تشافيز والأمل في عالم أفضل
لميس أندوني
جو 24 : بغياب الرئيس فنزويلا هيوغو تشافيز، تفقد أمريكا اللاتينية أحد أهم القادة الذين تجرأوا على تحدي الهيمنة السياسية والاقتصادية الأمريكية على ثروات القارة التي دفعت غالياً في مقاومتها للجارة الاستعمارية.
تشافيز، وزعماء آخرون من أمريكا اللاتينية، لم يكتفوا بالتحدي بل اتخذوا خطوات، بدءا من تأميم بعض موارد بلادهم إلى إجبار الشركات العالمية بتحمل مسؤولية مشاركة أرباحها من خلال تمويل مشاريع مجتمعية، واضعين بذلك أسس طريق اقتصادي بديل لوصفات الرأسمالية المتوحشة ليس لبلدانهم فحسب بل لنا جميعاً.
النقد الرئيسي على تشافيز، كان في إجراءات تمكنه عملياً من الاستحواذ على السلطات، مما عرضه لانتقادات، أصدقاء وحلفاء له، لعل أهمهم المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي، وأهم المدافعين عن سياسات كراكاس الاقتصادية، ومن تصدروا للمحاولات الرسمية الأمريكية لشيطنة تشافيز، وفضح التدخل الأمريكي في فنزويلا وفي الأمريكيتين الوسطى والجنوبية.
مؤيدو تشافيز، برروا سياسته الداخلية في سياق حماية فنزويلا من التدخل الأمريكي، خاصة دعمها للمعارضة الفنزويلية اليمينية، والذي تكشفت أبعاده بعد الانقلاب الفاشل على الرئيس الفنزويلي في عام 2002.
وفضحت صحيفة النيويورك تايمز، بالخطأ، التورط الأمريكي في محاولة الانقلاب، عندما سارعت بنشر افتتاحية شهيرة، تبشر العالم بالاطاحة بتشافيز، ناسبة ذلك إلى مسؤولين أمريكيين، لكنها اكتشفت بعد نشر "السبق الصحافي"، أن المحاولة فشلت، وبالتالي كشفت تواطئها وعن معرفتها المسبقة بالخطة الأمريكية.
محاولة الانقلاب على تشافيز، لم تكن بغريبة على تاريخ واشنطن ضد القارة التي اعتبرتها ضمن "نفوذها الحيوي المباشر"، وتصرفت على أساس أن ثرواتها المتعددة من مناجم نحاس إلى آبار البترول، ملكاً لها، على غرار السياسة البريطانية في الهند، لكن دون استعمار مباشر، بل من خلال الشركات المتعددة الجنسيات والإطاحة بحكامها المخالفة لمصالح أمريكا وتمويل المليشيات اليمينية بإشراف مباشر من سفارات واشنطن.
الأمثلة كثيرة، لكن لعل أبرزها، الانقلاب الدموي ضد رئيس تشيلي المنتخب سلفادور الليندي عام 1974، وما تبعه من عمليات قتل وتعذيب وتنكيل بالمعارضة والمثقفين والفنانين، من قبل الطغمة العسكرية، وتسلح قوات الكونترا ضد حكم الساندينستا، وتشكيل ودعم "فرق الموت" ضد المعارضة بالأخص في السلفادور وهندوراس، بالإضافة إلى أكثر من مؤامرة موثقة لاغتيال الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، وقائمة جرائم واشنطن طويلة وأليمة.
عدا أن أمريكا جعلت أمريكا اللاتينية مختبرا لها لفرض وتطبيق سياسات جوهرها، تحويل إنتاج كل تلك الدول في خدمة التصدير على حساب احتياجاتها الرئيسية لتمنع الاكتفاء الذاتي و تربطها بعلاقة تبعية سياسية واقتصادية مع السوق الرأسمالي وبالسياسات الغربية، والتي بدأت في البرازيل، والتي قام بنقدها بالتحليل، الاقتصادي الأمريكي بول باران، الأستاذ الشهير في جامعة بيركلي، محذراً من استنساخ النموذج لتقويضه "العملية التنموية" في هذه الدول.
لذا فإن ظهور ووصول تشافيز ومجموعة يساريين إلى الحكم، مثل لولا دي سلفا في البرازيل وايفو موراليس في بوليفيا، شكل ظاهرة هامة وعلامة فارق، خاصة أنه جاء بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وفي ذروة سطوة القوة الأميرية وتفردها، بالعالم فجاءت مفاجئة ومتحدية النموذج الاقتصادي.
