من ينشد التأييد عليه أن يتقدم بأيدٍ نظيفة
المحامي عمر العطعوط
جو 24 :
لماذا نرى هذا السخط الشعبي تجاه القرارات الاقتصادية لحكومة الملقي على الرغم من أن الجميع يعلم الأوضاع الاقتصادية والمالية الخطيرة التي يمر بها الأردن؟ كلنا نعلم ما وصلت إليه المديونية، والأزمات تُحيط بنا من كل جانب، والحدود مُغلقة والمساعدات متوقفة أو تكاد. هل يرفض الشعب الأردني الذي لم يتوانَ يومًا عن التضحية في سبيل بلده هذه المرة تقديم التضحية والقبول بقرارات اقتصادية صعبة؟ بالتأكيد لا، فلماذا إذا هذا الرفض؟
أولًا: لأن المنطق والعدل ومبادئ تلازم السلطة والمسؤولية في الأنظمة الديمقراطية ترفض استدعاء ذات السلطة المسؤولة عن هذا الخراب الاقتصادي والمالي أو عن الجزء الاكبر منه للقيام بإصلاحه! وانا هنا اتكلم عن نهج تشكيل الحكومات التي يُفترض أنها مسؤولة عن السياسات الاقتصادية والمالية للدولة! فهل يُعقل أن يأتي رئيس الحكومة اليوم ليطلب من الناس تحمل نتائج الأوضاع الصعبة ومساعدته للخروج منها على الرغم من كونه جزءًا من منظومة الإدارة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه؟ ألم يكن هو مسؤولًا عن ملفات اقتصادية عندما كان وزيرًا للصناعة والتجارة والتموين في حكومات سابقة؟ لماذا يشعر المواطن أنه مضطر لتحمل نتائج تلك السياسات الاقتصادية وهو يرى أن من ساهم بإيصال البلد إلى هذه الأوضاع يكافأ بالرئاسة والوزارة وغيرها من المناصب؟ وهذا لا يشمل الملقي وحده بل كل النخب الحكومية التي توارثت وتبادلت المناصب طوال أكثر من عقد ونصف.
في العام 1989 عندما تهاوى الدينار وكانت الظروف الاقتصادية خطيرة، وتحت ضغط المطالب الشعبية آنذاك، ألغى الراحل الملك الحسين الأحكام العرفية وأجرى انتخابات نيابية نزيهة نسبيًا وتشكلت حكومة شارك بها سياسيين وليس موظفين برتب وزراء وحدث انفراج سياسي. وبسبب تلك الخطوات توقفت المظاهرات وقبل الجميع بالإجراءات الاقتصادية الصعبة المطلوبة علمًا بأن علاقات الأردن حينها كانت قد تدهورت مع سوريا ودول الخليج وتوقّفت المساعدات بما فيها الأمريكية نتيجة موقف الأردن من حفر الباطن وكان العراق في حالة حرب، ولكننا تجاوزنا الأزمة آنذاك.
أعلم حقيقة غياب أو نُدرة النخب السياسية القادرة اليوم على النهوض بالأوضاع السياسية والاقتصادية، ولكن لا بديل الآن عن اتخاذ خطوة مساوية لما حدث في العام 1989. عندها سنجد الجميع يقبل بالتضحية والقبول بالقرارات الاقتصادية الصعبة شريطة أن تكون عادلة.
السبب الثاني لهذه الهبة الشعبية ضد الحكومة هو أن الشعب لا يثق بهذه الحكومات التي تستمر في الكذب على الناس. من يُصدّق الملقي ووزراءه بزعمهم أن القرارات الاقتصادية الصعبة والضرورية لن تطال آثارها الطبقتين الفقيرة والوسطى؟ هل انتفض الفقراء وأبناء ما تبقى من الطبقة الوسطى في المحافظات والعاصمة للدفاع عن الأغنياء؟
أين نحن من المادة 111 من الدستور التي توجب تصاعدية الضريبة؟ ماذا فعلت الحكومة وسابقاتها بجرائم الفساد الموثقة بتقرير ديوان المحاسبة؟ لماذا لم يتم مساءلة ومحاسبة من تسبب بإهدار عشرات بل مئات الملايين من الدنانير من الأموال العامة في ملفات معروفة مثل سكن كريم والفوسفات والإسمنت ورخصة شركة أمنية الأولى وغيرها الكثير؟ لماذا الإصرار على إعطاء محكمة أمن الدولة صلاحية النظر في الجرائم الاقتصادية ونحن نعلم أن المحاكم الدولية لا تعترف بأحكام المحاكم الخاصة فنتعذّر بعدم قدرتنا على جلب المطلوبين والحجز على أموالهم المُهرّبة؟ عديدة هي الأمثلة التي تُظهر غياب العدالة والإرادة السياسية والرؤية عن تلك القرارات الحكومية.
إن اللحظة الراهنة تحتاج إرادة حقيقية للإصلاح، وهذا يتطلب ثورة بيضاء لا تحتمل أن يتصدرها الملقي أو غيره ممن أوصلونا إلى ما نحن فيه.