بقرة المفاوضات، والسفينة، والثعبان المأجور
د. محمود الشوابكة
جو 24 :
- بقرة المفاوضات:
ليس من شك أن شيخ فتح قد برع في إدارة دفة المفاوضات مع المحتل، مُتكئاً، في توزيع عز نظيره للأدوار ، على عصا حماس؛ برئاسة شيخها الجليل. لكن، ولما بدا واضحا له أن اليهود يعيدون قصة البقرة؛ مرة تلو الأخرى، وأنهم، وبعد أن فشلت جولتي؛ واي ريفر وكامب ديفيد ٢، لن يعيدوا، مما استلبوه، أكثر مما أُعِيد؛ حينها قرر أن يُغَلّظ العصا؛ ويكثف المقاومة المسلحة في وجه المحتل....
- السفينة:
في الثالث من كانون أول عام٢٠٠٢، كانت السفينة ( كارين أي) المحملة بالسلاح، تمخر عباب الماء، تحت غطاء شديد من السرية، متجهة صوب فلسطين، ولما لم يلتزم طاقمها بما صدر له من تعليمات مشددة، بألا يأتوا، في ما يدور بينهم من أحاديث، على ذكر وجهتها؛ وقع المحظور؛ إذ التقطت مجسات العدو، من تلك الأحاديث، وجهة السفينة، وبأنها ذاهبة إلى غزة، وليس إلى لبنان، كما كانوا يظنون، حينها قرروا على الفور أن يقتحموها؛ فتم ذلك، واقتادوها إلى كيانهم؛ ليتبين لهم، فيما بعد، أن عرفات ورجاله- وعلى رأسهم اللواء الشوبكي- هم من مول ونظم رحلة تلك السفينة.....حينها "قامت قيامة" إسرائيل، وحملت دبلوماسيتها كل الثبوتات، وطارت بها إلى عواصم القرار العالمي، وإلى واشنطن بالذات، المحكومة، حينذاك، بعصابة مسكونة، حتى أعماقها، بأحقاد الغرب؛ قديمها وجديدها؛ وقتها بات واضحاً أن عرفات قد أصبح في وضع لم يسبق له أن وضع فيه من قبل....فكانت النتيجة؛ أن قرار القضاء عليه قد أتخذ، وعلى أعلى المستويات....
- الثعبان المأجور:
بعد أن اتُخِذَ قرار القضاء على عرفات، كان السؤال المطروح؛ هو:
* كيف يُقتَل ؟!
كان الأمر على اختلاف، بين الإدارة الأمريكية وشارون؛ فشارون كان يريدها تصفيةً مباشرة يشفي بها حقده، ونزعته نحو البطش بكل ماهو عربي، وكل من هو مقاوم... فيما كانت أميركا تريدها تصفية "ناعمة" كي لا تحرج حكومات العرب أمام شعوبها! وبالرغم من أن شارون قد فَرَّغَ بعضا من الحقد، الكامن في صدره، حين حاصر عرفات، وقطع عنه الماء، والكهرباء، ودمر معظم مباني المقاطعة، إلا أن القرار الذي اتخذ؛ كان: إن عرفات يجب أن يعدم بصمت....حينها كان السؤال؛ هو:
* من يقتل عرفات؟!
لقد أوكلت إسرائيل مهمة القضاء على شيخ فتح، إلى عملائها، ولقد كان لنا فيما مضى من خلافات، ومناكفات، بين بعض من أقطاب السلطة، نعمة؛ تمثلت في الكشف عن الثعبان المأجور الذي بث السم في جسد عرفات....
نعم؛ دسوا له السم، لكن الذي تحقق له؛ هو ماكان يتمناه؛ فهو الذي ما فتىء يرددها، على رؤوس الأشهاد:
شهيدا شهيدا شهيدا....
نعم لقد تحققت لعرفات؛ كما تحققت لشيخ حماس، من قَبْلُ، نهاية شريفة، لن يطالها أولئك الذين أحالوا أنفسهم إلى قطع سفلية لأحذية المتأمرين على الأمة؛ من" إبنائها" و أعدائها على السواء....