jo24_banner
jo24_banner

الطاقة ومستقبل دول الخليج

كمال بلعاوي
جو 24 :

 

يقف العالم هذه الايام على اعتاب تغييرات تكنولوجية دراماتيكية سيكون لها تداعيات اقتصادية اجتماعية ذات تأثيرات جذرية على خارطة تصدير الطاقة في العالم, فمنذ عقود طويلة تقف بعض الدول مثل دول الخليج العربي وروسيا على رأس مصدري الطاقة في العالم, إلا أن شبه الاحتكار هذا على وشك أن ينتهي, الامر الذي سيضع هذه الدول في مواجهة تغيرات هيكلية في بنية مجتمعاتها.

أدت الزيادات الهائلة في أسعار الطاقة وما عكسته هذه الزيادات من مشاكل وخلافات سياسية الى محاولة بعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة للسعي وراء سبل جديدة لتوفير الطاقة لمواطنيها, وانعكس هذا في تصريحات متتابعة لرؤساء الولايات المتحدة منذ أزمة النفط في 1973 الى يومنا الحاضر فيما يسمى بسياسة استقلال الطاقة, الا ان هذه المحاولات لم تؤت أكلها الا حديثا, حيث أدت التطورات التكنولوجية الى السعي وراء الطاقة المتجددة ، ولكن هذه الطاقة كانت ولا زالت غير مناسبة من الناحية الاقتصادية, غير أن التطورات التكنولوجية سمحت باستثمار مصدر غير متوقع للطاقة وهو ما يسمى بمصادر الطاقة غير التقليدية (unconventional oil) مثل الصخر الزيتي (shale oil) والرمل النفطي (oil sand)، والاهم من ذلك الغاز الحجري (shale gaz).

تنتج الدول المصدرة للنفط في العالم ما يقارب84 مليون برميل يوميا بالاضافة الى 3.5 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي, وتنتج دول الخليج النفطية حوالي 27 مليون برميل يوميا وهو ما يشكل أكثر من 30% من الانتاج العالمي، وهذا الانتاج يشكل مصدر دخل هائل الاهمية بالنسبة لهذه الدول, وأي انخفاض بالاسعار نتيجة زيادة الانتاج العالمي سيكون له تأثير مهم عليها.

أثناء محاولة الولايات المتحدة إيجاد مصادر بديلة للطاقة قامت بعض الشركات الامريكية بالاستثمار في الغاز الحجري، حيث تمتلك الولايات المتحدة ثاني أكبر احتياطي بالعالم، والمكتشف منه حتى الان 827 تترليون متر مكعب, وعن طريق التقنيات الحديثة استطاعت أن ترفع إنتاجها من الغاز الحجري خلال بضعة سنوات بنسب هائلة.

إن هذه التغيرات الحديثة من المتوقع أن تؤدي الى نتائج مهمة في الدول العربية المنتجة للغاز والنفط, حيث أن هذه الدول تعيش ضمن نمط اقتصادي يسمى بالنمط الريعي, وهو النمط السائد عادة في الدول التي تعتمد في أغلب مصادر دخلها على بيع الموارد الطبيعية, ويختلف هذا النمط عن بقية الانماط االاقتصادية في نواحي مهمة،. حيث أن الانماط الاقتصادية السائدة بالعالم تعتمد الى حد كبير على عوائد الضرائب من المواطنين, أما النمط الريعي فيقلب مفهوم الدولة رأسا على عقب, فأصل الامور أن الدولة هي مجموعة مؤسسات ينشئها مواطنون لادارة شؤون حياتهم على الصعيد العام, والنظام الحاكم هو مجموعة من الموظفيين المسؤولين عن تسيير شؤون الدولة، ويأخذ هؤلاء الموظفون رواتبهم من الشعب مقابل عملهم.

النظام الريعي على عكس بقية الانظمة الاقتصادية يقوم على تصدير الموارد الطبيعية للدولة ثم يقوم النظام الحاكم بالانفاق على المواطنين ودفع الرواتب من ريع هذه المصادر الطبيعية, في ظل هذا النمط يقوم النظام الحاكم مقام الوصي علىى الشعب وعلى "أبنائه" المواطنين, الامر الذي يعطيه صلاحيات هائلة, ما يمكنه من التحول الى نظام ديكتاتوري، والحاكم فيه الى حاكم مطلق لا يحق لأحد مساءلته, ولهذا نرى أن أغلب الدول الريعية تعيش في ظل أنظمة غير ديمقراطية تنعدم فيها الحريات.

الشعوب التي تعيش في ظل الانظمة الريعية هي أقرب الى الرعايا منها الى المواطنين, فهم غير مسموح لهم بالمشاركة في النظام السياسي أو في صناعة القرار أو مساءلة النظام في أي قرار يتخذه, الامر الذي سيدفع المواطنين في الوضع الطبيعي, وفي ظل التحولات والتغيرات التي يشهدها العالم - والعالم العربي بالذات- الى الانتفاض والتحرك لتغيير هذا الوضع, لكن ما يميز الكثير من الانظمة الريعية كذلك هو أنها غنية جدا وتستطيع الانفاق بسخاء نسبي للحفاظ على وجودها وعلى سيطرتها, وهذا ما يفسر غياب رياح الربيع العربي عن أغلب الدول الريعية, فطالما يستطيع الرعايا "المواطنون" العيش برخاء تحت ظل هذه الانظمة، فليس هناك أسباب ملحة للتحرك والتغيير.

إن التغييرات المتوقعة في سوق الطاقة العالمي بالاضافة الى توقع وصول الدول الصاعدة مثل الصين والهند الى حالة من الاشباع في مجال الطاقة وزيادة قدرتها على توليد الطاقة بشكل ذاتي دون الاستيراد, سيؤدي الى تغييرات هائلة على سوق الطاقة العالمي، وبالتالي تخفيض دخل الدول الريعية بشكل ملحوظ. وإن أي تراجع في قدرة الدول الريعية على الانفاق على شعوبها سيؤدي الى أضعاف قدرة أنظمتها الحاكمة على السيطرة على هذه الشعوب, ما يمكن أن يفرز حالة من الامتعاض التي ستنعكس على الظروف الداخلية والاستقرار السياسي لهذه الدول. وتبقى الاسئلة في ظل هذه المتغيرات الكثيرة: الى أي درجة من التطور ستقودنا الانجازات التكنولوجية؟ والى أي حد ستنخفض أسعار الطاقة؟ لكن الاكيد أنه وفي حال حدوث انخفاض مؤثر على دخل الدول الريعية العربية وفي ظل التغيرات التي تمر بها الامة العربية، فإننا سنرى أحداث مهمة في هذه الدول.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير