الخصخصة وتقييمها!
في الهزيع الأخير من القرن الماضي، انتشرت نظريات الريغانزيم (من الرئيس رولاند ريغان) والتاتشرزم (من مارغريت تاتشر)، تقوم على خروج الحكومات من الاقتصاد، وتسليمه إلى القطاع الخاص وقطاع خاص العالم والشركات العابرة للقارات!!.
ولأننا في الأردن لا يمكن أن نتخلف عن أزياء العصر، فقد دخلناه بالخصخصة لسببين:
الأول: إن الأميركيين والبنك الدولي ومنظمة التجارة الحرّة قدموه بشكل نصيحة مكتوبة. وقد قرأته مع الراحل سليمان عرار.. ولاحظنا أن المشروع يبدأ بالاتصالات، والصناعات التعدينية، والماء، والكهرباء، والإسمنت وكل الشركات التي تساهم فيها الحكومة!!.
ثانياً: لأن الحكومات فشلت في إدارتها فقد كان المواطن ينشف ريقه لسنوات من أجل الحصول على خط هاتف، إلى جانب ديون المؤسسة السلكية واللاسلكية بمئات الملايين، وكنا لا نصدق حجم خسارة الفوسفات، وارتفاع كلف الصناعات الكيماوية. وغيرها وغيرها الكثير!!
وقتها هالنا الكلام: كيف نبيع املاك الدولة؟ ثم ماذا نفعل بالمال اذا كان المفروض ان لا تستثمر الدولة بمشروعات جديدة؟!
وقد دار نقاش جاد ولكننا نعترف أنه كان نقاشاً داخل مجموعات محدودة. فالأحزاب كانت اضعف كثيراً من أن تنقله إلى الشعب. كما أن الصحافة كانت حكومية مائة في المائة لا من حيث ملكيتها وإنما من حيث ما تكتبه!!
وقتها سمعنا حتى من اشتراكيين «قلبوا» أن القطاع العام الذي يتملك هو نمط اشتراكي من رأسمالية الدولة. وأن الاشتراكية يصنعها الاشتراكيون. والدولة عندها موظفون فقط!!
لم تكن الحكومات بحاجة إلى نقاش عميق لتتخذ قراراتها, فهناك أفكار, وإجراءات جاهزة وما عليها إلا أن تبدأ بتحويل المؤسسات الحكومية إلى شركات تملكها الحكومة. أما الشركات التي تملك الحكومة جزءاً رئيسياً منها فهي أسهل للخصخصة!!
أمس، كنا والرئيس النسور في جلسة أسئلة وأجوبة، وكان الأهم رسالته إلى جلالة الملك بشأن لجنة تقييم الخصخصة على ضوء حالة من الفوضى الفكرية التي اختلط كل شيء فيها بالفساد وملامحه وقسماته البشعة. واستعمال الخصخصة كسلاح سياسي يتناول السطحيات دون الوصول إلى معالجة جادة.
والرئيس لم يكن بعيداً عن النقاش الأول حين تبادلنا المقترح المكتوب، فقد كان في وسط المعركة الفكرية المحدودة، وكان كعادته يتعامل مع المصلحة الوطنية أولاً بغض النظر عن اشتراكية مبدأ القطاع العام أو عدم اشتراكيته.
وقد كان كتاب الرئيس، وتشكيل اللجنة موضوعاً نتمنى الايعاز بنشره في الصحف كاملاً فهو تقييم وليس تحقيقاً. وهو توصيف لواقع الحال وليس حكماً على مرحلة، أو فكرة أو ضغوط دولية.
.. اللجنة متوازنة وأشخاصها قادرون، والمؤسسات الممثلة مؤسسات قوية.. ونظن أننا سنأخذ تقييماً يُخرج الحالة من الاستغلال السياسي فلا شيء يمنع الدولة من إعادة النظر بكل شيء.
(الراي )