على جبهة الصوان تنحني كل المعادن
د. محمود الشوابكة
جو 24 :
* المصير الواحد:
تثبت الأيام، على نحو تلقائي، طبيعي، بأن الإبتلاءات الكبرى، بكل أشكالها، لا تفرق بين واحدا منهما......
فلو عدنا إلى ماقبل عقود ثلاثة إلا قليل...وقت أن كان الغرب يرغي ويزبد، وقد تجلت عليه عميق أحقاد الماضي، وطغت عليه غريزة الإفتراس؛ طغيانا جامحا، وقد استغلوا خطأ راعي بغداد الجسيم؛ أيما استغلال....
....دخول الكويت؛ خطأ ولاشك؛ ذاك ما قاله الأردن وقالته، أيضاً، فلسطين... ذاك ما قاله الشريف الحسين بن طلال وصاحب فتح طيب الله ثراهما؛ إذ قالوا: لا لاحتلال الكويت؛ وعلى العراق أن يخرج؛ لكن تحت مظلة العرب، وليس تحت ظلال السيوف الرومية، كما أرادت جوقة التُبّع، ولا على أسنة رماحهم المتعطشة للدم العربي...
وقتها بدأت معركة كسر الإرادات...حاولوا؛ فلم يفلحوا....حاصرونا؛ ولم يستطيعوا أن يكسروا إرادتنا...
وقتذاك قبضنا على جمر الكرامة، وما تزحزحنا؛ هنا شرق النهر التحم الشعب والقيادة و الحكومة؛ التحاما اسطوريا؛ صمدنا ولم نتزحزح بالترغيب، كما لم نتزحزح بالوعيد وبالترهيب...وكذلك كنا غرب النهر؛ رغم الإحتلال والقتل والتنكيل...فكان الراحلان الكبيران؛ كما الشعب- الواحد- كالصوان؛ تتحطم على جبهته كل الحجارة، وتنحني على هامته كل المعادن...
* الصوان الأردني الفلسطيني:
ها هي الكَرَّة تعود، اليوم، مرة إخرى بصورة جديدة وثوب جديد...ها هي رحى الضغوطات قد بدأت بالدوران، وها هو صوت ضجيجها يملأ المكان... اليد التي تقبض على عصا الرحى أميركية؛ بالأصالة تارة، وبالوكالة تارة أخرى....يريدون منا اليوم ما لن يأخذوه ولو ظلوا على هذا الحال ألف ألف عام...
فالقضية لنا (فلسطينيون وأردنيون)، ولسائر أحرار الأمة، وهي ليست لأولئك الذين سفحوا كرامتهم على مذبح السلطة، الذين ساقوا الأمة إلى البؤس، واليأس، وجروا إليها، في سبيل الكراسي، كل المأسي...
الذين لم يكتفوا، بالمهر الذي أَفرَغَ جيوبهم، حتى غدت كعقولهم، وضمائرهم؛ خاوية تصفر فيها الرياح...فها هم يُرخِصُون القدس ليضعوها فوق المهر، على مائدة الغرب؛ هدية!!!....وأيُ هدية؟!!!...
* الوصاية الهاشمية:
للهاشميين مع القدس قصة وحكاية، قصة بدأت فصولها؛ منذ أن أُسري بنبي الله، محمدا، إليها، وحكاية يتجسد فيها الحق والعدل والوجود؛ فهي بالنسبة لهم، ولنا، لا مكانة بعد الحرمين، تحوز مكانتها؛ ذلك ما تعبر عنه فكرة الوصاية، الممتدة إلى وارثها؛ الشريف عبدالله الثاني ابن الحسين؛ صاحب الغضبة الهاشمية، التي ضج صداها في أرجاء العالم ، وفاءً لله...ثم لفلسطين وقدسها؛ ووفاءً للقضية...
القادم صعب؛ فما العمل؟ ....
سيكون للموقف الذي اتخذه الأردن؛ ملكا وحكومة وشعبا، تداعيات صعبة؛ وربما صعبة للغاية، وأرى أن الإلتحام الذي تحقق إبان حرب الخليج الأولى، مرشح لأن يتكرر، الأن؛ وأن الشعب سيكون على أتم الإستعداد لإن يتحمل النتائج التي ستترتب على الموقف الطليعي للإردن، وإن ما نحتاجه جميعاً، هو حكومة وطنية عالية الهمة؛ تدير دفة الدولة، في لجة هذا البحر الهائج، حكومة تقر بها عين الأردنيين، ترص صفوفهم، وتنقي السلطة من السلبيات علقت بها، والتي ألحقت أشد الأذى بالدولة؛ وأثقلت كاهلها بحمل ثقيل من الديون، وهو الأمر الذي يتطلب إقصاء كل الذين أوصلونا إلى هذا الوضع الصعب؛ وعلى الأخص أولئك الذين تسللوا إلى بعض مفاصل السلطة؛ ممن تحوم حولهم شبهة التخطيط لإيصال الأردن إلى هذا الوضع الحرج؛ ليكون رهينة لوضعه هذا، ولكي لا يقوى على مقاومة الأفكار التي تخطط لها الدوائر الصهيوأمريكية، والمرتبطة كليا بالقضية الفلسطينية...
وأمام ذلك فإنه ليس من شك أن الأردنيون لن يتوانوا عن احتمال كل ما قد يتعرضون له من ضغوط، لثنيهم عن موقفهم الذي يقفونه خلف قيادتهم، والذي لن يتزحزحوا عنه، بعون الله؛ قيد أنملة، وإلا فإن أولئك المنغمسون في الوحل لم يعرفوا بعد ماهي خصائص الصوان!!!....