يتم وفق منهجية علمية في بناء الأنظمة التنظيمية- وهذه أبجديات في إعداد أي تنظيم- وسيخلق وجود هذا النظام زيادة حلقات إدارية في عملية الاتصال، وزيادة البيروقراطية، وسحب الصلاحيات من الميدان التربوي وتهميشه، ناهيك عن الهدر المالي لتوفير البنى التحية والفائض من الموارد البشرية وغيرها، وناهيك أيضا عن الإدارات التي تم إلغاؤها مثل إدارة التخطيط والبحث التربوي، والنشاطات التربوية، والطفولة المبكرة، والتربية الخاصة، والارشاد التربوي وغيرها. وللمزيد انظر المقالة حول إعادة الهيكلة على الرابط (هنا).

- ومن الأمور المهمة كذلك إعادة النظر في تشكيلة مجلس التربية والتعليم والذي كان يجيز القرارات دون مناقشة علمية، ولعل حادثة تعديل المناهج وتضارب التصريحات بين الوزير وأعضاء المجلس واللجان كان خير دليل على ذلك؛ ما يستدعي إعادة النظر فيه، كما أن موضوع العلاقات وبناء جسور الثقة بين من هم على رأس الهرم والمرؤوسين أمر بالغ الأهمية في ظل تدهورها، وتفشي ظاهرة الخوف والسلوكات غير التربوية لإرضاء المسؤول، ما أدى إلى تفاقم المشكلات الإدارية والفنية.

-ملف المناهج والكتب المدرسية: يعد هذا الملف من الملفات الحيوية ويتعلق بتطوير المناهج الدراسية لتركز على تنمية الإبداع والابتكار والاختراع وتطبيقاته العملية، والانتقال إلى التعليم القائم على مستوى متقدم من التفكير والتفكير الناقد والتفكير الإبداعي، وتنمية المهارات العقلية والعملية لدى الطلبة فيما تعلموه، وتفعيل توظيف التكنولوجيا التفاعلية في الغرف الصفية ومواقف التعلم المختلفة، وتفعيل مواد الرياضة والفنون عموما وغيرها، وتضمين هذه الكتب المفاهيم الإنسانية والقواسم المشتركة بين كل المكونات والتي تحض على قبول الرأي والرأي الآخر، والاحترام المتبادل والحوار ونبذ التطرف والغلو، إضافة إلى تضمنيها المهارات الأساسية والمتقدمة في الاختبارات الدولية لتكون جزءا من العملية التدريسية اليومية تفاديا للإخفاقات التي تمت في الدورة الأخيرة في اختباري ( TIMSS ,Pisa ) لعام 2015، للمزيد انظر الرابط لمقالتي اختبار تيمز (هنا)، واختبار بيزا (هنا).

وعليه لا بد من تشكيل هيئة وطنية تُعنى بالإشراف المباشر على المناهج وتشارك فيها جميع مكونات المجتمع لتعكس فلسفته في النظام التعليمي.

مكانة المعلم: لعل عدم الاهتمام بهذا الملف الحيوي وعبر السنوات الأخيرة وبشكل ملفت وافتعال الأزمات مع هذا العنصر الحيوي الرئيس في العملية التعليمية التعلمية، كان بسبب غياب الرؤية في توفير البيئة التعلمية اللازمة، وتحقيق الأمن الوظيفي ما أدى إلى تراجع في أداء العملية التعلمية، على الرغم من إدراك الجميع بأن هذا المكون يؤثر في كل العناصر الاخرى من المنظومة التعليمية كما أنه يعطي أكثر مما يأخذ جراء الجهد المبذول مقارنة بالصعوبات التي تواجه، وعليه لا يمكن أن يتحسن تعليمنا ما لم نعمل على تحصين هذا المكون الفاعل في العملية التعليمية والاهتمام به.

