jo24_banner
jo24_banner

بين تشافيز ولولا.. اليسار الطفولي المراهق

كمال بلعاوي
جو 24 :

من غرائب الامور ان نرى كل هذا العويل والدفاع المستميت عن شخصية تشافيز رئيس فنزويلا، بينما لا نرى أية كلمة تقال في حق رئيس يساري أخر حقق إنجازات حقيقية تفوق ما حققه تشافيز بمراحل، فبينما رأينا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي العويل واللطم على صحة الرئيس المفدى تشافيز، لم اشاهد أو أسمع أية كلمة حول رئيس البرازيل اليساري وصاحب أكبر شعبية لرئيس في تاريخ العالم، الرئيس السابق لولا دي سيلفا.

الرئيس تشافيز حقق مجموعة من المكاسب الرائعة لفنزويلا وعلى رأسها تقليص الفوارق الطبقية، وتحتل فنزويلا الان المركز الاول في أمريكا اللاتينية فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية حسب معيار Gini، لكن فنزويلا أيضا في عهد الرئيس تشافيز ما زال النفط هو المصدر الاساسي للنقد الاجنبي فيها ويشكل أكبر سلعة تصديرية لها بفارق كبير، نسبة فساد عالية، نسب جريمة فلكية، لكن الاهم من كل ذلك أن التطور الاقتصادي في فنزويلا بطيء ومشوّه.

الرئيس تشافيز هو عسكري بالأصل دون تاريخ سياسي حزبي، دون تاريخ يساري، وهذا لا يعيبه بالضرورة، لكنه يفسر الكثير حول ممارساته فيما بعد، أعتمد تشافيز على الكاريزما الشخصية لبناء حزب وقاعدة جماهيرية عريضة من الفقراء والضعفاء، واستطاع جمع هذه القاعدة من خلال برامج قوية لمساعدة الجماهير المسحوقة، بالرغم من أن هذه البرامج كانت ممولة بشكل شبه كامل من عوائد أسعار النفط التي ارتفعت في فترة حكمه، وبالرغم من الفساد الواسع الذي يشوبها، الا أنها حققت إنجازات مهمة.

المشكلة الرئيسة عند تشافيز هي اعتماده على سياسة شعبيوية تقوم على "الغرف" من عوائد النفط وصب الاموال على الفقراء دون سياسات اقتتصادية مستدامة لتطوير الاقتصاد الوطني، وفي حالة نزول أسعار النفط سيؤدي ذلك الى توقف برامج المساعدات أو تخفيضها بشكل حاد، المشكلة الاخرى هي اعتماده على شخصه دون بناء حزب حقيقي ببرنامج حقيقي، حيث قام بتعديل الدستور وعدّل فقرة لتسمح له بالترشح بشكل مستمر للرئاسة دون سقف زمني، ومدّد فترة الرئاسة الى 6 سنوات، وهذا بالنسبة للعرب بالذات يجب أن يذكرهم بماضي وحاضر أليم، كما أنه دخل بصراعات غير مبررة مع كثير من دول العالم.

بالمقابل نرى تجربة أكثر من رائعة وناجحة في البرازيل، حيث استطاع الرئيس ذو الماضي الحزبي اليساري أن يقدم مثالا استثنائيا على النهضة والنجاح في المجال الاقتصادي وفي العدالة الاجتماعية، واستطاعت البرازيل في عهده أن تقف على قدم المساواة مع ما يسمى بالدول الصاعدة مثل الهند والصين.

فلماذا اذا نرى الحديث يدور ويدور حتى يدوخ عن الرئيس تشافيز ولا نسمع ذكرا للرئيس لولا عند اليسار العربي الاردني العظيم؟

إن تفسير ذلك يكمن في العقلية الشعبيوية للرئيس تشافيز، والتي تتناسب بشكل كامل مع العقلية الشعبوية ليسارنا، الرئيس تشافيز مثله كمثل الرئيس جمال عبد الناصر، الاثنان من أصحاب النيات الحسنة والاثنان فشلا الى حد كبير في تطبيق هذه النيات، لكنهما من الخطباء المفوهين، يحترفون الخطابة والكلام والسباب، لكن الخطابة تكون بالعادة في هذه الحالات مقترنة مع أنجازات محدودة غير دائمة.

إن عقلية اليسار العربي تغض الطرف عن إنجازات الرئيس لولا الهائلة لانها بالاساس غير قادرة على التفكير بشكل علمي، لولا قاد البرازيل لدورتين رئاسيتين ثم أنسحب مفسحا المجال لرفيقة في حزبه وقامت الجماهير بانتخابها، وهذه الحقيقة وحدها كفيلة باكساب هذا الرجل احترامنا، لكن يسارنا مشغول بالخطابات الرنانة والخطب العصماء دون قراءة الواقع أو النظر اليه بشكل علمي هادىء.
إن أغلب يسارنا هو يسار طفولي مراهق للأسف لا يمتلك أية أدوات علمية أو حتى أبسط معرفة بالواقع.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير