jo24_banner
jo24_banner

مطالبات السادة النواب

د.جواد العناني
جو 24 : بعض نوابنا يريدون تغييرات واسعة وملموسة. وهذا هو ما يريده الشعب، وهذا ما تريده القيادة. ولكن العبرة ليست في المطالبة بالتغيير، بل بطبيعة هذا التغيير، وجوهره، وغاياته.
الكل يجأر مطالباً بمحاربة الفساد. وهذا مطلب شعبي. ولكن للنواب في هذا الأمر رأيين. الأول يركز على محاربة الفساد المالي وينتقد سياسات الحكومة في الخصخصة، وإدارة المشروعات وإحالتها. ورأي ثانٍ يركز على الفساد الإداري الذي اعتمد على التمييز في التعيين والترقية، ما سلب الإدارة العامة من روحها التنافسية، وحوّلها إلى قوالب جامدة ذات إنتاجية ضعيفة. والواقع أن الاثنين فساد. ويجب إيقافه. ولكن كيف؟! ومن هم الضحايا؟! أم أن لكل فريق تعصباته في اختيار من ينعتهم بالفاسدين؟!
وبعض النواب يقول إن الموازنة العامة ما كانت لتعاني من هذه الضائقة لولا الفساد. وإننا لو أعدنا أموال الفاسدين لاصطلحت الأمور. والواقع أن تهم الفساد هذه تصاغ بطريقة السعي لتحميل العبء من كتف إلى كتف آخر، ومن طرف إلى الطرف الثاني.
فالقول إن الذين استفادوا من فترة الازدهار خلال السنوات 2004-2009، بالقانون أم بمخالفته، يجب أن يعيدوا تلك الأموال إلى الخزينة، ولكن لماذا هذه المطالبة؟ والسبب فيها يعود إلى تبريرين وردا على ألسنة السادة النواب.
السبب الأول إيجابي وهو زيادة رواتب الموظفين من عسكريين ومدنيين، وزيادة الإنفاق في المحافظات، وزيادة رواتب العمال، وفتح باب التعيينات على مصراعيه.
والسبب الثاني هو عكس كل الإجراءات السابقة التي حرمت هؤلاء الموظفين من المزايا، فالخصخصة حرمت من زيادة البعثات، والشركات المباعة حرمت الحكومة من موارد كان يمكن أن تستخدمها في التعيينات والزيادات. وكذلك، فإن ارتفاع أسعار الطاقة وانقطاع الغاز المصري يجب ألا يكون على حساب المواطنين وجيوبهم، بل على حساب المستفيدين من الفساد وغيره.
وإذا أعدنا النقاش إلى جذوره الاجتماعية والاقتصادية، فإننا قادرون على الوصول إلى حلول. ولكن الفاسدين لا يأتون من طيف واحد سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص. والقضية ليست شخصنة للأمور، ولا تحل بالسعي لإدانة فئة واتهامها بالفساد ما يسهل علينا استهدافها وتجريمها، ومن ثم مصادرة أموالها.
ما هكذا تساق إبل الديمقراطية والحكمانية والشفافية والمحاسبية والمساءلة. ولا هذه هي الأسس التي يبنى عليها المجتمع الفاضل، ولا المدينة الفاضلة.
نحن نريد محاسبة الفاسد لأنه كذلك كائناً من كان، ومن أي بلد أو عرق انحدر... ونحن نريد تصويب الأمور وفق معايير محايدة عادلة رضي من رضي، وغضب من غضب. ونحن نريد مرجعيات واضحة، ومقاييس عادلة. أما الاستهداف فهذا هو مكمن الخطر على الامة.
وفي كتابه "الثقافة والهوية" يقول الاقتصادي (أمارتيا سين) الفائز بجائزة نوبل عام (2000)، إن الناس في حالات غضبهم يسعون إلى البحث عن خصم، يحشرونه في هوية صغيرة حتى تسهل مهاجمته ومعاقبته، ليس على جريمة ارتكبها، بل لكونه من تلك الفئة.
الحال الذي نعيشه لا يحتمل التجزئة، ولا يحتمل النعرات، بل يتطلب خلق رأس المال الاجتماعي الذي يجمع بين قلوب الناس على الألفة، ويمكنهم من توحيد طاقتهم لحل مشكلاتهم الكبرى.
فيا أيها السادة الغاضبون من الإخوة والأخوات أعضاء مجلس النواب: انتبهوا لما تقولون وأنتم تصرون على بث ما تقولونه على الهواء. إن من يسمعكم ليس أحباءكم وأهلكم الذين يثنون على كل ما تقولون، ولكن الشعب كله يسمع، وهو الذي تبررون به ما تقولون.الغد
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير