الحذر الحذر.....من نظرية المؤامرة
كمال بلعاوي
المؤامرة، كلمة مخيفة بالفعل فهي تفرض حضورها في العقول على شكل عمل سري تقوم به جماعة سرية معادية
فهل هذا هو معناها؟ بشكل عام نعم، فهذا هو المعنى الحديث لها، وجاء في لسان العرب أن المؤامرة تأتي بمعنى المشاورة وتأتي أيضا بالمعنى الحديث لها، أي التأمر على فعل ما، وفي اللغة الانجليزية نرى أن معنى كلمة conspiracy أي المؤامرة مشتق من اللاتينية وفي اللاتينية معناه التنفس وهذا يتضمن معنى الهمس، لكن المعنى الحديث للكلمة واضح، ومنها أصبحنا نسمع بشكل دائم أيضا عن نظرية المؤامرة.
نظرية المؤامرة هي تفسير حدث أو مجموعة أحداث عن طريق أفتراض وجود مؤامرة، وهي عند أشباه المثقفين ورعايا بلاد الجهل والظلام طريقة تفكير وتفسير، فلماذا تعيش نظرة المؤامرة وتزدهر في بلادنا؟ أن المقموع والجاهل لا بد له من البحث عن أجابة لما يحصل حوله، فلماذا كل هذا الظلم ولماذا كل هذه الهزائم، لماذا نحن بالذات – وهذا بالمناسبة سؤال الجهلة الدائم لأنهم لا يعلمون أنهم ليسوا وحدهم – وعند محاولة تفسير كل هذا يجد المرء نفسه مدفوعا الى خيارين، فأما البحث والقراءة بشكل مكثف حول أمور كثيرة من الصعب حصرها، وأما اللجوء الى التفاسير السهلة البسيطة والمريحة، ولن يجد أي شخص أسهل من نظرية المؤامرة لتفسير هذا الواقع المعقد المتشابك، فنحن مجرد أحجار على رقعة الشطرنج، مجرد أدوات، مجرد دمى يحركنا أشخاص من خلف حجب، ويعيش هؤلاء الاشخاص في غرف مظلمة يقضون وقتهم في التأمر علينا وتحركينا، كيفما شائت لهم أهوائهم ومصالحهم، لهم بروتوكولات ومصافحاتهم السرية، لكن هل يستقيم هذا الاسلوب في التحليل مع الواقع؟
أن حركة التاريخ والظروف المعقدة المتشابكة للنشاط البشري في أي مرحلة تاريخية تفترض لفهمها أدوات بنفس درجة التعقيد، أي أنه من أقتنع بأن التاريخ هو نتاج لجملة هائلة من العوامل الاقتصادية الاجتماعية السياسية الثقافية التي تتفاعل ضمن حركة جدلية مستمرة فلا بد له من أدوات لقراءة هذا الواقع المعقد، فالمحلل محتاج للأداة وللمعلومة، أي أنه يحتاج للمعادلة والمتغيرات لكي يخرج بالنتائج، وهي في حالات العلوم الانسانية دائما تكون نتائج تقريبية، بالمقابل نجد أن نظرية المؤامرة قائمة على مجرد لا تحتاج لا الى أدوات ولا حتى لمعلومات، مجرد وجود ظاهرة معينة كافي لكي تتفتق عقول البعض عن نظريات لا صرامة علمية لها ولا ضابط، هي قصص لا تجد ما يدعمها سوى الجهل، فعدم توفر المعلومة مثلا عن تاريخ تطور الحضارات يفسح المجال واسعا لنظريات المؤامرة حول الربيع العربي، فمرة أخرى لماذا يحدث هذا؟ لماذا نحن؟ لماذا الان؟ وكلها أسئلة مشروعة، ويجب وضعها تحت مبضع التحليل العلمي الدقيق، لكن ماذا لو لم يكن المبضع متوفرا، بالضرورة سيقودنا هذا الى إعمال الفكر في قصص أشبه ما تكون بالرويات والاساطير، بدون الدخول في عناء دراسة الوضع الاقتصادي الاجتماعي والتاريخي، فهذا على هامش أهتمامات أشباه مثقفينا أصحاب المخيلات الخصبة، فلماذا البحث والعناء، اذا كان التفسير الجاهز لأي أزمة عربية هي أسرائيل وأمريكا، ويحضر الى الذهن هنا ما كانت تبرر به الأنظمة العربية غياب الديمقراطية والتنمية، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
هذا لا يعني أن المؤامرات غير موجودة، فمحاولة بعض الدول الامبريالية تحويل خط سير معين بما يخدم مصلحتها هو أمر متوقع، لكن هذا لا يعدو أن يكون مجرد مؤامرة على تغير الخط وليس خلق ظرف غير موجود ولا أساس موضوعي لها، حاولت وتحاول الامبريالية خلق مؤامراتها نجحت حينا وفشلت حينا أخر، وقراءة المؤامرة هي جزء من القراءة العلمية للواقع الموضوعي، لكنها جزء فقط، حتى في الحالة التي تلعب فيها المؤامرة الدور الأكبر، لا بل أن أكتشاف وجود مؤامرة أمر قائم على القراءة العلمية الموضوعية، فعلى سبيل المثال لو أخذنا مؤامرة واضحة المعالم مثل الانقلاب على حكومة محمد مصدق في أيران، فهذه لاا يمكن فهمها بددون قراءة شاملة للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للوضع االايراني الداخلي وللظروف الدولية التي كانت قائمة في ذلك الوقت، ما أحاول قوله هو أن المؤامرات جزء من ظروف معينة في مرحلة تاريخية معينة، والمؤامرات لا تسقط من السماء، فلا بد لها من ظروف موضوعية مؤاتية للنجاح، وعندما نأخذها بعين الاعتبار ضمن قراءة علمية شاملة يصبح بأمكاننا تحليل الاحداث المختلفة بعين العلم لا بعين الخرافة ونظريات المؤامرة الشاملة.
هناك مؤامرات؟ بالطبع، لكن هذا ليس مبررا للخوض في نظريات مؤامرة شاملة لتفسير كل ما يدور حولنا، المؤمرات جزء من واقع المحرك الاساسي له هو تناقضات على مستويات كثيرة، ولا بد من أخذ كل هذه المستويات بعين الأعتبار عند القيام بمهمة شاقة مثل تحليل أحداث بحجم الثورات، لكن حصر الواقع وتفسيره في نظرية المؤامرة بسبب جهل البعض بقوانين حركة المجتمعات هو جريمة بحق العقل، والأستمرار بالحديث عن مصطلحات مثل المؤامرة وغيرها دون وعي معناها هو كارثة بحق شعوبنا.