وصلنا الى الاسوأ!
حتى الزمن المملوكي, لم تكن بلاد الشام ومصر والعراق بمثل هذا الحال المزري الذي نمر به الان, من حيث عدم الاستقرار والتعصب وشيوع القتل والتشريد, والحروب الداخلية. وهي الحال التي نسميها الربيع تارة, وظفر الاسلام بالحكم واليقين الشعبي. واذا كنا وقفنا عند الشام والعراق ومصر.. فذلك بؤرة الحدث الجلل فليبيا وتونس واليمن ما تزال لم تجد نفسها الى مفهوم الدولة الحديثة, وما تزال تتميز بالديمقراطية, والنيابية, وتشكيل الحكومات وخلق الامن النفسي لمواطنيها!!
في بلدنا الاردن نتلقى آلاف الهاربين بأرواحهم من السوريين, وكذلك لبنان والعراق. ومن الاكيد ان هؤلاء يعيشون مع الخيام والثلوج, والحرائق لم يهربوا من الصمود في وجه العدوان الصهيوني, ولا من ممانعة حكومتهم للسطوة الاميركية وانما من نظام يكمم الافواه, ويقصف اهل الدار بالصواريخ البعيدة المدى وبالطيران وبالمدافع والدبابات لان هناك «ارهابيين» جاءوا من كل مكان عدا سوريا, ويحملون سلاحاً اميركياً وفرنسياً, وهي حجة في مثل بشاعة القتل والتمثيل بالناس وتشريدهم عن وطنهم وبيوتهم، فهل فكر احد في الاردن بقصف فنادق عمان حين كان فيها ارهابيون؟ وهل ان على اهل عمان ان يلحقوا بضحايا الفنادق، ويهربوا منها لان اربعة ارهابيين دخلوا اليها من العراق؟
وهل على مصر وتونس ان تدفع ثمن ثورتها على الديكتاتورية بديكتاتوريات اخطر واتعس؟ فالمصري يقبل بالاشتراكية زمن عبدالناصر، ثم يقبل بالانفتاح زمن السادات، يقبل بحرب السويس وحرب حزيران وحرب الاستنزاف، ثم يقبل بالسلام مع اسرائيل، وينقل بندقية التحالف من الكتف السوفياتي الى الكتف الاميركي، وحين يصل المواطن المصري الى اخر التعب تتلقاه الدعوات الدينية وتعد بلده لديكتاتورية جديدة تدخل من باب الديمقراطية ثم تغلقها متى صارت في الداخل.
عراق فيصل الاول وغازي وفيصل الثاني انتهى بثورة عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف ثم بثورة البعث، ثم بالعدوان الاميركي الغربي الذي اعاد العراق فعلا الى ما قبل الصناعة، واعاد الحكم الى المتصرفيات العثمانية وجعل من الدستور والديمقراطية, الوسيلة التي اوصلت الصراع الى كل بيت شيعي أو سني أو مسيحي أو عربي أو كردي أو تركماني. وجعلت من الحكومات والبرلمان شركات محاصصة تنهب الوطن الغني فهل يصدق أحد أن هناك ازمة ماء في بلد دجلة والفرات والزاب؟ وأزمة كهرباء في بلد ينتج النفط والغاز؟! وان الناس يغادرون بلدهم الى الاردن واميركا ونيوزلندا واستراليا.. وهم الذين انفق عليهم العراق مليارات الدنانير, ليكون منهم الاطباء والمهندسون وعلماء الذرة والدواء والمجتمع المدني الراقي؟؟
كانوا في الثمانينات يتحدثون عن «لبننة» الدول العربية. فصرنا الآن اسوأ!
(الراي )