الإصلاح ومصداقية الأدوات
لميس أندوني
جو 24 : التغيير الإصلاحي يحتاج إلى رؤية ترافقها إرادة سياسية وأدوات صالحة لتنفيذها، لكن لو فرضنا توفر الرؤية والإرادة السياسية، فإن التساؤل المشروع لا يزال قائما: هل البرلمان الحالي هو الأداة المناسبة والفاعلة لبدء مشروع إصلاحات ولو بالحد الأدنى؟
الوضع مملوء بالتناقضات؛ فمن جهة هناك إقرار رسمي بضرورة تغيير قانون الانتخاب لضمان عدالة التمثيل، مما يعني فهما تاما لتبعات إجراء الانتخابات على أساسه، لكن ذلك لم يمنع الإصرار الرسمي على إجراء الانتخابات على أساس قانون إشكالي سنعيش نتائجه لفترة ليست بالقصيرة.
هناك احتمالان: الأول، أن المرحلة تطلبت تقليص قوة المعارضة، على اعتبار أن الانتخابات صوت ثقة يعطي النظام المرونة التي يعتقد أنها لازمة لتوجيه الأجندة الإصلاحية من فوق، وللتأكد من عدم تَحَكُم الشارع بسقف التغيير المطلوب، والثاني هو النقد الغربي المُعلَن لقانون الانتخاب الحالي.
أنا أعتقد أن الاحتمالين معاً، قد يفسران الموقف الرسمي، ولكنهما لا يُفسران العودة للتركيبة نفسها، سواء تحت القبة أو التعيينات في المواقع المركزية لصنع القرار، وكلها تتعارض مع أهم الأولويات التي جاءت في الخطاب الملكي، من تعديل لكل من القانون والنظام الانتخابي إلى إقرار حزمة من القوانين التي لا بد منها إذا كان هناك نية لإرساء قواعد المساءلة والمحاسبة وشبكة أمن اجتماعي خاصة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية.
القوانين الاقتصادية، وخصوصا الكسب غير المشروع، والضريبة التصاعدية، والمالكين والمستأجرين والضمان الاجتماعي، تمثل تفكيرا ومنهجا يحتاج وجوها تؤمن بها عن حق وحقيق، وليس رموزاً مستفيدة من بقاء الوضع القائم، التي قامت بعرقلة هذه التشريعات نفسها بل وساهمت في إحباطها في الماضي، إلا إذا كان التغيير أيضاً يعمل بنفس طريقة " الريموت كونترول"، أو أن القوانين نفسها "سَتُفَصَلّ" بطريقة يتم تفريغها من مضمونها تحول دون تطبيقها عملياً وبقوة.
التطورات الأخيرة لم تكن بمفاجئة، بل أكدت شكوك ومخاوف الكثيرين، خاصة بين مقاطعي الانتخابات، أن عملية الاقتراع لم تكن سوى وسيلة إعطاء شرعية لسياسات معدة ومقررة أصلا ولن يُسمح بالمس بالنهج القديم.
مع ذلك، فإنه لا يمكن إغلاق الأمل، وإن كان الأمل وحده لا يكفي، إذ لا بد من استمرار الضغوط الشعبية والحزبية، لإلزام المؤسسات الرسمية بأخذ المطالب الرئيسية بجدية وعدم الاكتفاء والاختباء خلف "نجاح " إعادة ترتيب أوراقها واعتقادها أنها أمسكت بزمام الأمور بعد تراجع الحراك الشعبي، لأن الاحتقان لم يختف والأمور مُرشحة للتصعيد مع استمرار ارتفاع الأسعار والغلاء.
هنا يجب لفت الانتباه أن الكتل النيابية، وإن كان لا يمكن التقليل من أهميتها كمفهوم وممارسة سياسية، لا يمكن أن تحل مكان الأحزاب السياسية، فقوة الكتل البرلمانية في دول العالم، تستمدها من امتداد تحالفاتها وجذوره خارج مجالس التشريع، عدا أنها بحاجة أن تكون تكتلات حقيقية، تعمل وتخطط وتكون جاهزة لاختيار معاركها السياسية وطرح مواقفها وتوحيد أصواتها.
ما رأيناه خلال انتخابات رئيس مجلس النواب لا يدل على وجود مثل هذه الكتل أو قدرتها على التأثير وعقد الائتلافات، ولو من قبيل الاتفاق على مسألة لحظية أو مؤقتة، فلا يمكن تفسير نتائج التصويت إلا على ضعف الكتل التي أبدت نفساً معارضاً ولو بالحد الأدنى أو حتى إصلاحياً، وعلى عدم تماسكها، ولا يمكن إلا الشك بأن الارتباطات المصلحية خارج المجلس كان العامل الحاسم لخيارات بعض أعضائها.
نائب جديد، قال لي بحسرة، رغم التجربة القصيرة في المجال النيابي، إلا أن البدايات كشفت أن الكتل النيابية جميعاً "كتل هلامية" ، وأن التصويت لم يخضع لالتزام بقرار، بل تُركَ لأولويات النائب نفسه.
البداية غير مشجعة، بل مقلقة، لأنها "بروفة" لمشاورات تشكيل حكومة " برلمانية" التوافق، أي أن النتيجة لن تكون خارج إطار التشكيلة البرلمانية، خاصة بعد سيطرة "موالين تقليديين" على مفاصل رئاسة المجلس، المُكَملة، للتعيينات الرسمية.