تشافيز، لم يكن يمثل خطراً عسكريا على أمريكا، لكن يجب عدم التقليل من تأثير "النموذج البديل"، الذي تقدمه فنزويلا، رؤساء اليسار، أو يسار الوسط في أمريكا، وواشنطن، والحكومات الغربية، لها سجل في محاولة إفشال النماذج البديلة ومواجهة سلطتها الاقتصادية، وقصة اغتيال الرئيس الغاني جواما نكروما، لا تزال تتردد صداها في القارة الإفريقية.
عندما التقى تشافيز وللحظات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وبدلا من الخضوع له، فجأه بنسخة من كتاب "جرح امريكا اللاتينية النازف"، للمؤلف الللاتيني من أوراغواي، ادواردو غوليانو، الذي وثق كل جرائم أمريكا الاقتصادية والإنسانية في القارة الثائرة، كرسالة واضحة، أن على أمريكا أن تتخلى عن سياستها الاستعمارية.
الانتقادات الموجهة الى سجل تشافيز الداخلي، بالأخص، مشروعة، برأيي على الأقل، لأن بدء الاستئثار بالسلطات هو توطئة للديكتاتورية، والدكتاتورية هي بداية لتقويض ترسيخ السلطة الشعبية التي سعى إلى تأسيسها، لكن تشافيز وقف ضد الاستغلال الاقتصادي لبلاده، في زمن تسابق رؤساء ومثقفون إلى الخنوع للسلطة العالمية "المنتصرة"، وأعلى صوت الفقراء، في زمن تفشى فيه عدد الثراء الفاحش المتغذي على أجساد المظلومين.
ظهر ورحل تشافيز، وثروات عالمنا العربي، مباحة ومستباحة، وسياسات الإفقار والتفقير، هي النموذج الذي يسعى الحكام إلى تطبيقه ونشره، لكن للباقين منا، ففي حياته، وتجربة أمريكا اللاتينية، المستمرة، نموذج تجب دراسته، فالخطر إذا تقوقعنا واستسلمنا، لما يراد لمن تصديقه بأنه لا بديل، أو كما كتب ادواردوا غوليانو يجب أن نؤمن بأن هناك عالما أفضل.
l.andony@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)
تشافيز، وزعماء آخرون من أمريكا اللاتينية، لم يكتفوا بالتحدي بل اتخذوا خطوات، بدءا من تأميم بعض موارد بلادهم إلى إجبار الشركات العالمية بتحمل مسؤولية مشاركة أرباحها من خلال تمويل مشاريع مجتمعية، واضعين بذلك أسس طريق اقتصادي بديل لوصفات الرأسمالية المتوحشة ليس لبلدانهم فحسب بل لنا جميعاً.
النقد الرئيسي على تشافيز، كان في إجراءات تمكنه عملياً من الاستحواذ على السلطات، مما عرضه لانتقادات، أصدقاء وحلفاء له، لعل أهمهم المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي، وأهم المدافعين عن سياسات كراكاس الاقتصادية، ومن تصدروا للمحاولات الرسمية الأمريكية لشيطنة تشافيز، وفضح التدخل الأمريكي في فنزويلا وفي الأمريكيتين الوسطى والجنوبية.
مؤيدو تشافيز، برروا سياسته الداخلية في سياق حماية فنزويلا من التدخل الأمريكي، خاصة دعمها للمعارضة الفنزويلية اليمينية، والذي تكشفت أبعاده بعد الانقلاب الفاشل على الرئيس الفنزويلي في عام 2002.
وفضحت صحيفة النيويورك تايمز، بالخطأ، التورط الأمريكي في محاولة الانقلاب، عندما سارعت بنشر افتتاحية شهيرة، تبشر العالم بالاطاحة بتشافيز، ناسبة ذلك إلى مسؤولين أمريكيين، لكنها اكتشفت بعد نشر "السبق الصحافي"، أن المحاولة فشلت، وبالتالي كشفت تواطئها وعن معرفتها المسبقة بالخطة الأمريكية.
محاولة الانقلاب على تشافيز، لم تكن بغريبة على تاريخ واشنطن ضد القارة التي اعتبرتها ضمن "نفوذها الحيوي المباشر"، وتصرفت على أساس أن ثرواتها المتعددة من مناجم نحاس إلى آبار البترول، ملكاً لها، على غرار السياسة البريطانية في الهند، لكن دون استعمار مباشر، بل من خلال الشركات المتعددة الجنسيات والإطاحة بحكامها المخالفة لمصالح أمريكا وتمويل المليشيات اليمينية بإشراف مباشر من سفارات واشنطن.
الأمثلة كثيرة، لكن لعل أبرزها، الانقلاب الدموي ضد رئيس تشيلي المنتخب سلفادور الليندي عام 1974، وما تبعه من عمليات قتل وتعذيب وتنكيل بالمعارضة والمثقفين والفنانين، من قبل الطغمة العسكرية، وتسلح قوات الكونترا ضد حكم الساندينستا، وتشكيل ودعم "فرق الموت" ضد المعارضة بالأخص في السلفادور وهندوراس، بالإضافة إلى أكثر من مؤامرة موثقة لاغتيال الزعيم الكوبي فيديل كاسترو، وقائمة جرائم واشنطن طويلة وأليمة.
عدا أن أمريكا جعلت أمريكا اللاتينية مختبرا لها لفرض وتطبيق سياسات جوهرها، تحويل إنتاج كل تلك الدول في خدمة التصدير على حساب احتياجاتها الرئيسية لتمنع الاكتفاء الذاتي و تربطها بعلاقة تبعية سياسية واقتصادية مع السوق الرأسمالي وبالسياسات الغربية، والتي بدأت في البرازيل، والتي قام بنقدها بالتحليل، الاقتصادي الأمريكي بول باران، الأستاذ الشهير في جامعة بيركلي، محذراً من استنساخ النموذج لتقويضه "العملية التنموية" في هذه الدول.
لذا فإن ظهور ووصول تشافيز ومجموعة يساريين إلى الحكم، مثل لولا دي سلفا في البرازيل وايفو موراليس في بوليفيا، شكل ظاهرة هامة وعلامة فارق، خاصة أنه جاء بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وفي ذروة سطوة القوة الأميرية وتفردها، بالعالم فجاءت مفاجئة ومتحدية النموذج الاقتصادي.
تشافيز، لم يكن يمثل خطراً عسكريا على أمريكا، لكن يجب عدم التقليل من تأثير "النموذج البديل"، الذي تقدمه فنزويلا، رؤساء اليسار، أو يسار الوسط في أمريكا، وواشنطن، والحكومات الغربية، لها سجل في محاولة إفشال النماذج البديلة ومواجهة سلطتها الاقتصادية، وقصة اغتيال الرئيس الغاني جواما نكروما، لا تزال تتردد صداها في القارة الإفريقية.
عندما التقى تشافيز وللحظات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وبدلا من الخضوع له، فجأه بنسخة من كتاب "جرح امريكا اللاتينية النازف"، للمؤلف الللاتيني من أوراغواي، ادواردو غوليانو، الذي وثق كل جرائم أمريكا الاقتصادية والإنسانية في القارة الثائرة، كرسالة واضحة، أن على أمريكا أن تتخلى عن سياستها الاستعمارية.
الانتقادات الموجهة الى سجل تشافيز الداخلي، بالأخص، مشروعة، برأيي على الأقل، لأن بدء الاستئثار بالسلطات هو توطئة للديكتاتورية، والدكتاتورية هي بداية لتقويض ترسيخ السلطة الشعبية التي سعى إلى تأسيسها، لكن تشافيز وقف ضد الاستغلال الاقتصادي لبلاده، في زمن تسابق رؤساء ومثقفون إلى الخنوع للسلطة العالمية "المنتصرة"، وأعلى صوت الفقراء، في زمن تفشى فيه عدد الثراء الفاحش المتغذي على أجساد المظلومين.
ظهر ورحل تشافيز، وثروات عالمنا العربي، مباحة ومستباحة، وسياسات الإفقار والتفقير، هي النموذج الذي يسعى الحكام إلى تطبيقه ونشره، لكن للباقين منا، ففي حياته، وتجربة أمريكا اللاتينية، المستمرة، نموذج تجب دراسته، فالخطر إذا تقوقعنا واستسلمنا، لما يراد لمن تصديقه بأنه لا بديل، أو كما كتب ادواردوا غوليانو يجب أن نؤمن بأن هناك عالما أفضل.
l.andony@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)