"الناس بردانه"...الله يستر
لن يتوقف الدكتور عبدالله النسور كثيرا عند قضية الترحيب به رئيسا جديدا، فهو يعرف انه اتخذ قرارات غير شعبية في رفع الاسعار، غضب منه الناس جميعهم، ويعرف انه سوف يتخذ قرارات اخرى غير شعبية، تحدث عنها بصراحة تحت القبة ووصفها بانها قرارات عابرة للحكومات، وعندها لا احد يدري حجم ردة الفعل عليها، إلا اذا كان ما يحدث من ثورة في عالم الفيسبوك وتوتير دقيقا، فإن ذلك يعني ان الايام المقبلة حبلى بكل شيء.
في الحكومة السابقة، لم يمنح النسور فرصة اختيار فريقه الوزاري، وقيل يومها إن التشكيلة كانت جاهزة، وفيها وزراء على غير وفاق معه، أما الآن فهو يتحمل كامل المسؤولية عن كل فعل وزاري، وكل تصرف يقع في الحكومة، ولن يسامحه احد بعد أن حصل على ثقة النواب الأولية من خلال المشاورات النيابية مع القصر، وكشف تفاصيلها بتوسع غريب رئيس الديوان الملكي فايز الطراونة، وكلفه رأس الدولة بناء على هذه المشاورات.
في التصريحات الاولى للنسور بعد زيارة المجاملة الى رئيسي الاعيان والنواب أمس، عدنا للمربع الاول، والكلام الذي لا ينتج شيئا، حول "نظافة الحكومة المقبلة وطهارتها..، وتوزير النواب غير محسوم، كما لم يعط موقفا نهائيا من الوزراء اصدقاء صندوق النقد والبنك الدوليين.
منذ لحظة تسلم النسور زمام الحكومة الاولى، لم ينقل عنه يوما حديثا في السياسة وخاصة الشؤون الداخلية، وانما اشتغل في الاقتصاد والموازنة والعجز، والتي عالجها من خلال قرارات اقتصادية صعبة، لم تجد حلا لها سوى جيب المواطن، وواضح ان الحلول في الايام المقبلة هي ذاتها، وأن تأجلت قليلا حتى تذهب فورة النواب والحصول على الثقة البرلمانية.
الاوضاع السياسية الداخلية تحتاج الى وقفة جادة وحقيقية من قبل النسور وحكومته الجديدة، والعمل على توحيد الناس، وتماسك الجبهة الداخلية اهم بكثير من اي حلول اقتصادية.
توحيد الناس داخليا على مجمل القضايا الوطنية، وفتح حوارات جادة مع جميع قوى المجتمع، المؤيدة منها والمعارضة، قضية في غاية الخطورة، نظرا لما يُجرى في الاقليم، وفي الجوار تحديدا، لان ترك التفاهم الداخلي على القضايا الوطنية والاقليمية، من الممكن أن يكون بوابة عبور لفوضى لا احد يريدها، ونزاعات لا احد يعلم الى اين تصل مدياتها.
الحوار مع قوى المجتمع من احزاب ونقابات ومؤسسات مجتمع مدني، ليس فقط مقتصرا على تشكيلة الحكومة، لاننا لسنا في بحبوحة توزيع الغنائم، فالاوضاع صعبة، وأصعب مما يتخيل بعضهم، والصعوبة ليست مقتصرة على الجانب الاقتصادي والمعيشي للناس، بل تتعدّاه الى الشعور بعدم الاطمئنان والامان على كل شيء، حتى ازدحمت الصحافة الغربية في الايام الاخيرة من التحذير من اشهر الصيف في الاردن، وأن حزيران الاردني سوف يكون ربيعا مختلفا.
يمتلك النسور كاريزما المناورة، والقدرة على الاقناع، والدهاء السياسي، لكن كل ذلك لا ينفع اذا فلتت الامور، فالامن "مكسور الظهر من اللاجئين السوريين" والمخزون الاستراتيجي من الادوية في محافظات الشمال في اوضاع صعبة، يرافق كل ذلك، احتقان شعبي على العملية الانتخابية ومخرجاتها، وخيبة أمل من أداء النواب، ومقاطعة سياسية لقوى مؤثرة في المجتمع، وخلاف مجتمعي على ما يحدث في سورية، وكل ذلك يجتمع مع ازمة اقتصادية معيشية طاحنة، عندها فان النتائج وخيمة، وقد لا تحمد عقباها.
أشعر ببرد شديد، ويعيش الناس في قشعريرة، والله يستر.