15،45 % نسبة التوجيهي الراسبين في المدارس.. وهذه أسباب الاخفاق
د. محمد أبو غزلة
جو 24 :
إعادة رسم السياسات التعليمية والتربوية يشكل مطلبا مجتمعيا
التركيز على المعلم والمدرسة بوصفه أولوية في عملية التطوير
هيبة الثانوية العامة مصطلح مصطنع...والهيبة تأتي من تطوير عناصر المنظومة كافة
(15،45 % ) نسبة الطلبة الذي رسبوا بسبب الغياب المدرسي والاخفاق في الامتحانات المدرسية
أسباب تربوية واجتماعية واقتصادية وراء تدني نسب الثانوية العامة
تجويد النظام التعليمي مسؤولية وطنية مجتمعية مشتركة
معالجة الأسباب خارطة طريق لإعادة الألق لنظامنا التربوي
لا يخفى على أحد ما يشهده العالم اليوم من تطور كبير في المجالات كافة، وانتقاله من صناعة الآلة إلى صناعة المعرفة- أو ما يعرف اليوم باقتصاد المعرفة- وذلك ضمن ظروف دولية ومحلية مليئة بالمتغيرات المختلفة، أدت إلى تراكم في المعارف العلمية وتطبيقاتها التقنية على نحو لم تشهده البشرية من قبل، وهذا يتطلب من المؤسسات كافة – والمؤسسة التربوية خاصة – المراجعة المستمرة لآليات هذا التطور، واستشراف المستقبل بوعي كبير؛ لتقريب الفجوة بين الفكر والعمل.
ولمواكبة هذه التطورات والتحولات، فإن على وزارة التربية والتعليم إعادة رسم السياسات التربوية؛ لضمان تطوير عناصر المنظومة التعليمية كافة، والتي من أهمها المدرسة بوصفها الحاضنة الرئيسة لعملية التعلم والتعليم، وكذلك المعلم الذي يعدّ حجر الأساس في عملية التعلم والتعليم، وتوفير التمكين اللازم له ولجميع العاملين في المستويات التنظيمية (المدرسة والمديرية ومركز الوزارة ) حتى يتمكنوا جميعا من إحداث نقلة نوعية في عملية التعلم، وتمكين المتعلمين على نحو خاص من السلوكات والمهارات المنشودة؛ ليصبحوا قادرين على التنافس والمساهمة في التنمية، وفي رسم مستقبل العالم ككل، وعليه فإن الحاجة تستدعي الوقوف على تقييم حقيقي لأداء هذا النظام التعليمي؛ بالاستناد إلى نظُم تقييم حقيقية، تسهم في تطوير التعليم، وتركز على الأداء، والتمكن من مهارات القرن الحادي والعشرون.
وبعد إعلان نتائج الثانوية العامة لهذا العام، تزايد الحديث حول نسب النجاج وآلاف الطلبة ممن لم يحالفهم الحظ، والاتهام بتضليل الناس عند إعلان النتائج، وتحميل الوزير الحالي الدكتور عمر الرزاز المسؤولية عن الفجوة في الأداء بين الجنسين -التي سبق وأن تم التنبيه لدراستها ووضع الحلول المناسبة لها منذ عام 2006 حتى لا تتفاقم المشكلة كما هي عليه الآن- وأيضا تحميل الرزاز الذي لم يمضِ على وجوده في الوزارة سوى سبعة أشهر المسؤولية كاملة عن تراجع أداء النظام التعليمي. بالرغم من كون التدهور الكبير في النظام التربوي قديم وفق المؤشرات المحلية( نتائج الثانوية) والتي أدت إلى ضياع مسقبل أكثر من (270) ألف طالب في السنوات الثلاثة الأخيرة. وقد وضعت المؤشرات الدولية الأردن ضمن الدول الأربعة الأكثر تراجعا في العالم.
وهنا لن أدخل في النسب والمصطلحات التي كانت تستخدم للتمويه وتشويه الحقائق وإدخال المجتمع في صراع سياسي واجتماعي وتعليمي، باستخدام مصطلحات مثل (سجل، اشترك، لم يشترك، حضر، وتقدم ولم يتقدم وغاب، واستكمل ولم يستكمل)، كما لن أناقش إجراءات المعالجة لعلامات امتحان الطلبة في الثانوية العامة للمدارس الحكومية والخاصة التي كانت تستقدم مسبقا، وآلية ترتيب الطلبة الأوائل في القطاعين العام والخاص أو الأهداف الشخصية أو السياسية والاجتماعية والإعلامية من ورائها، ولا موضوع اللجوء إلى تشديد الرقابة على الامتحان لإعادة هيبته- بطرق تعسفية- بدلا من أن تكون الهيبة من خلال تطوير عناصر المنظومة التي هي الأساس في إعادة ثقة المجتمع بالنظام التعليمي والتي شوهت صورته من خلال الجعجعة الإعلامية، والظهور الإعلامي المستفز، وأثرت في سمعته وفي سمعة الكوادر البشرية التي يشهد لها القاصي الداني بالكفاءة.