بالنهاية تكون المصداقية هي المتضرر الأكبر، فالأزمة بدأت بضعف الثقة وتستمر بمظاهر تعميق تقويض الثقة . العرب اليوم
الوضع مملوء بالتناقضات؛ فمن جهة هناك إقرار رسمي بضرورة تغيير قانون الانتخاب لضمان عدالة التمثيل، مما يعني فهما تاما لتبعات إجراء الانتخابات على أساسه، لكن ذلك لم يمنع الإصرار الرسمي على إجراء الانتخابات على أساس قانون إشكالي سنعيش نتائجه لفترة ليست بالقصيرة.
هناك احتمالان: الأول، أن المرحلة تطلبت تقليص قوة المعارضة، على اعتبار أن الانتخابات صوت ثقة يعطي النظام المرونة التي يعتقد أنها لازمة لتوجيه الأجندة الإصلاحية من فوق، وللتأكد من عدم تَحَكُم الشارع بسقف التغيير المطلوب، والثاني هو النقد الغربي المُعلَن لقانون الانتخاب الحالي.
أنا أعتقد أن الاحتمالين معاً، قد يفسران الموقف الرسمي، ولكنهما لا يُفسران العودة للتركيبة نفسها، سواء تحت القبة أو التعيينات في المواقع المركزية لصنع القرار، وكلها تتعارض مع أهم الأولويات التي جاءت في الخطاب الملكي، من تعديل لكل من القانون والنظام الانتخابي إلى إقرار حزمة من القوانين التي لا بد منها إذا كان هناك نية لإرساء قواعد المساءلة والمحاسبة وشبكة أمن اجتماعي خاصة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية.
القوانين الاقتصادية، وخصوصا الكسب غير المشروع، والضريبة التصاعدية، والمالكين والمستأجرين والضمان الاجتماعي، تمثل تفكيرا ومنهجا يحتاج وجوها تؤمن بها عن حق وحقيق، وليس رموزاً مستفيدة من بقاء الوضع القائم، التي قامت بعرقلة هذه التشريعات نفسها بل وساهمت في إحباطها في الماضي، إلا إذا كان التغيير أيضاً يعمل بنفس طريقة " الريموت كونترول"، أو أن القوانين نفسها "سَتُفَصَلّ" بطريقة يتم تفريغها من مضمونها تحول دون تطبيقها عملياً وبقوة.
التطورات الأخيرة لم تكن بمفاجئة، بل أكدت شكوك ومخاوف الكثيرين، خاصة بين مقاطعي الانتخابات، أن عملية الاقتراع لم تكن سوى وسيلة إعطاء شرعية لسياسات معدة ومقررة أصلا ولن يُسمح بالمس بالنهج القديم.
مع ذلك، فإنه لا يمكن إغلاق الأمل، وإن كان الأمل وحده لا يكفي، إذ لا بد من استمرار الضغوط الشعبية والحزبية، لإلزام المؤسسات الرسمية بأخذ المطالب الرئيسية بجدية وعدم الاكتفاء والاختباء خلف "نجاح " إعادة ترتيب أوراقها واعتقادها أنها أمسكت بزمام الأمور بعد تراجع الحراك الشعبي، لأن الاحتقان لم يختف والأمور مُرشحة للتصعيد مع استمرار ارتفاع الأسعار والغلاء.
هنا يجب لفت الانتباه أن الكتل النيابية، وإن كان لا يمكن التقليل من أهميتها كمفهوم وممارسة سياسية، لا يمكن أن تحل مكان الأحزاب السياسية، فقوة الكتل البرلمانية في دول العالم، تستمدها من امتداد تحالفاتها وجذوره خارج مجالس التشريع، عدا أنها بحاجة أن تكون تكتلات حقيقية، تعمل وتخطط وتكون جاهزة لاختيار معاركها السياسية وطرح مواقفها وتوحيد أصواتها.
ما رأيناه خلال انتخابات رئيس مجلس النواب لا يدل على وجود مثل هذه الكتل أو قدرتها على التأثير وعقد الائتلافات، ولو من قبيل الاتفاق على مسألة لحظية أو مؤقتة، فلا يمكن تفسير نتائج التصويت إلا على ضعف الكتل التي أبدت نفساً معارضاً ولو بالحد الأدنى أو حتى إصلاحياً، وعلى عدم تماسكها، ولا يمكن إلا الشك بأن الارتباطات المصلحية خارج المجلس كان العامل الحاسم لخيارات بعض أعضائها.
نائب جديد، قال لي بحسرة، رغم التجربة القصيرة في المجال النيابي، إلا أن البدايات كشفت أن الكتل النيابية جميعاً "كتل هلامية" ، وأن التصويت لم يخضع لالتزام بقرار، بل تُركَ لأولويات النائب نفسه.
البداية غير مشجعة، بل مقلقة، لأنها "بروفة" لمشاورات تشكيل حكومة " برلمانية" التوافق، أي أن النتيجة لن تكون خارج إطار التشكيلة البرلمانية، خاصة بعد سيطرة "موالين تقليديين" على مفاصل رئاسة المجلس، المُكَملة، للتعيينات الرسمية.
بالنهاية تكون المصداقية هي المتضرر الأكبر، فالأزمة بدأت بضعف الثقة وتستمر بمظاهر تعميق تقويض الثقة . العرب اليوم