jo24_banner
jo24_banner

الثورات العربية وسايكس بيكو جديدة

لميس أندوني
جو 24 :

هل تؤدي الثورات العربية، وبتعبير أدق الانتفاضات العربية، إلى سايكس - بيكو جديدة؟ ليس بالضرورة في اتفاق مكتوب على الورق بل محفور على الأرض بالدم والدموع.
السؤال التحليلي يحتمل تفسيرين؛ الأول أن الثورات لم تكن سوى مؤامرة مدروسة لتفكيك العالم العربي إلى كانتونات طائفية وإثنية. والثاني، أن أمريكا دخلت على خط الثورات وبسرعة، عن طريق أدواتها العالمية، والإقليمية والمحلية، خاصة أن هناك تربة خصبة بعد عقود من الاستبداد والتبعية زرعت بذور الانشقاقات القطرية والمجتمعية.
أتبنى التحليل الثاني، فشعب تونس الذي فجر الانتفاضات العربية لم تكن تدفعه إلى الشارع أياد أمريكية أو فرنسية، ولم يكن محمد البو عزيزي عميلاً اجنبياً أحرق نفسه في سبيل الاستعمار أو الطائفية، لكن الوضع الدولي والاقليمي، عدا عن الانفجارات الغاضبة أدت إلى ظهور التناقضات والسلبيات المدفونة تحت ضغط القمع الأمني والسياسي.
ففي ظل هيمنة القطب الواحد الأمريكي، وجدت الشعوب العربية نفسها في مواجهة مباشرة مع الاستعمار الأمريكي، المواجهة كانت متوقعة لكن بعضا من الذين قاموا بالانتفاضات، وحتى ضحوا في سبيلها، لم ينتبهوا أن هناك مواجهة أصلاً، بسبب خلل سياسي فكري غزا المجتمعات العربية وغيرها، استطاع فصل قضايا الحريات والعدالة الاجتماعية عن قضية الاستقلال والتحرر الوطني.
لكن أمريكا كانت واعية بأن المواجهة مقبلة، لسبب بسيط هو أن مطلب الحريات والعدالة الاجتماعية، سيؤدي إلى رفض التبعية و إحداث تغييرات اقتصادية جذرية، لن تسمح واشنطن والمؤسسات المالية الدولية بها وتحركت لمنع تغيير لا يكون لها نفوذ فيه أو سيطرة كاملة عليه.
لذا تخلت واشنطن عن الرئيس حسني مبارك، وتدخلها الذي كان في ظاهره لخلع زين العابدين استجابة لإرادة الشعب التونسي ، لكنها في الحقيقة فرصة لتهميش النفوذ الفرنسي، باسم دعم الديمقراطية، كما هرعت المنظمات الدولية ، مثل البنك وصندوق النقد الدوليين بعد اقل من شهرين على بدء الانتفاضات لتضمن ارتباط هذه الدول التي ورثت هياكل اقتصادية ضربها النموذج النيولبرالي واستشراء الفساد، في السوق الرأسمالي العالمي.
خروج مصر، نتيجة اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل، والعراق نتيجة حصار طويل ،ثم غزو عسكري واحتلال، من المواجهة مع إسرائيل كان العامل الأبرز الذي ضرب مشروع التحرر الوطني وأطلق العنان للصراعات القطرية والطائفية والإثنية ، طبعا بعد النكبة والنكسة واكتمال الاحتلال الصهيوني لفلسطين التاريخية.
انحسار موجة القومية العربية، ببعدها التحرري، واليسار، لم يتركا الساحة فقط تحت تأثير نفوذ تيار الإسلام السياسي فحسب، لكن للتيارات الانعزالية، ذات الطابع القطري أو الطائفي،للبروز بتشجيع أو تبني تام من الأنظمة الاستبدادية، التي استعملت الفروقات الطائفية والإقليمية لضرب المعارضة والوحدة الوطنية.
فلم يكن غريباً، أن تدفع الانتفاضات، التيار الإسلامي المنظم، والعصبيات المجتمعية، بما في ذلك العشائرية منها إلى السطح، خاصة في غياب وجود قوى بديلة قوية وموحدة لقيادة عملية التغيير السياسي والمجتمعي- وقد أظهر فوز حمدين صباحي بالمركز الثالث في انتخابات الرئاسة المصرية مدى اتساع التأييد الشعبي لبديل قومي ذي بعد يساري اجتماعي رغم التحديات كلها .
لكن يجب الاعتراف أن تيار الإسلامي السياسي، خاصة الإخوان المسلمين، لم يحصدوا ثمرة الثورات ، فقط لأن تاريخهم يشمل تواطؤاً مع الأنظمة ضد المعارضة، لكن لأنهم لاقوا نصيبهم القاسي جدا من القمع والتعذيب والقتل، على أيدي أنظمة رجعية كانت أم قومية الإدعاء، ما أعطاهم صدقية وحتى شرعية بين فئات واسعة، لديها استعداد أصلاً لمؤازرة، أحزاب ذات رؤية سياسية دينية.
المشكلة أن صعود الإخوان بعد الانتفاضات، أثار مخاوف من سيطرة الدولة الدينية، خاصة مع استقواء الخطاب الطائفي والتيار السلفي بهذه الانجازات، وهي اتجاهات مدعومة من دول خليجية.
فالانتفاضات في الدول العربية الفقيرة مثلت فرصة تاريخية ، للدول الخليجية ،من دون استثناء لركوب الموجة بشكل انتهازي مخيف، يخدم المصالح الأمريكية ، واستغلال التيارات الدينية سواء الإخوان أو السلفيين أو الأكثر تطرفا - لمنع أي مشروع نهضوي حقيقي.
وتتنافس يبنها لتثبت دورها في "قيادة العالم العربي والتحدث باسم شعوبه" من خلال استغلالها للتيارات الإسلامية، ومن هنا تأتي ضرورة تغذية النعرات الدينية والقطرية.
هذه ملاحظات أولية، غير مكتملة، لكن في ملخصها أن عقود الاستبداد واستمرار الهيمنة الاستعمارية، وغياب قوى موحدة وقوية لبناء مشرع نهضوي، تنذر بسايكس بيكو جديدة، تكون سورية أخطر حلقاتها، وإن كانت ليست حتمية لأنني لا استطيع اليأس من قدرة الشعوب على إفشالها.
(العرب اليوم )

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير