في ذكرى 24 آذار
في الذكرى الثانية لاعتصام 24 آذار، وقمعه في مساء اليوم التالي، نستذكر الفرص الضائعة للجهات الرسمية ( الدولة ) و الحراك الشعبي معاً.
للأسف، فإن قرار ضرب التجمع أمام دوار جمال عبد الناصر، يوم 25 آذار،والأسلوب الذي اتبع، كان امتداداً، وبنفس الوقت نقطة فارقة في التصعيدلسياسة تعميق الفرقة السياسية والمجتمعية، نجحت جزئيا في التخوف من الحراك الشعبي، لكن على حساب اللحمة الاجتماعية بين مكونات المجتمع الأردني.
فمنذ صباح 24 آذار ، كانت الرسالة من خلال مسيرات الولاء، مع الاحترام الكامل لحق مناوئة الحراك من المواطنين بالتعبير عن رأيهم، هي التشكيك بانتماء المعارضة الوطني وكأن التظاهر السلمي ، كأحد من أشكال التعبير السياسي المُنظم، ليس من حق المعارضين والمعترضين على السياسات الرسمية.
الرسالة الأخطر، كانت في الإيحاء، أن الاعتصام، يمثل الأردنيين من أصل فلسطيني بما يعنيه ذلك من معاني تخيف فئات من المجتمع خاصة داخل أجهزة الدولة ، من مؤامرة لتقويض الاستقرار والاستيلاء على البلاد.
كون نسبة هامة من أهم منظمي الاعتصام، تنتمي لعشائر أردنية معروفة، تم تجاهلها، لكن الأسوأ أنه على المدى الطويل هو زيادة الشكوك بين " مكوني الشعب الأردني" الرئيسيين، بقصد ردع المكونين معاً من المشاركة في الحراك؛ فبناء على الرسالة الضمنية لهذا التفكير، فإن مشاركة " الأردني من أصل فلسطيني" تعني تهديدا للأردنيين " الشرق أردنيين"، ومشاركة " الشرق أردني" تعني تواطئاً في تنفيذ " مؤامرة".
للأسف مرة أخرى نجح الأسلوب، في استثمار المخاوف الموجود أصلاً في ظل غياب حل عادل للقضية الفلسطينية وتمدد البناء الاستيطاني الإسرائيلي غير الشرعي في فلسطين المحتلة بما يترتب عليه من احتمالات تهجير أهل الضفة الغربية ، بما في ذلك القدس الشرقية بشكل خاص.
وها نحن نحصد بعض ثمرات تلك السياسات، كعامل رئيسي وليس أوحد، يمنع اتفاق المعارضة على برنامج موحد ، سواء بالمطالب، أو إيجاد الرؤية المستقبلية للتغيير،طبعاً دون إنكار النوازع الإقليمية الموجودة داخل المجتمع والحراك نفسه وتغذيتها من بعض التيارات ، سواء بسبب الخوف المشروع ، أو غير المشروع.
سياسات التفرقة أصبحت معيقة أيضاً، للتوجهات الرسمية نفسها، و لا أعني أي توجه للمحاصصة أو الإقصاء، لكن أعني أن أية خطوات إصلاحية ولو بالحد الأدنى، تصطدم بالمخاوف التي غدت حاجزاً بين القلوب والعقول.
كل ذلك لا يعفي الحراك من أخطائه، بما في ذلك في يومي 24 و25 آذار، وهو موضوع ما زال يثير البحث والجدل في أوساط الحراك والأحزاب، وكان ذلك واضحا في استنكاف قوى كانت موجودة في الاعتصام قبل عامي، من فعالية إحياء ذكراه ليلة الأحد الماضي.
فقد رفعت شعارات خاصة في يوم 24، غير متفق عيها، مما فهمته من الكثيرين، طالت مؤسسات الدولة، فاختلطت معارضة السياسات بشعارات، مقصودة أو غير مقصودة، تعني المطالب بإسقاط هذه المؤسسات وهي مطالب يجري تجنبها في ثورات إسقاط الأنظمة فما بالك في حركة تطالب بإصلاح النظام؟ وإن كان من الموضوعية الإشارة أن تلك الشعارات لم تكن الغالبة على الاعتصام، بل النافرة والخارجة عن شعارات الإجماع بين القوى المنظمة والمشاركة.
تلك الشعرات بعينها ، أعطت الذريعة لقرار القمع الأمني خاصة بعد أن تناهت معلومات بأن النية تتجه إلى إعلانه اعتصاماً مفتوحا، أو تحويل الفعالية إلى ميدان التحرير تتجاوز سقوفه المطالب الإصلاحية.
لم يكن ذلك كله مبرراً لاستخدام الحل الأمني، و بالأسلوب الذي استخدم، والتعامل مع المعتصمين وكأنهم أعداء الوطن والشعب، لكن الاعتراف بجوانب خلافية لما حدث، هو في سبيل الدعوة إلى المراجعة النقدية والموضوعية والصريحة لما جرى في اليومين المشهودين.
لكن في النهاية ، تبقى ذكرى 24 آذار هامة وجميلة بالرغم من الألم، لأنها شكلت في صورتها الكبيرة من أجمل مشاهد الوحدة الوطنية، الرافضة للغبن، الداعية للمشاركة الواسعة في صنع القرار، والمطالبة بحقوق المواطنة الحقيقية، التي ترفض الخنوع والتغييب.