2024-11-25 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

هدية من سكجها ليحيى السعود : كُنت سأقول لا للرحيل عن القُدس

باسم سكجها
جو 24 :
 
تابعت على قناة "رؤيا” لقاء الاستاذ يحيى السعود رئيس لجنة فلسطين النيابية، ضمن برنامج "نبض البلد”، وأثار فيّ الشجون والحنين والغضب والقهر، ولهذا فأنا أهديه هذه المقتطفات من كتابتي عن مسقط رأسي، وأشكره من قلبي، باعتباري مقدسياً على مواقفه الأصيلة:

لم ألتفت إلى الوراء، حين غَادرت القُدس.
لم أفعل مثل أبي عبد الله الصغير، بعد أن سلّم مفاتيح غرناطة، فصار رَمز مَهزلة تاريخية سَمجة، ولم أفعل مثل زوجة لوط، حين تَطلّعت خلفها، فاستحالت عموداً من الملح، فذلك الطفل، الصبي، لم يكن ليعي أنّ مدينته ستسقط بعد قليل. كانت هناك مُغامرة، هي أوّل مَهام عمري: أن أقود قائد الشاحنة، التي تحمل متاع البيت، مِن مكان، هو مسقط رأسي، وحنيني الآتي، المُزمن، إلى مَكان سيكون مسقط قَلبي، ومَكمن مَتعبي.

لم أبك، أو حتّى أُدمع، فلم أكن أعرف مَجاهيل العُمر الآتية، ولا سبب الرحيل المفاجئ، فقد تملّكتني دَهشة الذهاب إلى مكان أحبّه، يعيش فيه كلّ أقاربي، ولو عاد بي العُمر أكثر من خمسة أربعين عاماً، لوقفت أمام والدي، وأعلنتُ رفضي الخروج، ولكنّه، هو أيضاً، لم يكن يعرف أنه يذهب إلى المجهول، وسيغادر مُضطرّاً مَدينة أحبها، ولن يَعود إليها: القُدس، كما غادر رغماً عن أنفه، وأنف ضمير البشرية، مدينته التي عَشقها: يافا.

كُنتُ سأقول: لا، وذلك تَرَفَ لم أملكه، ولا يُمكن أن أملكه، الآن، بأثر رجعي، فالقدس التي تَعبق روائح توابلها وبخوراتها أنفي، كلّ ما مَشيت في سوق عتيق، ما زالت تسكنني، وقد سكنتُ الكثير غيرها، الكثير الكثير.

لا أتذكّر أنني تطلعت ورائي إلى مشهد القدس، الذي كنت سأراه لحظتها لآخر مرّة عربياً، كما يكون في الأفلام الدرامية المحزنة، ولكنّ الدراما الحقيقية، كانت بعد ذلك بأقلّ من سنة، حين بَكيت، وأنا أدخل إلى مشارف القدس، وَمِن بعيد بَدت قبّة الصخرة وكأنّها تَبوح بأنها لم تَعد لي، وأن الآتي لن يكون أبداً كما الفائت، وأن طفولتي إنتهت مبكّرة.

القدس رَحَلت يوم الإثنين الأسود، وكان رحيلنا منها يوم الجمعة،، قبل ثلاثة أيام من جريمة الجرائم، ولست أدري هل هو حَظٌ عاثرٌ أن لا أكون هناك، حينها، لتظلّ هويّتي المقدسية الرسمية قائمة مدى الحياة، أم أن الحظّ خدمني، فأعفاني من مشهد الجنود الإسرائيليين، يقتحمون بيتي وأقصاي وصخرتي، في غَفلتي، وغياب عدل الزمن.
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير