الفتنة أخطر على الأردن من كيري
المحامي عمر العطعوط
جو 24 : الهوية الوطنية والوطن البديل قد يكونا أكثر المصطلحات استخداما في الساحة السياسية الأردنية في هذه الأيام.
فإعطاء أبناء الأردنيات حقوقا مدنية يؤدي إلى الوطن البديل، وإجراء إصلاحات دستورية والتوافق على قانون انتخاب عادل وقانون أحزاب يشجع على العمل السياسي يؤدي الى الوطن البديل. حق العمّانيين في انتخاب مجلس بلديتهم وأمينها يؤدي الى الوطن البديل. المطالبة بتفعيل الدستور الذي يوجب أن تكون التعيينات في الوظائف العامة على أساس الكفاية والمؤهلات تعني الدعوة إلى الوطن البديل.
واستكمالا لهزلية المشهد أصبحنا نجد أن أكثر الناس ادعاء بالخوف على فلسطين من مطلقي تلك المخاوف وتحويل المشروع منها إلى أحقاد هم أنفسهم الذين ساهموا وسّهلوا ووافقوا على معاهدة وادي عربة التي أسقطت حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
أحد هؤلاء من مهندسي تلك المعاهدة عمل سفيراً للأردن لدى إسرائيل ليكافأ بعد ذلك بمنصب رئيس الحكومة، والآخر من زعامات مجلس النوّاب الذي مرر تلك المعاهدة، ومعظم الباقين ممن حضروا وأطلقوا العيارات النارية ابتهاجا بتوقيعها أو لم يطلقوا النار واكتفوا بالحضور.
وهنا تظهر تمامًا الأهداف الحقيقية لمثل هؤلاء. لماذا؟ لأن إسرائيل هي الجهة التي لها مصلحة حقيقية في تصفية القضية العربية في فلسطين. ولأن معاهدة وادي عربة هي اللبنة الرئيسية بمساندة توأمها أوسلو في تشجيع عملية إفراغ الأرض المحتلة من سكانها.
ألا يعتبر القائمون على معاهدة وادي عربة والموافقون عليها ومن حضر حفل توقيعها مؤيدين لعملية التوطين؟ أليس بكاؤهم اليوم على حقوق اللاجئين بالعودة هو فقط خوف على مكاسبهم بالمناصب العامة والسياسية؟ ماذا تعني موافقتهم على المادة الثامنة من معاهدة وادي عربة والتي وصفت مشكلة اللاجئين والنازحين باعتبارها مشكلة إنسانية من حيث المبدأ ومرتبطة فقط بالإسهام بتخفيض شدة المعاناة الإنسانية؟ ماذا يعني ما ورد في الفقرة 2/ب من ذات المادة بأن أحد الحلول لتسوية مشكلة اللاجئين هو: “من خلال تطبيق برامج الامم المتحدة المتفق عليها وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين، بما في ذلك المساعدة على توطينهم.”
لا يحق لمن وافق على وادي عربة أن يتصدر مشهد البكاء على الأوطان.
أن علينا نكون واقعيين ونواجه مشاكلنا كمواطنين بعيدا عن التجييش الذي يقوده المستفيدون من كل الأطراف، أن مجتمعنا منقسم من جميع الاتجاهات. وأكثر تلك الانقسامات خطورة هو الانقسام ما بين الأردنيين والأردنيون من أصل فلسطيني. صحيح أن الحكم ساهم بشكل رئيسي بهذا الانقسام لضمان استمرار انفراده بالسلطة، ولكن لنعترف أن هنالك واقعا اليوم يحتاج إلى معالجة. نعم يشعر الأردنيون من أصل فلسطيني أن هناك تمييزا ضدهم بدأ منذ أحداث السبعين باستبعادهم عن الوظيفة العامة والسياسية بشكل عام، والوظيفة العامة تشمل المدنية والعسكرية، أما السياسية فتشمل المناصب السياسية العليا في الدولة وقوانين الانتخاب التي تستبعد التمثيل الحقيقي لهم. وهو ما حدا بهم وعلى مدار السنوات إلى المقاطعة السلبية للعملية السياسية في البلاد بشكل عام، تراكمت حتى وصلت إلى حد اللامبالاة.
وبنفس الوقت يشعر المواطنون من أصول شرق اردنية بأن هنالك إجحافًا بحقهم ناتج عن تشجيع الحكم لهم بالاتجاه إلى الوظائف الحكومية والعامة وبالتالي عزوفهم عن القطاع الخاص الذي سيطر عليه ذوو الأصول الفلسطينية، ما أدى إلى عدم استفادتهم من الطفرات الاقتصادية التي شهدتها البلاد، ولا سيما في المحافظات خارج العاصمة التي عانت تهميشاً اقتصاديا وعدم عدالة بتوزيع الثروات.
