jo24_banner
jo24_banner

تجسير الهوة بين الفكر والسياسة

د.جواد العناني
جو 24 :
أنشئ منتدى الفكر العربي عام (1980)، بمبادرة من مجموعة من المفكرين والسياسيين العرب الذي رأوا في شخص الأمير الحسن بن طلال الرجل المناسب لإنفاذ تلك الفكرة. وكان من بين هؤلاء أشخاص غادرنا بعضهم إلى الرفيق الأعلى، وحفظ الله على الباقين صحتهم. ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر الدكتور أحمد زكي اليماني، وعلي الكواري، والأخضر البلومي، ويوسف الصايغ، وعبدالعزيز حجازي، ومحمد سعيد النابلسي، وخليل السالم، علي عتيقة، وعلي فخرو والعبد الفقير كاتب هذه السطور.

وقد كان الهدف من إنشاء المنتدى هو تجسير الفجوة بين المفكرين وصناع القرار عن طريق إعداد الآراء والمقترحات التي تستفيد منها الأمة، ويمكن إيصالها بفاعلية إلى صناع القرار في الوطن العربي. وقد اجتمع الأعضاء المؤسسون في مدينة العقبة برئاسة الأمير الحسن، واتفقوا على صيغة النظام الأساسي والأهداف الراقية لذلك المنتدى.

لقد حدث هذا كله مباشرة بعد القمة العربية الحادية عشرة، والتي عقدت للمرة الأولى في العاصمة عمان. وقد سميت تلك القمة بالاقتصادية حيث أقرت استراتيجية العمل العربي الاقتصادي المشترك، ووثيقة عقد التنمية العربية، وكلاهما وضع من نخبة من عشرين باحثاً اقتصادياً. وعلى أثرها قام الدكتور يوسف الصايغ بوضع كتابه الشهير «محددات التنمية الاقتصادية في الوطن العربي». وقد تبنت القمة العربية وثيقة الاستراتيجية ووثيقة عقد التنمية، ما أعطى المفكرين ثقة بأن صدر السياسيين سوف يتسع لهم.

وقد حرص المنتدى منذ نشأته على أن يكون منتدى مستقلاً، ولذلك فهو لم يتلق أي مصادر دعم إلا من أعضائه. وقد انضم إليه خلال السنوات الأولى من تأسيسه عدد كبير من شتى أنحاء الوطن العربي، وبخاصة من دول الخليج، وشمال أفريقيا. وقد تسابق عدد من رؤساء الحكومات السابقين لعضويتها مثل الدكتور سليم الحص من لبنان، والدكتور عدنان بدران وعبدالسلام المجالي من الاردن، والدكتور عبدالعزيز حجازي من مصر، والدكتور محسنالعينيو الدكتورالإرياني من اليمن.

وقد بدأ المجلس بأمين عام مؤقت هو الدكتور خليل السالم من الأردن، والذي وضع المنتدى على الطريق وأسس لنظمه وتشكيلاته. واختير بعدها أميناً عاماً من بلد غير بلد المقر وغير بلد رئيس المنتدى أمين عام من مصر واسمه الدكتور سعدالدين إبراهيم، استاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وقد كان نشيطاً فعالاً، وقدم عدداً من الدراسات المهمة منها المجتمع المدني، وشكل فريقاً متكاملاً لدراسة التعليم العربي في القرن الحادي والعشرين»، والتي مُولت من قبل الدكتورة سعاد الصباح من الكويت.

وقد واجه المجلس تحديه الأول عندما أبدى رأياً حول مجلس التعاون لدول الخليج العربية – كما كان يسمى حينذاك – يتساءل فيه: ما إذا كان قيام المجلس يصب في صالح العمل العري المشترك أم أن المجلس كان نادياً للأغنياء الراغبين في التعاون داخل إطارهم مما يهدد الجامعة العربية ووجودها.

وقد استجاب آنذاك لهذا الأمر الأمين العام لمجلس التعاون السيد عبدالله بشاره، وكان حينها عضواً بالمنتدى، ووضع دراسة تحت إشراف مجلس التعاون يؤكد فيها أن مجلس التعاون يسهم بصفته تجمعاً إقليمياً في بناء الهوية العربية الجامعة رغم اعترافه بخصوصية كل منطقة في الوطن العربي. وقد عقد مؤتمر لتلك الغاية في مدينة الرياض عام 1986. وقد أنشئ في ذلك العام مجلس التعاون العربي الذي ضم كلاً من اليمن والعراق والأردن ومصر. ولكنه لم يلبث أن فقد أسباب استمراريته بعد حرب الخليج عام (1991).