-الأبنية المدرسية وصيانتها: ويعد هذا الملف من أصعب الملفات لاعتبارات غياب التخطيط السليم والتي أدى إلى تشويه في الخريطة المدرسية لتوزيع الأبنية المدرسية، ناهيك عن الارتجالية والعشوائية في تنفيذ الأبنية المدرسية في السنوات الأخيرة جراء القرارات المتخذة لتلبية مصالح الأشخاص لا الحاجات الحقيقية للمناطق التعليمية على الرغم من وجود خطة علمية مدروسة تم إعدادها بالتعاون مع الميدان التربوي بناءً على الحاجات الحقيقية للمناطق، ولكن بسبب تغليب المصالح والعلاقات الشخصية في موضوع الأبنية المدرسية، وعدم توجيه مخصصات الصيانة للوجهة الصحيحة، تسبب ذلك في تهالك البنى التحتية للمدارس القديمة التي كان من المفترض التخلص منها من خلال إقامة أبنية جديدة، وأصبحت بيئات غير مناسبة تعليما للمعلم والطالب معا، إضافة إلى خطورة بعضها على حياتهم، وأصبحت بيئات منفرة بدلا من أن تكون محفزة على التعليم.

-تدريب المعلمين: يعد هذا الملف من الملفات التي تتطلب تمكين المعلمين من الاستراتيجيات والأساليب التدريسية الحديثة والتي تتناسب مع تنمية مهارات الطلبة التفكيرية والإبداعية وأساليب التحليل والاستقصاء والبحث، وغيرها من المهارات العلمية والحياتية، كما تتطلب تعاونا كبيرا مع المزودين للعملية التدريبة مثل اكاديمية الملكة رانيا العبدالله، والتعاون مع نقابة المعلمين لتمارس دورها في التنمية المهنية للمعلمين بحسب طبيعة أهدافها، إضافة إلى البحث عن مزودين للعملية التدريبية ببرامج قبل الخدمة أو في أثناء الخدمة وبالتعاون مع الجامعات، مع ضرورة تبني نموذج متقدم في إعداد المعلمين من خلال نهج البرامج التتابعية أو التزامنية، شريطة أن يمكث المعلم سنة كاملة في المختبر المدرسي، إضافة إلى إخراج المسار المهني للمعلم والوظيفي للعاملين في الوزارة إلى حيز الوجود.

-ملف الثانوية العامة: يعد ملف امتحانات الثانوية العامة من أكثر الملفات التي تحتاج دراسية متأنية؛ لخطورة أثر هذا الملف في مستقبل الطلبة بوصفه المحطة الاخيرة لتحديد مساراتهم المستقبلية، وعلى الرغم من قدم هذا الملف والاعتماد عليه في القبول في الجامعات نظرا لغياب البدائل والأسس الأخرى في القبول، فإنه من الواجب العناية به وإعادة التفكير في موضوع عقد الاختبار في فترة واحدة من العام، ودراسة إمكانية تنفيذه ومدى الاستعداد له ومدى توافر كل متطلبات نجاحه، لاسيما أن قرار تنفيذه مرة واحدة في العام، قد تم اتخاذه على عجل دون توفير متطلبات نجاحه، كما يجب النظر في محتوى الاختبار وأشكاله وتطوير جوهر الاختبار لا آليات تنفيذه فقط، واعتماد محطات تقييمية للمراحل التعليمية لتفادي النسب العالية من الراسبين والمتسربين في الثانوية العامة، كما أن عملية إعادة النظر في نظام معادلة الشهادات وتعليماتها أمر مهم في ظل الأعداد الكبيرة من الطلبة التي أصبحت تهاجر جراء الإجراءات غير العلمية التي تمارس على الطلبة.

-ملف التعليم المهني: المتتبع لحال التعليم المهني ومنذ سنوات، يلاحظ حجم التراجع والإهمال الذي أصاب هذا الملف بسبب عدم الاهتمام به على الرغم من وجود الخطط الاستراتيجية لهذا الملف سواء أكانت على المستوى الوطني أو المؤسسي، ولكن لم يحرك أحدهم ساكنا حول هذا الملف، وإذا رجعت معاليك إلى المواقع الإلكترونية وقرأت عنه (فستسمع جعجعة ولا ترى طحنا) ولن تجد إلا التصريحات نفسها حول إعادة هيكلة التخصصات وفتح مدرسة في كل لواء والاهتمام بالتعليم المهني وتزويده بالأجهزة والادوات والكوادر البشرية المؤهلة، وذلك كله لم يتحقق، ناهيك عن عملية توزيع الطلبة على التعليم المهني في ظل ضعف القدرة الاستيعابية في المدارس أو في مراكز التدريب الحرفي، مما أدي إلى الزج بألاف الطلبة إلى الشوارع، ومن هنا فإن معالجة هذا الملف يتطلب التعاون مع مؤسسات وطنية أخرى لتتولى تطويره وإيجاد مظلة مشتركة لقطاع التعليم والتدريب المهني والتقني كما هول الحال في الدول العربية الأخرى وغيرها والتي سجلت نجاحا كبيرا في هذا القطاع المهم.

-ملف التعليم الخاص: المدارس الخاصة أو قطاع التعليم الخاص هو قطاع لمؤسسات وطنية تتحمل تعليم ما نسبته 28% من الطلبة في المملكة، ويتحمل القطاع المسؤولية الوطنية في توفير البنى التحتية كما هو الحال في كل الدول، على الرغم من أن بعض الدول تقدم دعما ماليا لهذا القطاع لتحمله مثل هذه المسؤولية للمساهمة في تحسين التعليم، ولكن هذا القطاع لا يحتاج الدعم المادي بل ما يحتاجه هو الدعم المؤسسي والشراكة الحقيقية لتطوير التعليم في الأردن والنظر إليه كمؤسسات وطنية توفر تعليما جيدا للطلبة وفرص عمل للأردنيين، وهذا لا يعني غياب المحاسبة عن المؤسسات المقصرة أو المخالفة للقوانين والأنظمة والتعليمات، ولكن لا يجب إقصاء هذه المؤسسات الوطنية، وتجاهل دورها، وعليه يتطلب المراجعة للتشريعات التي أُعدِّت لهذا لقطاع من جراء المواقف الشخصية التي انطلقت من العداوة والتصدي لهذا القطاع، وتكبيده الخسائر المادية، والحال كذلك لقطاع التعليم العالي الخاص الذي تضرر بسبب السياسات غير المدروسة للثانوية العامة، وأثرها في قطاع المؤسسات الوطنية الخاصة.

أعرفُ يا معاليك حجم الإرث الثقيل الذي تُرك لك ليطال عناصر المنظومة التعليمية كافة ، وإن ما تم في السنوات الأربعة الأخيرة هو العبث بكل عناصر المنظومة والتبجح الإعلامي عن تطويرها، لكن في واقع الحال لم يتم تطوير أي عنصر منها، وحتى الثانوية العامة التي تبجح بعضهم بأنها تطورت، فالتطوير لم يطل إلا الإجراءات الإدارية، وبمساعدة المؤسسات الوطنية التي لها الدور الأكبر في ذلك، وتم ترك وإهمال العناصر الفرعية الأخرى دون معالجة، لكن الملاحظ حجم التراجع في عناصر المنظومة كافة الذي يشير إلى وجود أمر غريب، وربما خُطط له، وهو العبث في جميع هذه العناصر لإعطاء انطباع للرأي العام بأنه تم التصدي لهذه الملفات، وأن أي وزير قادم، ومهما فعل فسيقال له: إن الوزير الفلاني عمل على هذا الملف وهو من إنجازاته الخاصة فما فعلت؟. أما هذا العبث والتخبط الذي ورثته فيحتاج الى عشرات السنوات لإصلاحه وهو ما خُطّطَ له وذلك لإظهار المسؤولين الجدد أيا كانوا للرأي العام بأنهم غير قادرين على إنجاز أي شيء، فينشغلون بملفات إدارية افتعلت أزماتها عمدا؛ للابتعاد عن التطوير الحقيقي والنوعي للعملية التعليمية التعلمية بعناصرها كافة.

حماك الله يا وطني شامخا أبيا... وأدام الله الصحة والعافية على قائدنا المفدى

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 

* الكاتب مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي سابقا
تابعو الأردن 24 على google news