هذا هو واقع اليوم بدون تجميل، ويلاحظ أن أكثرية مثيري التفرقة والفتنة والبكاء على الحقوق من ذوي الأصوات العالية من الجانبين ليسوا من المتضررين الحقيقيين من تلك الأوضاع التي يعاني منها المجتمع الأردني.
لا أحد ينكر وجود اجراءات تتم على الأرض لتصفية القضية العربية في فلسطين وتحويلها من قضية أرض الى قضية سكان فقط، وهي لم تبدأ من مشروع كيري ولن تنتهي به. وإن اتفاقيتي اوسلو ووادي عربة عززتا تلك المخاطر على فلسطين والأردن معا، ولكن مواجهة مشروع كيري وغير كيري لا تكون من خلال معاداة ضحايا هذه المشاريع وتحميلهم نتائجها، فهل تهجير الفلسطينيين الى البرازيل مثلا كان سيريح اعصاب هذه الجوقة التي تعزف نشازاً ليلا نهار لبث الفرقة والفتنة بين ابناء الوطن! ما هذا الإسفاف؟ تلك المخاطر لا يتم مواجهتها بالهوية الانفصالية، ولا بتجييش مكونات المجتمع الواحد ضد بعضهم البعض، بل بالهوية الوطنية الجامعة، وبتحديد الخصم الحقيقي وهو المشروع الصهيوني التوسعي. تحصين الدولة والهوية لا يتم إلا من خلال مجتمع مواطنة متماسك يميز خصمه الحقيقي ولا ينجر الى معارك جانبية تتعلق بالحقوق المنقوصة أو المكتسبة.
المطلوب أن يبدأ المجتمع بإدارة صراعه السلمي لبناء الدولة على أساس المواطنة، فابن معان يعاني ذات التهميش الذي يعاني منه ابن شنلر. واذا اتحدوا سيجدون أكثر الناس شراسة في محاربتهم هم الفاسدون من الجانبين، وما أحداث دوّار الداخلية عنا ببعيدة.
لفظ فكرة الحقوق الجمعية، وحماية الحقوق الفردية وسيادة القانون على الجميع بدون تمييز هو الحل الوحيد لبناء الدولة المدنية الديمقراطية وعندها لن يكون الأردن بديلا لأحد بل قادرا على مواجهة الخطر الذي يتهدده ويتهدد عروبة فلسطين.
ختاما فانني كمواطن اردني لا اريد ان ينشأ ابنائي بدون حلم الوطن الواحد. أحلم أن تستعيد مناهجنا التعليمية ترسيخ الهوية الأصلية وهي”انا عربيٌّ سوريٌّ من الأردن”.
فإعطاء أبناء الأردنيات حقوقا مدنية يؤدي إلى الوطن البديل، وإجراء إصلاحات دستورية والتوافق على قانون انتخاب عادل وقانون أحزاب يشجع على العمل السياسي يؤدي الى الوطن البديل. حق العمّانيين في انتخاب مجلس بلديتهم وأمينها يؤدي الى الوطن البديل. المطالبة بتفعيل الدستور الذي يوجب أن تكون التعيينات في الوظائف العامة على أساس الكفاية والمؤهلات تعني الدعوة إلى الوطن البديل.
واستكمالا لهزلية المشهد أصبحنا نجد أن أكثر الناس ادعاء بالخوف على فلسطين من مطلقي تلك المخاوف وتحويل المشروع منها إلى أحقاد هم أنفسهم الذين ساهموا وسّهلوا ووافقوا على معاهدة وادي عربة التي أسقطت حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
أحد هؤلاء من مهندسي تلك المعاهدة عمل سفيراً للأردن لدى إسرائيل ليكافأ بعد ذلك بمنصب رئيس الحكومة، والآخر من زعامات مجلس النوّاب الذي مرر تلك المعاهدة، ومعظم الباقين ممن حضروا وأطلقوا العيارات النارية ابتهاجا بتوقيعها أو لم يطلقوا النار واكتفوا بالحضور.
وهنا تظهر تمامًا الأهداف الحقيقية لمثل هؤلاء. لماذا؟ لأن إسرائيل هي الجهة التي لها مصلحة حقيقية في تصفية القضية العربية في فلسطين. ولأن معاهدة وادي عربة هي اللبنة الرئيسية بمساندة توأمها أوسلو في تشجيع عملية إفراغ الأرض المحتلة من سكانها.
ألا يعتبر القائمون على معاهدة وادي عربة والموافقون عليها ومن حضر حفل توقيعها مؤيدين لعملية التوطين؟ أليس بكاؤهم اليوم على حقوق اللاجئين بالعودة هو فقط خوف على مكاسبهم بالمناصب العامة والسياسية؟ ماذا تعني موافقتهم على المادة الثامنة من معاهدة وادي عربة والتي وصفت مشكلة اللاجئين والنازحين باعتبارها مشكلة إنسانية من حيث المبدأ ومرتبطة فقط بالإسهام بتخفيض شدة المعاناة الإنسانية؟ ماذا يعني ما ورد في الفقرة 2/ب من ذات المادة بأن أحد الحلول لتسوية مشكلة اللاجئين هو: “من خلال تطبيق برامج الامم المتحدة المتفق عليها وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين، بما في ذلك المساعدة على توطينهم.”
لا يحق لمن وافق على وادي عربة أن يتصدر مشهد البكاء على الأوطان.
أن علينا نكون واقعيين ونواجه مشاكلنا كمواطنين بعيدا عن التجييش الذي يقوده المستفيدون من كل الأطراف، أن مجتمعنا منقسم من جميع الاتجاهات. وأكثر تلك الانقسامات خطورة هو الانقسام ما بين الأردنيين والأردنيون من أصل فلسطيني. صحيح أن الحكم ساهم بشكل رئيسي بهذا الانقسام لضمان استمرار انفراده بالسلطة، ولكن لنعترف أن هنالك واقعا اليوم يحتاج إلى معالجة. نعم يشعر الأردنيون من أصل فلسطيني أن هناك تمييزا ضدهم بدأ منذ أحداث السبعين باستبعادهم عن الوظيفة العامة والسياسية بشكل عام، والوظيفة العامة تشمل المدنية والعسكرية، أما السياسية فتشمل المناصب السياسية العليا في الدولة وقوانين الانتخاب التي تستبعد التمثيل الحقيقي لهم. وهو ما حدا بهم وعلى مدار السنوات إلى المقاطعة السلبية للعملية السياسية في البلاد بشكل عام، تراكمت حتى وصلت إلى حد اللامبالاة.
وبنفس الوقت يشعر المواطنون من أصول شرق اردنية بأن هنالك إجحافًا بحقهم ناتج عن تشجيع الحكم لهم بالاتجاه إلى الوظائف الحكومية والعامة وبالتالي عزوفهم عن القطاع الخاص الذي سيطر عليه ذوو الأصول الفلسطينية، ما أدى إلى عدم استفادتهم من الطفرات الاقتصادية التي شهدتها البلاد، ولا سيما في المحافظات خارج العاصمة التي عانت تهميشاً اقتصاديا وعدم عدالة بتوزيع الثروات.
هذا هو واقع اليوم بدون تجميل، ويلاحظ أن أكثرية مثيري التفرقة والفتنة والبكاء على الحقوق من ذوي الأصوات العالية من الجانبين ليسوا من المتضررين الحقيقيين من تلك الأوضاع التي يعاني منها المجتمع الأردني.
لا أحد ينكر وجود اجراءات تتم على الأرض لتصفية القضية العربية في فلسطين وتحويلها من قضية أرض الى قضية سكان فقط، وهي لم تبدأ من مشروع كيري ولن تنتهي به. وإن اتفاقيتي اوسلو ووادي عربة عززتا تلك المخاطر على فلسطين والأردن معا، ولكن مواجهة مشروع كيري وغير كيري لا تكون من خلال معاداة ضحايا هذه المشاريع وتحميلهم نتائجها، فهل تهجير الفلسطينيين الى البرازيل مثلا كان سيريح اعصاب هذه الجوقة التي تعزف نشازاً ليلا نهار لبث الفرقة والفتنة بين ابناء الوطن! ما هذا الإسفاف؟ تلك المخاطر لا يتم مواجهتها بالهوية الانفصالية، ولا بتجييش مكونات المجتمع الواحد ضد بعضهم البعض، بل بالهوية الوطنية الجامعة، وبتحديد الخصم الحقيقي وهو المشروع الصهيوني التوسعي. تحصين الدولة والهوية لا يتم إلا من خلال مجتمع مواطنة متماسك يميز خصمه الحقيقي ولا ينجر الى معارك جانبية تتعلق بالحقوق المنقوصة أو المكتسبة.
المطلوب أن يبدأ المجتمع بإدارة صراعه السلمي لبناء الدولة على أساس المواطنة، فابن معان يعاني ذات التهميش الذي يعاني منه ابن شنلر. واذا اتحدوا سيجدون أكثر الناس شراسة في محاربتهم هم الفاسدون من الجانبين، وما أحداث دوّار الداخلية عنا ببعيدة.
لفظ فكرة الحقوق الجمعية، وحماية الحقوق الفردية وسيادة القانون على الجميع بدون تمييز هو الحل الوحيد لبناء الدولة المدنية الديمقراطية وعندها لن يكون الأردن بديلا لأحد بل قادرا على مواجهة الخطر الذي يتهدده ويتهدد عروبة فلسطين.
ختاما فانني كمواطن اردني لا اريد ان ينشأ ابنائي بدون حلم الوطن الواحد. أحلم أن تستعيد مناهجنا التعليمية ترسيخ الهوية الأصلية وهي”انا عربيٌّ سوريٌّ من الأردن”.