هنا سأكتفي بالإشارة فقط إلى ما تم تناوله حول التشكيك بنسب وأعداد الذين لم يحالفهم الحظ من هذه الفئة، وبأن هنالك أعدادا كبيرة من الطلبة النظاميين رسبتهم المدارس، وفي الإجراءات التي اتخاذها الوزير لتطوير امتحان الثانوية العامة، أو تصويبه للقرارات السابقة، وهنا أشير إلى أن عدد المشتركين النظامين في امتحان الثانوية للعام الحالي هو (83625) مشتركا، حضر منهم للامتحان (47512) موزعين على المسارين الثانوي الشامل الأكاديمي؛ (39144) مشتركا نجح منهم (21485)؛ أي بنسبة (54,9 %)، وعلى المسار الثانوي الشامل المهني (8368)، ونجح منهم (4345) مشتركا؛ أي بنسبة (51،9 %)، وهنا لا بد من الإشارة إلى الأسباب، وتوزيع أعداد الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ أو الذين تم ترسيبهم من المدارس، وكما هو معلوم فالتعليم الثانوي هو تعليم غير إلزامي، وبالتالي يكون الامتحان فيه أيضا غير إلزامي، وعليه فمن الصعوبة بمكان إجبار أي طالب على حضور جلسات الامتحان، كما أن إعلان الوزارة عن النظام الجديد لامتحان الثانوية العامة، والمرونة التي سيتمتع بها هذا النظام من حيث مجموع العلامات ومسار الحقول والتخصص، وعدد المواد والإجراءات التطويرية التي ستجري على آلية احتساب النسب للالتحاق بالجامعات وغيرها، كان سببا رئيسا وراء عدم جلوس عدد كبير من الطلبة لهذا الامتحان، لاسيما أن هذا الاعلان جاء قبل موعد تقديم الامتحانات، ناهيك عن أن هناك عددا من الطلبة النظاميين الذين التحقوا بالمدارس لدراسة مادة أو أكثر، قد أجّلوا تقديم هذه المواد لأسباب تتعلق بإعلان الوزارة أيضا عن فتح عدد الدورات للطلبة؛ لاستكمال النجاح في الثانوية العامة، أما في ما يتعلق بعدد الطلبة الذين رسبوا في الامتحانات المدرسية التي تعد متطلبا أساسيا لتقدم للثانوية العامة فهو ( 6805) طلاب فقط ، كما يبلغ عدد الطلبة الذين رسبوا بسبب تجاوزهم نسب الغياب المسموح بها وفق الأسس ( 538) طالبا، إضافة إلى أن هناك ( 286 ) طالبا حرموا من مبحث واحد أو أكثر في الامتحان، ومن دورة أو دورتين خلال هذه الدورة، وهذه الأعداد لا تحسب ضمن الأعداد التي جلست للامتحان. وعليه كان من الضروري أن يتم توضيح ذلك في المؤتمر الصحفي أو في أي وسيلة كانت، ونتمنى أن يتم استخدام آليات معلنة وواضحة لبيان توزيع النسب لجميع هذه الفئات حتى لا تترك للتخمين والاستغلال.
وهنا لا بد من الوقوف على الأسباب الكامنة وراء تدني النسب في امتحان الثانوية العامة؛ لتشكل خارطة طريق للمعنيين بالنظام التعليمي جميعهم، لاسيما أن التعليم مسؤولية مجتمعية مشتركة، يجب أن يتكاتف الجميع على وضع الحلول الناجعة لإعادة النظام التعليمي للتميز الذي كان يتصف به طوال عهود ماضية، والفرصة الآن متاحة في ظل الرؤية الاستشرافية التي يتمتع بها الوزير الرزاز، والذي استطاع خلال حقبة زمنية قصيرة أن يزرع التثقة والاحترام في نفوس الطلبة، ويكسب تأييدا مجتمعيا واسعا للجهود التي يقوم بها والتي بدأت ثمارها تقطف من خلال ما وفره من مُناخ وبيئة تعليمية امتحانية، أزالت الرعب والخوف والهلع من قلوب الطلبة وأولياء أمورهم، واضطراب المجتمع عموما وتشتت فكره. وهذا ما تؤكده الدراسات حول مدى تأثير البيئة التعليمية الآمنة على ارتفاع أداء الطلبة، ناهيك عن الثقة التي زرعها في نفوس المعلمين من خلال جملة من الإجراءات التي أعادت لهم الثقة بالنفس بعد التشكيك بهم، والتحشيد المجتمعي ضدهم، الذي دُبِّر لهم في السنوات الأخيرة.
