ليس ببطل وليس بشيطان
لميس أندوني
جو 24 : الضجة, والاتهامات والادعاءات , التي لم تهدأ منذ استقالة رئيس الوزراء عون الخصاونة, تدل على خلل في الثقافة السياسية السائدة التي تمنع التحليل الموضوعي لمثل هكذا حدث , فتدخلنا في متاهات العداوات الشخصية وتصفية الحسابات التي لا تخدم التفكير الهادئ في واقع البلاد و مستقبلها.
لذلك اقتصر معظم التعامل مع الحدث, مع بعض الاستثناءات القليلة, على تصوير الخصاونة إما أنه العدو الأكبر للإصلاح, والمسؤول الرئيسي عن جميع مشاكل الأردن ومصائبها, قبل استلامه الرئاسة وما بعدها, أو انه محارب مغوار ومقاتل شرس دافع عن مفهوم الولاية العامة وقاوم تدخل جهات متعددة في سياسات حكومته وقراراتها.
لا شك أن التصوير الأول , الذي اقترب أحياناً من شيطنة الخصاونة, كان وما زال الأكثر رواجاً; ليس فقط لأن السكاكين تكثر عندما تسقط البقرة, بل لأن هناك ميلاً للنفاق السياسي للجهات المتنفذة وتناسي دور هذه الأطراف في عرقلة العملية الإصلاحية بل ومنعها.
لكن محاولات إظهار الخصاونة كبطل جبار أيضا فيها كثير من المبالغة التي لا تتفق مع سجل قبول الرجل لسياسات وممارسات, كنا نعتقد, أن القانوني المؤمن بحقوق الإنسان وسيادة القانون لن يمررها بل سيحاربها.
نصدق أن الخصاونة اصطدم, ومنذ البداية بجهات استاءت, من إصراره على حماية الولاية العامة للحكومة, ولم تغفر له أي محاولة لتثبيت استقلال السلطة التنفيذية, بعيداً عن أي تدخلات ومن المؤكد أن هناك قصصا عديدة ستروى لتشير إلى صراع شبه يومي مع تلك الجهات.
الكثيرون من معجبيه , وحتى إن اختلفوا معه, يعتبرون أنه بمجرد بعث فكرة أهمية الالتزام "بالولاية العامة" للحكومات فقد أسدى خدمة كبيرة للبلاد بإضافتها إلى قاموس الجدل والحوار السياسي القائم في الأردن مثيراً غضب الجهات المحافظة التي لا تريد حتى أن تسمع مثل هكذا تعبير¯ هذا صحيح ولكنه غير كاف.
فلو أن الخصاونة اختار أن يدافع عن قضية مفصلية, ليدافع عن الولاية العامة , مثل , على الأقل برأيي, المطالبة وبحزم بإلغاء محكمة أمن الدولة , أو على الأقل منع تحويل المدنيين إلى هذه المحكمة الاستثنائية, التي تفتقر, وكما يعرف القاضي الدولي أفضل مني ومن غيري, إلى أدنى مقومات إحقاق العدالة, فقد كان استطاع تحقيق إنجاز كبير- وكان لوقف معه فئات واسعة ولكانت لاستقالته معنى أكبر وأهم.
اود أن أعيد هنا ما قلته في مقالي السابق ان الوضع القائم لا يسمح بولاية عامة وان أي محاولات جادة وحاسمة للخصاونة كان مصيرها الإجهاض القسري, لكن كان يجب عليه اختيار معركة مفصلية, أهم من التي استقال من أجلها حتى لو قبلنا بأنه لم يكن لديه أي بديل عن الاستقالة.
كان من الممكن كمثال اخر وقد يكون أهم إعطاء الأولوية لمهمة استعادة الفوسفات, حتى بعد التلاعب السياسي الذي حصل في مجلس النواب, يجب ان لا ننسى أنه كان هناك توصية بالغاء اتفاقية البيع, عدا قضية الفوسفات كانت قد أصبحت المسألة الفاصلة في الوعي الشعبي - سواء داخل الحراك أو خارجه.
لا بد هنا من الاعتراف بأن الانطباع الذي تكون عن محاولة الخصاونة التفاهم مع الاخوان المسلمين على حساب الفئات الأخرى, كان سببا اخر لاستياء فئات كثر, وعداء شرس من التيار الذي يساوي بين أي صيغة تعطي تنظيم الاخوان تمثيلا أوسع وبين محاباة الأردنيين من أصل فلسطيني.
فمنذ تعيين الخصاونة, وبروز أفكاره عن عدم إقصاء الاخوان المسلمين, والتزامه بما يراه احتراما للحقوق المدنية للأردنيين من أصل فلسطيني, تعرض ولا يزال للطعن في اردنيته واتهامات بتنفيذ أجندة غربية تهدف إلى توطين الفلسطينيين وخدمة إسرائيل.
أي أن الخصاونة ومباشرة دخل في وسط جدل الهوية القائم, الذي يضج بالاتهامات ولا يعطي أي مساحة لحوار أو نقاش دون أن يتم زج الشخص المعني بأي موقف بخانة التصنيف تحدد انه كان أردنيا حقيقيا أو انه ليس أردنيا كفاية- كما اتهم الخصاونة.
قد تكون الظروف والأجواء السائدة لم تخدم الخصاونة, لكنه أيضاً مسؤول عن أخطائه وقراراته.
لكن حملة الشيطنة أيضاً غير مبررة وغير صادقة - خاصة أن مؤشرات المرحلة المقبلة غير مبشرة إطلاقاً.
فلسنا على أبواب تغيير ثوري ولا حتى إصلاحي بل على وشك العودة إلى المربع الأول من هيمنة وسيادة العقلية الأمنية والتي للأسف مهد لها الخصاونة بقبوله أن يكون عهده مرتبطاً بالاعتقالات وتثبيت تحويل المتهمين السياسيين الى محكمة أمن الدولة كممارسة عادية وروتينية.
عدا أنه يجب أن لا نتوقع شيئا من أي رئيس قادم, حتى لو كان ملتزماً بمبدأ سلطة الشعب والحريات, ما دام لم يأت تعبيراً عن سلطة الشعب.
لذلك اقتصر معظم التعامل مع الحدث, مع بعض الاستثناءات القليلة, على تصوير الخصاونة إما أنه العدو الأكبر للإصلاح, والمسؤول الرئيسي عن جميع مشاكل الأردن ومصائبها, قبل استلامه الرئاسة وما بعدها, أو انه محارب مغوار ومقاتل شرس دافع عن مفهوم الولاية العامة وقاوم تدخل جهات متعددة في سياسات حكومته وقراراتها.
لا شك أن التصوير الأول , الذي اقترب أحياناً من شيطنة الخصاونة, كان وما زال الأكثر رواجاً; ليس فقط لأن السكاكين تكثر عندما تسقط البقرة, بل لأن هناك ميلاً للنفاق السياسي للجهات المتنفذة وتناسي دور هذه الأطراف في عرقلة العملية الإصلاحية بل ومنعها.
لكن محاولات إظهار الخصاونة كبطل جبار أيضا فيها كثير من المبالغة التي لا تتفق مع سجل قبول الرجل لسياسات وممارسات, كنا نعتقد, أن القانوني المؤمن بحقوق الإنسان وسيادة القانون لن يمررها بل سيحاربها.
نصدق أن الخصاونة اصطدم, ومنذ البداية بجهات استاءت, من إصراره على حماية الولاية العامة للحكومة, ولم تغفر له أي محاولة لتثبيت استقلال السلطة التنفيذية, بعيداً عن أي تدخلات ومن المؤكد أن هناك قصصا عديدة ستروى لتشير إلى صراع شبه يومي مع تلك الجهات.
الكثيرون من معجبيه , وحتى إن اختلفوا معه, يعتبرون أنه بمجرد بعث فكرة أهمية الالتزام "بالولاية العامة" للحكومات فقد أسدى خدمة كبيرة للبلاد بإضافتها إلى قاموس الجدل والحوار السياسي القائم في الأردن مثيراً غضب الجهات المحافظة التي لا تريد حتى أن تسمع مثل هكذا تعبير¯ هذا صحيح ولكنه غير كاف.
فلو أن الخصاونة اختار أن يدافع عن قضية مفصلية, ليدافع عن الولاية العامة , مثل , على الأقل برأيي, المطالبة وبحزم بإلغاء محكمة أمن الدولة , أو على الأقل منع تحويل المدنيين إلى هذه المحكمة الاستثنائية, التي تفتقر, وكما يعرف القاضي الدولي أفضل مني ومن غيري, إلى أدنى مقومات إحقاق العدالة, فقد كان استطاع تحقيق إنجاز كبير- وكان لوقف معه فئات واسعة ولكانت لاستقالته معنى أكبر وأهم.
اود أن أعيد هنا ما قلته في مقالي السابق ان الوضع القائم لا يسمح بولاية عامة وان أي محاولات جادة وحاسمة للخصاونة كان مصيرها الإجهاض القسري, لكن كان يجب عليه اختيار معركة مفصلية, أهم من التي استقال من أجلها حتى لو قبلنا بأنه لم يكن لديه أي بديل عن الاستقالة.
كان من الممكن كمثال اخر وقد يكون أهم إعطاء الأولوية لمهمة استعادة الفوسفات, حتى بعد التلاعب السياسي الذي حصل في مجلس النواب, يجب ان لا ننسى أنه كان هناك توصية بالغاء اتفاقية البيع, عدا قضية الفوسفات كانت قد أصبحت المسألة الفاصلة في الوعي الشعبي - سواء داخل الحراك أو خارجه.
لا بد هنا من الاعتراف بأن الانطباع الذي تكون عن محاولة الخصاونة التفاهم مع الاخوان المسلمين على حساب الفئات الأخرى, كان سببا اخر لاستياء فئات كثر, وعداء شرس من التيار الذي يساوي بين أي صيغة تعطي تنظيم الاخوان تمثيلا أوسع وبين محاباة الأردنيين من أصل فلسطيني.
فمنذ تعيين الخصاونة, وبروز أفكاره عن عدم إقصاء الاخوان المسلمين, والتزامه بما يراه احتراما للحقوق المدنية للأردنيين من أصل فلسطيني, تعرض ولا يزال للطعن في اردنيته واتهامات بتنفيذ أجندة غربية تهدف إلى توطين الفلسطينيين وخدمة إسرائيل.
أي أن الخصاونة ومباشرة دخل في وسط جدل الهوية القائم, الذي يضج بالاتهامات ولا يعطي أي مساحة لحوار أو نقاش دون أن يتم زج الشخص المعني بأي موقف بخانة التصنيف تحدد انه كان أردنيا حقيقيا أو انه ليس أردنيا كفاية- كما اتهم الخصاونة.
قد تكون الظروف والأجواء السائدة لم تخدم الخصاونة, لكنه أيضاً مسؤول عن أخطائه وقراراته.
لكن حملة الشيطنة أيضاً غير مبررة وغير صادقة - خاصة أن مؤشرات المرحلة المقبلة غير مبشرة إطلاقاً.
فلسنا على أبواب تغيير ثوري ولا حتى إصلاحي بل على وشك العودة إلى المربع الأول من هيمنة وسيادة العقلية الأمنية والتي للأسف مهد لها الخصاونة بقبوله أن يكون عهده مرتبطاً بالاعتقالات وتثبيت تحويل المتهمين السياسيين الى محكمة أمن الدولة كممارسة عادية وروتينية.
عدا أنه يجب أن لا نتوقع شيئا من أي رئيس قادم, حتى لو كان ملتزماً بمبدأ سلطة الشعب والحريات, ما دام لم يأت تعبيراً عن سلطة الشعب.