وكان العام (1991) هو عام التحدي الأساس للمنتدى. فقد عاتب كثير من أعضاء المنتدى الكويتيين خاصة وآخرين من دول مثل قطر، والمملكة العربية السعودية، والبحرين على سمو رئيس المنتدى أنه لم يأخذ موقفاً مندداً من الاحتلال العراقي للكويت، وانسحب الأعضاء من المنتدى، وبعضهم جمد عضويته فيه حتى الآن.

وبأحداث عام (1991) تحول المنتدى الذي كان يفترض فيه الحيادية، والباب المفتوح للنقاش بين الأعضاء بغض النظر عن مواقفهم السياسية إلى منتدى يسعى البعض للتأثير على توجهاته. وهذا أمر مقبول ولكن ضمن الحوار. وقد أضعفت هذه التطورات من المنتدى، فالمنتدى لم يكن حزباً سياسياً، ولا وسيلة لتغليب رأي سياسي على آخر، ولكنه كان من المفروض أن يكون منبراً لنقل آراء أعضائه للسياسيين وصناع القرار في الوطن العربي.

وناضل المنتدى حتى يستمر، وأصر رئيسه ألا يفقد المنتدى دوره. وفتح الباب على مصراعيه للقاءات فكرية مستمرة مع الدول أو مجموعات الدول التي كان لمواقفها تأثير على الوطن العربي إيجاباً أو سلباً.

وقد عقدت عشرات الحوارات مع الصين، واليابان، وتركيا، والهند، وأمريكا اللاتينية، وأوروبا، وأفريقيا، وإيران، وغيرها. وقد بلغت حصيلة هذه الندوات عشرات الكتب والمقالات والمحاضرات التي أصدرها المنتدى جميعاً عبر الطباعة الورقية أو من خلال الشبكة العنقودية.

ويقوم المنتدى حالياً بعقد ندوات كثيرة مع كبار المفكرين في الوطن العربي، ولكن هذا المنتدى الذي زود الوطن العربي بكثير من الأفكار بحاجة إلى أن يعاد له نشاطه حتى يصبح وسيلة فعالة في تجسير الفجوات المتباعدة في الوطن العربي.

وقد قام المنتدى في الأعوام الأخيرة بإصدار «الميثاق الاجتماعي العربي» و»الميثاق الاقتصادي العربي»، وقد عقدت ندوات مفصلة لشرح هاتين الوثيقتين والتي تعترفان بضورة إعادة هيكلة المجتمعات والاقتصادات العربية إذا كان لها أن تدوم وتستمر خاصة بعد أحداث العنف والحرب والدمار التي شهدتها بعض أقطار الوطن الأساسية.

كل أقطار الوطن العربي بحاجة إلى تنويع اقتصاداتها، وإلى عكس حالة الريعية التي تجتاحها، وإلى بناء مفهوم الدولة الحديثة المدنية، وإلى تعزيز الثقة بين الحاكم والمحكوم، وإلى مواجهة مشكلات الشباب والفقر والبطالة واحتمالات انتشار الفوضى والعنف وغياب سيادة القانون، وحتى التشظي والانقسام.

نحن بحاجة إلى مراكز قوية تدرس هذه الأفكار بعمق شديد، وبفكر عربي مستقل لتضع حلولاً تحول دون التهديد المستمر لأمن الوطن الكبير كله، وأمن كل دولة فيه، وإلى الاستفادة من الموارد الانسانية والطبيعية والمالية المتاحة، وإلى تعزيز العلاقة بين الأجيال التي تزداد هوة المعرفة الثقافة والتكنولوجيا فيما بينها. هذا كله يتطلب إعادة لإحياء دور منتدى الفكر العربي لتجسيد الدول الذي أسس المنتدى من أجله لما كان العرب في مطلع عقد الثمانينيات من القرن الماضي أكثر تفاؤلاً واستبشاراً بغد أفضل.

إن وجود مؤسسة كالمنتدى، لا يحول دون إنشاء منتديات فكرية لكل دولة. ولكل مجموعة، أو لكل حزب. وهنالك بعض المؤسسات التي تشابه في توجهها منتدى الفكر العربي والتي قدمت الكثير في مجالها مثل مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت ـ وهو يتهاوى الآن ـ والمركز العربي للبحوث والسياسة الناشط والمتحرك وبقوه وغيرها من المؤسسات التي أثبتت وجودها.-(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير