وإنا لناصحون
الكيّس من إتعظ بغيره،وعمل قدر الإمكان على تقليل خسائره وتعظيم مكاسبه،وقيل في الأمثال :"إذا رأيت النار مشتعلة في بيت جارك ،فهيء لبيتك الماء كي تطفيء الحريق إن وصل إليك"،ونحن في الأردن وكما قال رئيس الوزراء د.عبد الله النسور محاطون بحزام ناري ،ومع ذلك لم نقم ولو بحركة واحدة على الأرض تمنع النيران من الإنتقال إلى بيوتنا.
أقول ذلك بعد الذي جرى في عروس الشمال إربد يوم الجمعة الماضي،وإعتماد اٍسلوب الأمن الخشن، لقمع حراك نظمه الإخوان المسلمون هناك،وكأننا لم نستفد من تجارب الآخرين ،ولم نتعظ من مآلاتهم،ولا حتى ظهر علينا أننا معنيون بالحفاظ على هذا البلد ،وخاصة في هذه المرحلة المتفجرة، التي أطاحت برؤوس قدمت لأمريكا وإسرائيل الشيء الكثير.
في مرات سابقة حمدنا الله ،على ان هناك من يفكر بعقله في هذا البلد ،وقد إمتدحنا عدم اللجوء إلى القوة في قمع الحراكات ،وهذا هو المطلوب لأن العملية لا تقاس بمن يملك من أسباب القوة أكثر،فالدولة هي التي تملك القوة كلها ،بما لديها من شرطة ودرك وأجهزة أمنية أخرى،علما أن كافة هذه الأجهزة إنما هي لحمايتنا نحن المواطنين،وليس لتكون مصدر تخويف وقهر لنا.
في تلك المرات التي إعتمد فيها الأمن الناعم أسلوبا للتعامل مع الحراكات ،إنحنينا إحتراما ورفعنا القبعات لمن وقف وراء ذلك القرار ،لأنه حمى البلاد والعباد مما لا يحمد عقباه،ولكننا هذه المرة نقول لمن إتخذ من أسلوب الأمن الخشن في إربد وسيلة للمواجهة ،وبكل الجرأة المعهودة:قف ..أنت خطر علينا وعلى البلد برمته.
مطلوب ممن هو في دائرة صنع القرار، أن يدرس فنون الحكمة قبل أن يعتمد فنون القتال ،وأن يكون جل همه إطفاء الحرائق بدل إشعالها،حتى لا يكون سببا في المآل الذي لا نرغب به ،فالواقع سيء،وتداعياته إن لم نحسن التعامل معه أسوأ.
لتكن هناك حراكات شعبية ،وليهتف الناس ما يشاؤون ،لكنهم عندما يرون ردة الفعل الرسمية تتسم بالعقلانية والحكمة، فإنهم سيعودون إلى الوراء،وعموما فإن الضغط يولد الإنفجار ،ولذلك أتمنى أن لا نخرب بيوتنا بأيدينا ،وندخل مرحلة الفوضى التي بشر بها رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو مجلس أمنه المصغر ،وتنبات به عرافة إسرائيلية،فالقضية ليست أن يثبت مسؤول ما انه قادر على ضبط الأمن ،فمفهوم الأمن في بدايات تشكيل الشرق الأوسط الجديد تختلف عنه إبان خمسينيات القرن المنصرم على سبيل المثال.
المسؤول الناجح والحكيم، هو الذي يكسب رضا وحب شعبه قبل مسؤوليه،بمعنى أن على المسؤولين المعنيين في مجال الأمن، أن يكونوا محنكين سياسيا، قبل أن يكونوا مفتولي العضلات ،فصراع هذه الأيام لم يعد مبارزة بالأيدي، بل هناك وسائل ظهرت في ساحات الصراع ،وكم كانت الأنظمة البائدة تمتلك من وسائل القمع والقوة الشيء الكثير لكن النهايات كانت كما نرى.
نحن في الأردن وبحمد الله نخرج من بيوتنا مطمئنين ،ويأتينا السواح آمنين ،لكن جوارنا يئن من إنعدام الأمن وإختلاط الحابل بالنابل، ولم يعودوا آمنين في بيوتهم ولا في شوارعهم ،ونراهم وأطفالهم يقتلون وهم نائمون في بيوتهم ليلا أونهارا فالقنابل لا ترى ولا تسمع.
الخطأ ممنوع في الأردن،شاء من شاء وأبى من أبى ،وإن دخل الأردن في مرحلة الفوضى لا سمح الله فإن المسؤولية ستقع على عاتق المسؤولين أصحاب القرار،لذلك يجب اللجوء إلى التهدئة قدر الإمكان ،وعدم اللجوء لتأجيج الشارع من خلال ما يطلق عليهم " الموالون"فهؤلاء وأيم الله هم الخطر المحدق بالأردن لأنهم يفكرون بمصالحهم.
يجب البدء فعليا بالإصلاحات المطلوبة وبالتدريج ،لبنة صالحة بدلا من لبنة معطوبة،وهذا لا يضير أحدا ،فجلالة الملك يفكر بأردن عصري حديث،وأن يتم محاربة الفساد والفاسدين الذي إعتبروا الأردن مزرعة لهم ولآبائهم ينهلون منها كيف يشاؤون ،فيما نرى مساحة الفقر تتمدد ،ونسبة البطالة تزداد،والمديونية ترتفع عاما بعد عام ،والدولة تفقد ممتلكاتها عن طريق الخصخصخة التي نفذناها بالمقلوب وقمنا بتنفيع " الشريك الإستراتيجي " الذي لا نعرف هويته.
جماعة الإخوان المسلمون في الأردن ،لا تريد قلب النظام ،بل تنادي بإصلاحه ،وهذا كلام لا غبار عليه،وعلى صانع القرار أن يستغل الفرصة ويضع الجماعة أما مسؤولياتها بتشكيل حكومة ،ومراقبة أدائهم ،فإن نجحوا نقدم لهم التهنئة،وإن فشلوا يكون الشعب قد حكم عليهم بنفسه ،ونكون بذلك قد حمينا البلاد والعباد .
المؤامرة اكبر منا جميعا ،وقد إجتاحت مصر مبارك حليف امريكا وإسرائيل الأول ،ولا أظن أننا في الأردن سنكون قادرين على مواجهة الهجمة التي ستداهمنا في حال ركب البعض رأسه ،وأصر على المواجهة مع الشعب ،أليس الإخوان المسلمون جزءا من الشعب ؟إنهم رافعة النظام وأساسه حتى توقيع معاهدة وادي عربة اواخر العام 1994.