حدرا بدرا
يجلس بأريحية وبلباس فضفاض، النافذة مشرعة ترسل نسائم لطيفة تداعب وجهه والشعرات الناعمة المتناثرة على رأسه، يتصفح المواقع الإخبارية بسرور باحثا عن أخبار مفرحة سارة، يمتعض للأخبار اليومية بخصوص حوادث السير أو جرائم القتل أو الانتحار أو النصب والسرقة، يقفز لذهنه سؤال ما الذي غيّر الناس؟
يتابع التصفح، أخبار الوطن غير سارة فالغلاء يضرب أطنابه، وملف الفساد قد تم نسيانه. يلفت نظره خبران قويان: أولمرت وصدور الحكم بسجنه ما يزيد على ست سنوات في دولة العدو، ثم خبر من إيران بصدور حكم إعدام ملياردير إيراني بقضية احتيال ونصب مقدارها مليارين ونصف. يتعجب من هذه الدول الجادة التي تطبق القوانين التي تتبناها ولا يهمها الرجل الذي تقع عليه العقوبة ما دام قد خالف القانون وإن كان رئيس الدولة. بل في الدول الحرة إن ثبت الكذب على مسؤول يتم إسقاطه والتشهير به! وتقوم الصحف والمواقع الإخبارية ومواقع التواصل بدور كبير في هذا المجال.
يتابع البحث فيشده خبر جديد طاغ له صوت مرتفع، يقرأ العناوين الكبيرة المتتابعة، لا يستطيع الإلمام بكثرة الأسماء اللامعة المطروحة في الخبر، لكن أساريره تنفرج للأحكام التي تصدرها محكمة أمن الدولة بحق مسؤولين كبار ووزراء ومفسدين لامعين، والأحكام الصادرة ليست بالسهلة فهذا قد حكم عليه بالسجن لعشرين سنة وهذا لخمس عشرة وهذا لعشر سنوات وهذا قد حكم عليه بالمؤبد وآخر قد حكم عليه بالإعدام، وقد تم التحفظ على جميع الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للفاسدين. يطرب للأخبار المبهجة التي تتطاير في سماء الوطن، ويتحرك لسانه: إٍسرائيل ليست خيرا منا، وإيران منحرفة وليست خيرا منا.
يتناهى لسمعه صوت زوجته صارخة على أطفالها: لماذا رفعتم صوت التلفاز، ها قد أيقظتم أباكم من نومه أمام الحاسوب، أمن أجل تشكيل حكومة جديدة ترفعون صوت التلفاز. يفرك عينيه، ينظر للتلفاز متابعا أسماء أعضاء الحكومة الجديدة، تتساقط الدموع على خده وهو يرى أسماء كثير من الوزراء الذين شاهدهم في حلمه والأحكام التي صدرت بحقهم!
يتمدد على الفراش، يتمتم سائلا: كأن عملية تشكيل الحكومة تتم من خلال حكمة ( حدرا بدرا، أو دور دوريا)، يقفز لذهنه سؤال: كيف تم تشكيل دائرة اللاعبين المحظوظين الأولى التي يتم اختيار الوزراء منها من خلال ( حدرا بدرا)، والغريب أن الدائرة لا تتغير، وإذا انسحب لاعب بالموت أو الانهيار الصحي يدخل ابنه أو ابنته إلى الدائرة مكانه!
يرفع صوته عاليا: لا تندهي ما في حدا.
تبتسم الزوجة (للخرابيط )غير المفهومة التي تصدر عن زوجها وهو بين النوم واليقظة، وتدعو الله أن يحفظ عليه عقله، فقد صار يكثر من الهلوسات في هذه الأيام.