ما زلنا نراوح مكاننا في الإصلاح!
وأنا أتابع الإجراءات الحكومية في موضوع الانتخابات النيابية المقبلة، والهيئة المستقلة وتدريب الموظفين المشرفين عليها، شعرت وكأنني في أجواء انتخابات أوروبية ديمقراطية عريقة ينبني على نتائجها مجلس تشريعي رقابي عتيد! يسهر على راحة المواطنين، ويسعى لمصلحة الوطن. ولكن الحقيقة التي أعرفها كما يعرفها غيري من المواطنين أن المجلس لا يتمتع بصلاحيات تشريعية كاملة، بل يقاسمه المهمة مجلس أعيان معين، وكأن الشعب غير مؤهل لاختيار مجلس تشريعي كامل! يراقب الأداء الحكومي، ويختار القرار التشريعي المناسب الذي لا يخالف شرع الله.
وأتساءل: ما الذي يحول بيننا وبين ممارسة ديمقراطية كاملة تتيح للشعب اختيار ممثليه بشكل كامل، ولو كانوا من الإسلاميين الذين يلتزمون شرع الله؟ وما الذي يمنعنا من جعل مجلسنا المنتخب مجلسا واحدا مسؤولا مسؤولية كاملة عن التشريع والرقابة، خاصة أن الديمقراطيات العريقة في الغرب -التي هي محط أنظار كثيرين من مسؤولينا- تتبنى هذا المنهج؟
ومن جهة أخرى، فإن الهجمة على الكرسي النيابي كبيرة، ولو كان احتمال الفوز ضئيلا، وكأن كثيرين من الناس يعيشون في منطقة الأحلام، ويتحركون من خلال تهويماتها، فلعل الاحتمال القريب من الصفر يفوز لأن الواقع مقلوب، ولعل الناخبين يفعلونها ويختارون الشخص المغمور الحالم!
ومرة استشارني شخص طيب بالنزول للبرلمان فنصحته بعدم المحاولة، وأوضحت له أن المجلس مهمته تشريعية رقابية، والتشريع خطير له علاقة بصحة العقيدة إن وافقت على قانون مطروح للتصويت يخالف شرع الله، وقضيته الرقابية تحتاج إلى علم وخبرة وشجاعة تجعل العضو البرلماني يجاهر بالحق، ويواجه أصحاب الكراسي ومراكز النفوذ ودوائر الأمن، والواقع أن كثيرا من الطيبين العقلاء الذين فازوا يسكتون، ولا يستطيعون تجاوز منطقة معينة في كلامهم؛ خشية من الملأ، ثم هي أمانة لا ينبغي تسليمها لغير الأقوياء الأمناء، وهي غنيمة تطعم أصحابها في الدنيا، لكنها تنقلب عليهم في الآخرة حسرة وندامة، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة.
أتذكر المجلس الماضي واللغط الذي ثار حول انتخابه، وملفات الفساد التي خدم وطنه في طيها وعدم كشفها! وأتذكر مذكرة سحب الثقة العجيبة التي وقعها عشرات من النواب في محاولة لسحب الثقة من الوزير محمد نوح القضاة؛ بحجة عدم احترام النواب! فلقد تركوا المفسدين واللصوص و»دقوا» بالأبرياء، أي ديمقراطية هذه وأي نواب أمة هؤلاء!
الثورات تعصف بالبلاد من حولنا، والحراكات تمور في أرجاء الوطن من شماله وجنوبه، وإجراءات الإصلاح الحكومية تراوح مكانها! وأتعجب مرارا وتكرارا، فما الذي يمنعنا من اجتناب المشاكل والمصائب واختيار درب الإصلاح الحقيقي بديمقراطية كاملة وتولية المصلحين الأمناء المخلصين الذين يسعون لإرضاء ربهم ،والحفاظ على وطنهم وحمايته ورعاية شأن المساكين والفقراء؟!
(السبيل )