رحلة رئيس الوزراء إلى واشنطن
د.جواد العناني
جو 24 :
كتب نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور جواد العناني -
تابعت باهتمام مخرجات زيارة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز إلى واشنطن عاصمة الولايات المتحدة، والتي يوجد فيها مقر لكل من صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي. وبسفر الرئيس مع الوزراء المعنيين ومحافظ البنك المركزي، فقد ارتفعت الدرجة الدبلوماسية للوفد، وأعطت المسؤولين في المؤسستين الدوليتين فكرة واضحة عن الأهمية التي يعطيها الأردن للمسائل المعلقة معهما، ويشرح ظروف المديونية التي تعد بالكبر في السنوات القادمة ما لم يحصل التغير المطلوب.
ينسى الناس أننا في العام (1990)، وبعد انفجار أزمة المديونية والدينار في الأردن، أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي قد وصلت في تلك السنة إلى (220 %)، أي أكثر من ضعفها في الوقت الحاضر. ومع هذا استطاع الأردن بمزيج من الإجراءات الاقتصادية والتفاوضية والسياسية أن يتجاوز تلك الأزمة لدرجة أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي تراجعت في السنوات الأولى من هذا القرن إلى أقل من 70 %.
ووقعنا في العام 2014 اتفاقية مع صندوق النقد الدولي قلنا أنها تسعى إلى تخفيض نسبة المديونية إلى الناتج المحلي الاجمالي من
95 % إلى 77 % في العام 2021. وقد اضطررنا نتيجة لهذا الترتيب أن نسعى إلى الغاء الدعم عن المشتقات النفطية، والمياه، والخبز، ورفعنا الضرائب والرسوم، وعدلنا قانون ضريبة الدخل، وقد كان بعض تلك القرارات صائبا ومقدورا عليه. ولكن النتيجة التي وضحت لدينا في الأعوام 2015 وَ 2016، أن هذه الإجراءات لم ترفع معدلات النمو، ولا قللت من نسب البطالة والفقر، ولا تمنع نسبة الدين إلى الناتج المحلي من الإرتفاع.
واستمرت نفس الإجراءات تطبق، فرفعنا كثيرا من الضرائب والرسوم خاصة، وألغينا بعض الإعفاءات، وتوسعنا فيالإحالات على التقاعد، ودمجنا بعض المؤسسات، وازداد ألم الناس، وكثرت مخالفتهم للقوانين، وارتفعت وتيرة الاحتجاجات خاصة على مشروع قانون ضريبة الدخل، ومع هذا لم تنفع وصفة المؤسسات المالية الدولية المتفق عليها مع الحكومة.
ومن هنا ارتفعت وتيرة اهتمامي بزيارة الدكتور الرزاز لواشنطن، لأنني كنت دائما أطالب بإعادة التفاوض مع هاتين المؤسستين الماليتين، وعلى الأخص صندوق النقد الدولي. وتبين من البيان الصحفي الذي صدر عن مكتب السيدة كريستين لاغارد المديرة العامة للصندوق أن الأردن بحاجة إلى تصويب وضعه في عجز الموازنة، ولكن عليه أن يسعى لرفع معدلات النمو، ومواجهة مشاكل البطالة والفقر. وهذا تقدم ملحوظ في موقف الصندوق.
وأما الأمر الذي سمعت أنه قيل على لسان وزير المالية الدكتور
عز الدين كناكرية أن الصندوق يقبل بأن يسعى الأردن من الآن فصاعدا إلى تخفيض نسبة المديونية إلى الناتج المحلي الإجمالي من 97 % إلى 90 % في نهاية العام 2022. وإذا كان هذا الخبر صحيحا، أليس من المفجع أننا لم نبذل جهودا أقوى في التفاوض مع صندوق النقد الدولي في السابق حتى نوفر على أنفسنا كثيرا من الألم الذي حصل، ونتجنب التراجع في النمو والاستثمار والصادرات والزيادة في اعداد الباحثين عن العمل غير المتاح، والفقراء الذين لا يقدرون على مواجهة ابسط متطلبات الحياة، وهي حق لهم وليس امتيازا.
على الحكومة أن تدرك أن نجاحها في الحصول على قرض شبه ميسر من البنك الدولي بمقدار (2ر1) مليار دولار سيذهب لتسديد ديون قديمة قد تكون أكثر كلفة. لكن أموال البنك الدولي كان من المفروض أن تخصص للتنمية.
إذا غير الدكتور الرزاز المنهجية الاقتصادية، وأدرك أن السياسة المالية قد وصلت إلى منتهى ما تتحمله، وأن السياسة النقدية بحاجة إلى تفعيل. وأن القطاع المصرفي لا يشارك في النمو أو في حل الأزمة بل هو أحد أسبابها، فأنا معه، وأؤمن أننا بتنا أكثر أملا في تحسين الاقتصاد الفعلي.
على الحكومة أن تدرك أن جهودها حتى الآن منصبة على حل مشاكلها، وليس مشاكل الوطن والمواطن. وأن وقت التغيير قد أزف.
(الغد)