عشرون عاماً على وادي عربة
المحامي عمر العطعوط
جو 24 : ليس سراً أن الحُكم في الأردن كان على علاقات مع إسرائيل لسنوات طويلة سبقت حتى احتلال عام 1948، فقد بدأ الملك عبدالله الاول بن حسين اتصالات سرية مع الوكالة اليهودية منذ عشرينيات القرن الماضي1. وواصل الملك حسين تلك الاتصالات مع زعماء الكيان الصهيوني طوال فترة حكمه حتى تمت إقامة علاقات رسمية وعلنية في بداية التسعينيات توجت بتوقيع معاهدة وادي عربة في 26 تشرين اول من العام 1994. عديدة هي الظروف الدولية والإقليمية والمحلية التي مهدت لهذه النتيجة منها انهيار الاتحاد السوفييتي وضرب العراق وحصاره ودخول سوريا مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاقية اوسلو الاستسلامية، وسبق ذلك قرار فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية عام 1988.
الملك حسين كان يعلم أن الشعب الأردني بأغلبيته الساحقة ضد إقامة علاقات مع العدو الصهيوني، وبالتالي كان لابد من إيجاد وسائل للالتفاف على الإرادة الشعبية الفاعلة آنذاك على وقع حالة الانفراج النسبي في الحريات والذي فرضته هبة نيسان 1989 وأدت إلى إلغاء الاحكام العرفية وإجراء انتخابات نيابية بقانون الصوت المتعدد ورفع القيود عن تأسيس الأحزاب السياسية وتعزيز المشاركة الشعبية بشكل عام، فقام الملك بحل مجلس النواب الحادي عشر قبل انتهاء مدته الدستورية وأصدرت الحكومة قانون انتخاب مؤقت على أساس الصوت المجزوء ليكون أحد أهم أدوات تقسيم المجتمع وتفتيته للوصول إلى مجلس نواب لا يمثل إرادة الناس الحقيقية ويكون قابلا ليس فقط لإقرار تلك المعاهدة المشؤومة، بل واستخدامه كأداة لسن القوانين التي تكفل استمرار حالة الانفراد بالحكم من قبل الملك وتقييد أي قوى شعبية أو نقابية أو حزبية تعارض العلاقة مع اسرائيل. ومنذ ذلك اليوم أصبح الموقف من تلك المعاهدة هو المعيار لتحديد أعضاء النخبة الجديدة الحاكمة في البلاد من رؤساء ووزراء وأعيان ونواب.
هذه المعاهدة مع الكيان الصهيوني المحتل مرفوضة من حيث المبدأ لأن احتلال الأراضي العربية ما يزال قائماً منذ عام 1948، إلا أن ذلك لا يمنع أن نتناول بنود تلك المعاهدة لبيان مدى إجحافها بالحقوق الأردنية المباشرة وفي كل المجالات.
حق العودة للاجئين والنازحين:
اعتبرت المعاهدة أن مشكلة اللاجئين والنازحين هي مشكلة إنسانية فقط2 وبالتالي فإن الحل لها هو اقتصادي يتطلب تحسين الظروف الإنسانية والمعيشية لهؤلاء من جهة، والمساعدة على توطينهم من خلال تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين3. أي أن المعاهدة أسقطت حق العودة تماما ووافق الأردن على مبدأ التوطين صراحة.
الأرض:
خلافا للرواية الرسمية فإن معاهدة وادي عربة لم تؤدِّ إلى استعادة كامل الأراضي الأردنية المحتلة؛ منطقة أم الرشراش والتي أصبحت تُسمى إيلات لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهي لمن لا يعلم جزء لا يتجزأ من الأراضي الأردنية بموجب حدود الانتداب البريطاني التي استندت إليها المعاهدة في ترسيم الحدود الدولية4. أما الأراضي المحتلة في الباقورة فقد استعادت الحكومة الأردنية منها ما مساحته 830 دونما من اصل 6000 دونما لا تزال مُحتلة. وحتى تلك الدونمات القليلة قد عادت بسيادة منقوصة وممتهنة للكرامة5، فقد تعهد الأردن بموجب تلك المعاهدة بأن يمنح للمزارعين الاسرائيليين وبدون استيفاء أي رسوم حق الاستمرار باستغلال تلك الأراضي والحرية المطلقة لهم ولمستخدميهم وضيوفهم في الدخول والخروج دون قيد، كما تعهد بعدم تطبيق القوانين الأردنية على المزارعين الإسرائيليين أو ضيوفهم أو مستخدميهم، وتعهد الأردن أيضا بالسماح بدخول ضباط الشرطة الإسرائيلية بلباسهم الرسمي وبأسلحتهم إلى تلك الأراضي المُحررة6.
المياه:
أسهمت معاهدة وادي عربة بشكل كبير في عملية الإفقار المائي في البلاد؛ تم التفريط بحق الأردن في مياه نهر الأردن من خلال منح العدو حق احتجاز تلك المياه في بحيرة طبريا، وفقدنا كذلك حقنا في مياه نهر اليرموك كنتيجة واقعية للشروط المجحفة في المعاهدة والتي لم تحدد للأردن أي كمية أو نسبة محددة من نهر اليرموك ونصت أن حصة الأردن تأتي بعد استيفاء الكيان الصهيوني لحصصه المقررة7.
كما منحت شروط المعاهدة لدولة الاحتلال الحق في الاستمرار في استخدام جميع الآبار الجوفية التي سبق وحفرتها والتي تقع على الجانب الأردني من الحدود، وسمحت لها بربطها بأنظمة المياه والكهرباء الإسرائيلية، واستبدال أي بئر لا يعود مجديا من تلك الآبار. للعدو أيضاً الحق في زيادة الضخ من هذه الآبار بمقدار (10) مليون متر مكعب سنوياً عن الكمية التي كان يضخها قبل عام 1994. وقد التزم الاردن بأن لا يتخذ أية إجراءات قد تؤدي إلى تقليل إنتاج هذه الآبار أو تؤثر على نوعيه مياهها مما يعني ضمنا أننا التزمنا بعدم استخدام المياه الجوفية داخل الأراضي الأردنية حتى لا نؤثر على كمية ونوعية المياه التي تستغلها اسرائيل داخل المناطق الأردنية المحررة8.
المجالات الاقتصادية والثقافية:
لقد التزمنا بموجب المعاهدة ليس فقط بإنهاء المقاطعة الاقتصادية المباشرة، بل أيضا التعاون لانهاء أية مقاطعة يقوم بها طرف ثالث لاسرائيل، أي أن المطلوب أن يتحول الأردن إلى جسر عبور لاسرائيل واقتصادها إلى اسواق العالم العربي9.
أما العلاقات الثقافية فقد تُرجمت على أرض الواقع من خلال التركيز على شطب فكرة العداء مع إسرائيل من ذاكرة الأجيال القادمة؛ فاختفت المناهج التي كانت تذكرنا على الدوام بالأراضي العربية المحتلة في كل مكان وأصبحت بطولات فراس العجلوني وكايد المفلح والآلاف غيرهم أسرارا عسكرية يجب إخفاؤها كأجهزة التنصت في عجلون.
ولإخراج الأردن من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وتفتيت الجسم العربي كان لابد من أن يكون لدولة الاحتلال الوضع التفضيلي في علاقات الأردن العربية والدولية. وعليه ففي حال وجود أي تعارض بين التزامات الطرفين بموجب المعاهدة والتزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات بموجب هذه المعاهدة هي التي تُنفّذ10.
عديدة هي مخاطر معاهدة وادي عربة على الأردن، ولا تكفي ورقة أو مقال أو دراسة لحصرها جميعا. ولكن التاريخ علمنا أنه لا صُلح مع الاحتلال وأن ما أفصحت عنه الحكومة أخيرا بمُناسبة أحداث عجلون، وبغض النظر عن الموقف منه ومدى صدقية الحكومة برواياتها العديدة، يُلخّص الموقف ويختصر المشهد. إسرائيل تقول لنا بعد عشرين عاما من السلام، نحن لا زلنا نتجسس عليكم. إننا نعلم ان صراعنا معكم لن يتوقف وأن ألف معاهدة لن تنهي حالة الصراع العربي الصهيوني.
الملك حسين كان يعلم أن الشعب الأردني بأغلبيته الساحقة ضد إقامة علاقات مع العدو الصهيوني، وبالتالي كان لابد من إيجاد وسائل للالتفاف على الإرادة الشعبية الفاعلة آنذاك على وقع حالة الانفراج النسبي في الحريات والذي فرضته هبة نيسان 1989 وأدت إلى إلغاء الاحكام العرفية وإجراء انتخابات نيابية بقانون الصوت المتعدد ورفع القيود عن تأسيس الأحزاب السياسية وتعزيز المشاركة الشعبية بشكل عام، فقام الملك بحل مجلس النواب الحادي عشر قبل انتهاء مدته الدستورية وأصدرت الحكومة قانون انتخاب مؤقت على أساس الصوت المجزوء ليكون أحد أهم أدوات تقسيم المجتمع وتفتيته للوصول إلى مجلس نواب لا يمثل إرادة الناس الحقيقية ويكون قابلا ليس فقط لإقرار تلك المعاهدة المشؤومة، بل واستخدامه كأداة لسن القوانين التي تكفل استمرار حالة الانفراد بالحكم من قبل الملك وتقييد أي قوى شعبية أو نقابية أو حزبية تعارض العلاقة مع اسرائيل. ومنذ ذلك اليوم أصبح الموقف من تلك المعاهدة هو المعيار لتحديد أعضاء النخبة الجديدة الحاكمة في البلاد من رؤساء ووزراء وأعيان ونواب.
هذه المعاهدة مع الكيان الصهيوني المحتل مرفوضة من حيث المبدأ لأن احتلال الأراضي العربية ما يزال قائماً منذ عام 1948، إلا أن ذلك لا يمنع أن نتناول بنود تلك المعاهدة لبيان مدى إجحافها بالحقوق الأردنية المباشرة وفي كل المجالات.
حق العودة للاجئين والنازحين:
اعتبرت المعاهدة أن مشكلة اللاجئين والنازحين هي مشكلة إنسانية فقط2 وبالتالي فإن الحل لها هو اقتصادي يتطلب تحسين الظروف الإنسانية والمعيشية لهؤلاء من جهة، والمساعدة على توطينهم من خلال تطبيق برامج الأمم المتحدة المتفق عليها وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين3. أي أن المعاهدة أسقطت حق العودة تماما ووافق الأردن على مبدأ التوطين صراحة.
الأرض:
خلافا للرواية الرسمية فإن معاهدة وادي عربة لم تؤدِّ إلى استعادة كامل الأراضي الأردنية المحتلة؛ منطقة أم الرشراش والتي أصبحت تُسمى إيلات لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي، وهي لمن لا يعلم جزء لا يتجزأ من الأراضي الأردنية بموجب حدود الانتداب البريطاني التي استندت إليها المعاهدة في ترسيم الحدود الدولية4. أما الأراضي المحتلة في الباقورة فقد استعادت الحكومة الأردنية منها ما مساحته 830 دونما من اصل 6000 دونما لا تزال مُحتلة. وحتى تلك الدونمات القليلة قد عادت بسيادة منقوصة وممتهنة للكرامة5، فقد تعهد الأردن بموجب تلك المعاهدة بأن يمنح للمزارعين الاسرائيليين وبدون استيفاء أي رسوم حق الاستمرار باستغلال تلك الأراضي والحرية المطلقة لهم ولمستخدميهم وضيوفهم في الدخول والخروج دون قيد، كما تعهد بعدم تطبيق القوانين الأردنية على المزارعين الإسرائيليين أو ضيوفهم أو مستخدميهم، وتعهد الأردن أيضا بالسماح بدخول ضباط الشرطة الإسرائيلية بلباسهم الرسمي وبأسلحتهم إلى تلك الأراضي المُحررة6.
المياه:
أسهمت معاهدة وادي عربة بشكل كبير في عملية الإفقار المائي في البلاد؛ تم التفريط بحق الأردن في مياه نهر الأردن من خلال منح العدو حق احتجاز تلك المياه في بحيرة طبريا، وفقدنا كذلك حقنا في مياه نهر اليرموك كنتيجة واقعية للشروط المجحفة في المعاهدة والتي لم تحدد للأردن أي كمية أو نسبة محددة من نهر اليرموك ونصت أن حصة الأردن تأتي بعد استيفاء الكيان الصهيوني لحصصه المقررة7.
كما منحت شروط المعاهدة لدولة الاحتلال الحق في الاستمرار في استخدام جميع الآبار الجوفية التي سبق وحفرتها والتي تقع على الجانب الأردني من الحدود، وسمحت لها بربطها بأنظمة المياه والكهرباء الإسرائيلية، واستبدال أي بئر لا يعود مجديا من تلك الآبار. للعدو أيضاً الحق في زيادة الضخ من هذه الآبار بمقدار (10) مليون متر مكعب سنوياً عن الكمية التي كان يضخها قبل عام 1994. وقد التزم الاردن بأن لا يتخذ أية إجراءات قد تؤدي إلى تقليل إنتاج هذه الآبار أو تؤثر على نوعيه مياهها مما يعني ضمنا أننا التزمنا بعدم استخدام المياه الجوفية داخل الأراضي الأردنية حتى لا نؤثر على كمية ونوعية المياه التي تستغلها اسرائيل داخل المناطق الأردنية المحررة8.
المجالات الاقتصادية والثقافية:
لقد التزمنا بموجب المعاهدة ليس فقط بإنهاء المقاطعة الاقتصادية المباشرة، بل أيضا التعاون لانهاء أية مقاطعة يقوم بها طرف ثالث لاسرائيل، أي أن المطلوب أن يتحول الأردن إلى جسر عبور لاسرائيل واقتصادها إلى اسواق العالم العربي9.
أما العلاقات الثقافية فقد تُرجمت على أرض الواقع من خلال التركيز على شطب فكرة العداء مع إسرائيل من ذاكرة الأجيال القادمة؛ فاختفت المناهج التي كانت تذكرنا على الدوام بالأراضي العربية المحتلة في كل مكان وأصبحت بطولات فراس العجلوني وكايد المفلح والآلاف غيرهم أسرارا عسكرية يجب إخفاؤها كأجهزة التنصت في عجلون.
ولإخراج الأردن من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وتفتيت الجسم العربي كان لابد من أن يكون لدولة الاحتلال الوضع التفضيلي في علاقات الأردن العربية والدولية. وعليه ففي حال وجود أي تعارض بين التزامات الطرفين بموجب المعاهدة والتزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات بموجب هذه المعاهدة هي التي تُنفّذ10.
عديدة هي مخاطر معاهدة وادي عربة على الأردن، ولا تكفي ورقة أو مقال أو دراسة لحصرها جميعا. ولكن التاريخ علمنا أنه لا صُلح مع الاحتلال وأن ما أفصحت عنه الحكومة أخيرا بمُناسبة أحداث عجلون، وبغض النظر عن الموقف منه ومدى صدقية الحكومة برواياتها العديدة، يُلخّص الموقف ويختصر المشهد. إسرائيل تقول لنا بعد عشرين عاما من السلام، نحن لا زلنا نتجسس عليكم. إننا نعلم ان صراعنا معكم لن يتوقف وأن ألف معاهدة لن تنهي حالة الصراع العربي الصهيوني.