رومانسية التشغيل والتدريب
للكاتب المصري الراحل جلال عامر مقولة أعجبتني «بعد أن حصل على «الليسانس» بدأ فى «تحضير» الماجستير وبعد أن حصل على «الماجستير» بدأ فى «تحضير» الشاي للزبائن».
كيف تطلب من شاب جامعي صرف أبوه عليه دم القلب وآخر ليرة في الجيب وآخر قرش من آخر قرض القرض حتى آخر تعريفة من المعونة الوطنية أن يتحول بقدرة قادر الى مهني, يتدرب ليصبح عاملا في كراج أو مواسرجي أو نادلا في كوفي شوب وحدادا وطوبرجيا وطريشا..
في رومانسية برامج التشغيل والتدريب, تنفق الحكومة ملايين من الدنانير على برامج تدريب لا تجد زيائن, وتستجدي المساعدات لتمويل عناوين تشغيل قبل التدريب ودورات بلا خريجين, لمتدربين غير موجودين لمهن مشغولة.
يا حكومة البطالة ليست هناك, البطالة هنا في خريجين الجامعات وبصراحة ولأني مع تشغيل الأردنيين فقد استجبت لنداء وزارة العمل بعدم تشغيل الوافدين ولا حتى الإستعانة بهم تحت طائلة المسؤولية, فبحثت وبحثت ووجدت عاملا أردنيا وحتى أتأكد تفحصت هويته ولكنته, فاطمأن قلبي أكثر كان عامل بلاط لكنه أعطاني موعدا بعد ثلاثة أسابيع وطلب أجرة 70 دينار للساعة هذا طبعا قبل رفع الحد الأدنى للأجور.
أنا شخصيا لا أصدق أن في الأردن 2ر1 مليون عامل وافد, والسبب ببساطة, لو أن ذلك صحيحا لأصبحت أجرة العامل دينارين في الساعة وليست 30 و40 و50 , لأن كثرة العرض في مقابل قلة الطلب تنزل بالأجور, هذه نظرية إقتصادية ليست من اختراعي طبعا.
• في محكمة أمانة عمان.
كنت في محكمة أمانة عمان الكبرى, الموضوع طبعا محاولة تخفيض قيمة مخالفات السير وهي بالمناسبة كثيرة جدا جدا وللحق فقد تعاطف معي قاضي المحكمة, وللحق لم يبدي ذلك لمعرفة أو واسطة فهو يتعاطف مع كل المراجعين, من يعرف منهم ومن لا يعرف, وقد رأيته بأم عيني يخرج عشرة دنانير من جيبه ويعطيها للمراسل وقد همس في أذنه « إلحق الشاب الذي غادر منذ لحظة, ناقص عليه عشرة دنانير ليستكمل دفع المخالفة» .
هذا مثال حي لمسؤول يتحسس هموم الناس بلا دعاية ولا صحفي يكتب أخباره ولا نفاق ولا كاميرا تلتقط إبتسامته المفتعلة وهو يحتضن طفلا أعطاه معونة أو طرد فيه سردين وبسكوت وعلبة عصير, الناس يعبرون عن الآلام والأحزان بطريقتهم الخاصة، وبعض المسؤلين كذلك يعبرون عن تعاطفهم لكن على طريقتهم الخاصة أيضا.
محكمة أمانة عمان بالمناسبة أكثر الدوائر إزدحاما, هذا طبعا لكثرة المراجعين وهذا طبعا لكثرة مخالفات السير, وهي طبعا المكان الوحيد الذي تسمع فيه الناس يتذمرون بصوت مرتفع لأن القضية تتعلق بدفع المال, هي متنفس يبث فيه الناس همومهم, حتى لو لم يحركوا شفافهم بغير كلمة نعم أنا مذنب عند الإجابة عن سؤال القاضي, هلى أنت مذنب؟ , اعترف بالذنب إن كان ذلك سيمنحني خصما على مخالفة سير لا أعرف إن كنت مذنبا فعلا فيها أم لم أكن.
بقي شيء في ذمتى أرغب في تسجيله هنا, محكمة الأمانة ينطبق عليها المثل القائل, باب النجار مخلع, وما أقصده هنا أن مهمة الأمانة الخالدة في النظافة غائبة عنها, فالأثاث « المخلع « مهمل في زاوية من ساحاتها وتمتلئ درجاتها بآلاف من أعقاب السجائر وغيرها من المخلفات, هي نجار عندما تكوم مهمتها تحصيل عشرات الآلاف من عوائد المخالفات لصندوق الأمانة بينما لا تستطيع أن تنفق قرشا واحدا على أثاث لائق!!.