وعليه فإنه من المناسب النظر إلى نسب الهدر التربوي بشقيه؛ الكمي المتمثل في الرسوب والتسرب من المدرسة بوصفها عناصر أساسية في قياس كفاءة النظام الداخلي، والنوعي المتمثل في تدني نوعية التحصيل الأكاديمي للخريجين، ما سبب قلقا مستمراً لراسمي السياسة التعليمية، وللاقتصاديين، والتربويين ، وأفراد المجتمع بشكل عام؛ لذا فقد بُذلت على الصعيد العالمي والإقليمي والمحلي جهودٌ كبيرة سعياً لإيجاد السبل الممكنة والكفيلة للحد من هذا الهدر الذي يضعف الكفاءة التعليمية الداخلية والخارجية، ويؤدي إلى ضياع مدخلات التعليم، وضعف في مخرجاته، وإعاقة عملية التنمية المستدامة.
والمحلل للنتائج الأخيرة للثانوية العامة للدورة الصيفية 2017، يستنتج أن النظام التعليمي الأردني- كما هو حال باقي الأنظمة التعليمية في العالم- يتأثر من ظاهرة الرسوب المدرسي، التي تترتب عليها آثار تربوية واجتماعية واقتصادية كبيرة في مختلف الأطراف ذات الصلة بالعملية التعليمية، والأسباب وراء هذه الظاهرة متعددة، فقد تكون تربوية واقتصادية واجتماعية، أو ما يطلق عليها أحيانا بأسباب مدرسية وأخرى غير مدرسية، وهنا نشير إلى الأسباب التربوية والتي تشمل المدرسة وإدارتها، وتباين مدخلاتها، وبيئتها الداخلية والخارجية من أبنية مدرسية، ووسائل تعليمية، ومختبرات ومكتبات وملاعب ومرافق ضرورية، وخدمات مساعدة، وهيئاتها الإدارية والتعليمية، ومناهجها الدراسية، والأسس التي يقوم عليها النظام التربوي، ومدى قدرة المناهج على التشويق والتمكين من المهارات الأساسية، ومدى مناسبة طرائق التدريس الحديثة المستخدمة، ودرجة تأهيل المعلمين وتدريبهم في الجانب المسلكي التربوي، والجانب الأكاديمي، ودافعيتهم للتعليم، ودور الإرشاد التربوي والأكاديمي، ونظم الامتحانات المستخدمة، إضافة إلى الطلبة وقدراتهم الذاتية، والدافعية والاستعداد النفسي، والنضوج والاهتمام عند الطلبة لنوع التعلم الذي يلتحقون به، وبالتالي عدم الاهتمام بالجانب التحصيلي، إضافة إلى الأسباب الأسرية والاجتماعية؛ إذ تلعب الأسرة والمجتمع دوراً في مشكلة الرسوب، كإهمال متابعة الأبناء، وعدم الاهتمام بمستقبلهم التعليمي، إضافة إلى ضعف الصلة بين الأسرة والمدرسة، وما يترتب عليها من ضعف متابعة الآباء لسلوك أبنائهم في المدرسة، وكذلك المستوى الثقافي والاجتماعي، ومستوى دخل الأسرة، والذي يترتب عليه مستوى التعلم الذي يتلقاه المتعلم، ثمّ مدى استعدادهم للتعلم، وتدني مستوى طموحات الوالدين، ومستوى تعليمهم، وهذه كلها عوامل مرتبطة بالرسوب، وتدني التحصيل.
ومن هنا فإن معالجة الأسباب سالفة الذكر بحكمة، وعلميّة، وتحمل الجميع مسؤولياته سيكون خارطة الطريق لنظام تعليمي كفؤ وفاعل بعناصره كافة.
* الكاتب مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي سابقا