الربيع الحقيقي

جو 24 : الفرصة الذهبية التي تمر بها أُمّتُنا اليوم، قد لا تتكرر على الأقل خلال عقد من الزمن. جوهر الفرصة يكمُنُ في توظيف الحماس الذي رافق الإنتفاضات الشعبية بإصلاح الشخصية العربية التي تطالب بعالي الصوت بإصلاح الأنظمة والمؤسسات ؛ فهذه من تلك، ولا يستقيم الأمر إلا إذا اعترفنا بتشوّهاتنا، ورسمنا خارطة ذهنية-على رأي المؤلف العظيم «ستيفن كوفي» لنمط جديد من إحياء الذات، نوسّع فيه دائرة التأثير، وزاوية الرؤية.
انبعاث الحياة بألوانها الصاخبة في موسم الربيع، لعلّهُ يُذكّرنا قبل أي شيء بأن هناك بذوراً اختبأت زمناً في الظل، إلى أن تخلّقت وأزهرت وأثمرت، وهكذا النيّة لإصلاح الذات تكون: بالتخطيط والصبر والإبتعاد عن الإستعراض الذي تنتهي صلاحيته حال انتهاء الحديث عنه. البناء الحقيقي بحاجة الى مُخطط نشتغل عليه زمناً كافياً لنشرع بعده في التنفيذ. أَستشهِدُ بالفيلسوف الألماني الكبير نيتشه، والذي لخّص سبب نجاح المُنتَج الألماني، من الفلسفة والموسيقى والفكر، الى السيارات وحتى عصير التفاح ! يقول نيتشه: «فكًر ساعة لتعمل دقيقة، أو فكّر سنة لتعمل شهراً. «
عندما نمنح التخطيط فرصةً ليختمر ويُثمر، فإننا نكسب الوقت بعد ذلك ونعوض ما فات، تماماً كما نُمضي وقتاً في تصميم وصنع القالب، ثم بعد ذلك سرعان ما نملأه بما شئنا من النماذج. تطبيق هذا الكلام على الربيع هو التركيز الشديد على تطوير أداء شخصيتنا العربية التي فيها ميل الى الكسل والتأجيل والهروب من المسؤولية، باستثناء من أدرك لسبب ما أو لثقافة معينة سلبيات ذاته، فتجاوزَها بتحدّيها.
لا أستطيع إخفاء إعجابي الشديد بالنموذج الإصلاحي الغربي الذي قامت عليه عظمة أوروبا. بعد الحرب العالمية الثانية وجد مواطنو مدينة فرانكفورت -عاصمة المال الألمانية - بأنهم محاطون بالدمار الشامل بكل التفاصيل، عدا عن فقدان عدد كبير من الرجال في الحرب، فما كان منهم إلا أن قاموا وبأقل القليل بإعادة بناء مدينتهم أفضل مما كانت، واللافت أنهم بدأوا بدار الأوبرا!
نحن أيضاً انطحنت بلادُنا بالمطامع والأحقاد، وفقدنا من رجالنا من لا تكفيهم الأشعار. بعضهم راح ضحية مجانين وقُطّاع طرق، وبعضهم استشهد من أجل كلمة، فلا أقل من أن نحيي ربيع النفس العربية -وهو الربيع الحقيقي- بتغييرها والتخلُّص من عادات لا وقت لها مع هذا التقدّم الهائل الذي احتلّنا دون حاجة إلى الجنود.
الرأي