2024-10-22 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

لماذا لن يتوحد اليسار ؟!

كمال بلعاوي
جو 24 :

يعاني اليسار العربي عموما من مشكلات هيكلية عديدة في نمطية التفكير، وهي مشكلات مركبة مغروزة عميقا في طبيعة اليسار الماركسي ضمن صيغته السوفياتية بالذات، صحيح أن الاتحاد السوفيتي قد انهار، لكن نمطيته العقلية ما زالت قائمة عندنا، وفي كثير من أحزاب العالم الثالث، فنحن لم نحفظ فقط دروس دار التقدم، بل حفظنا وبصمنا عن ظهر قلب الاساليب التنظيمية والممارسات السياسية القمععية الديكتاتورية المتخلفة.

أن الاتحاد السوفيتي العظيم، لم يكن دولة اشتراكية من ناحية التطور الحضاري، بل هو عاش وأنتهى وهو يسترجع وينتج ويعيد أنتاج أساليب العهد الاقطاعي في الحكم، روسيا القيصرية عندما اندلعت فيها الثورة لم تكن سوى دولة إقطاعية تحاول الانتقال الى الرأسمالية، وكان فيها قطاع رأسمالي قيد التكوين، والحزب البلشفي استطاع أن يتغلغل في صفوف العمال، قليلي العدد نسبيا، ويصنع منهم ثورة بسبب توفر الظروف الموضوعية المناسبة في تلك الفترة، وليس بسبب نضج الظروف الموضوعية الطبقية التي تأهل مجتمعا ما للانتقال نحو الاشتراكية.

لقد انتقلت الاشتراكية إلى الوطن العربي مثلها مثل غيرها من الافكار والايدلوجيات بطريقة مصطنعة، فهي لم تكن نتاج تطور حضاري طبيعي أدى الى نشوء هذه الافكار، فأفكار مثل الديمقراطية والعلمانية هي أفكار تلقفها بعض النخب والمثقفين العرب وحاولوا ترويجها في الوطن العربي، والايدلوجيات مثل الاشتراكية والقومية مرت بنفس الحالة فهي ليست وليدة صراع طبقي أو تطور حضاري، ولهذا السبب لم تستطع كثير من هذه الاافكار أن تلقى رواجا عند العرب، ولهذا السبب أيضا حتى عندما ظهرت بعض هذه الافكار في صفوف الشباب واالنخب أخذت شكلا مشوها.

اليسار العربي عموما، ويسار بلاد الشام خصوصا، واليسار الاردني الفلسطيني بالذات مثّل تجربة مميزة في رفض تجارب الوحدة والدخول بشكل دائم ومستمر في حالات تشظي وانقسامات لا نهاية لها، حتى أضحى مجال سخرية في بعض الاحيان، فرغم التشابه الايدلوجي الذي يقرب التطابق، من الممكن دائما إيجاد أسباب للانقسام، وأعتقد أن أسباب الانقسامات حاضرة في العقلية الدكتاتورية التي أورثنا إياها الاتحاد السوفياتي والتي وجدت لها أرضا خصبة في أرض الظلام والتخلف والجهل عندنا.

لماذا لا يتوحد اليسار؟

لانه ببساطة ديكتاتوري، رافض للاخر أيا كان، العقلية التنظيمية المشابهة للعقلية العسكرية ضمن مقولة نفذ الآن ولا تفكر لاحقا هي السائدة في أحزابنا اليسارية، الوحدة مستحيلة ايها السادة طالما هناك أمين عام يبقى لعقود وعقود على رأس الحزب، الوحدة مستحيلة طالما أن الانتخابات الداخلية اسوأ من الانتخابات البرلمانية الكارثية، وطالما هناك ما يسمى بالترشيح المركزي، الوحدة مستحيلة طالما أن مجمع الكرادلة في المكتب السياسي هو الحاكم بأمر الله في الحزب، المكتب السياسي الذي هو نفسه في أغلب الاحيان ليس أكثر من مجرد مطبلين ومزمرين للأمين العام.. هي مستحيلة بل أن الانقسام الدائم هو الرد المنطقي على وضع غير ديمقراطي مثل هذا، لكن النتيجة على الاغلب هي خروج رفاق من الحزب لم يخرجوا بسبب أيمانهم بالديمقراطية، بل بسبب عدم رضاهم عن توزيع المناصب، وستستمر الحلقة المفرغة طالما نحن ننظر الى ستالين على أنه "أبو الشعوب" وطالما نحن نسبح بحمد الاتحاد السوفيتي حتى اليوم، وطالما نحن نحفظ ونردد مقولات وشعارات دار التقدم مثل الببغاوات.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير