jo24_banner
jo24_banner

الاعتقالات الأخيرة.. هل كشّرت الدولة عن أنيابها ؟

ايهاب سلامة
جو 24 :



لنتفق على شيء: ان حفظ هيبة الدولة، أي دولة، لا يكون أبداً بتشديد القبضة الأمنية، ولا بتوسيع حملات التوقيف والإعتقال، ولا بابراز "العين الحمراء" لمواطنيها الصابرين على ضغط حكوماتهم وقرف سياساتها، انما أساس "هيبة الدول" -مع تحفظي على الجملة- يتجسد بترسيخ العدالة، وتكريس الحريات، وتقديم إنجازات ملموسة للمواطنين، تحول دون تأليبهم على مؤسسات دولهم، ولا تحضهم على المساس بـ"هيبتها" مرغمين مكرهين!

ورغم أنني لا احبذ مطلقاً جملة "هيبة الدولة"، ولا توظيفاتها السياسية والأمنية، فالهيبة في اللغة تعني: الإجلال والمخافة. أما الإجلال، فتحصيل حاصل للمواطن بحق وطنه، بينما المخافة، تكون على الوطن، لا منه!

المعادلة التاريخية بين الحاكم والمحكوم، طالما كانت مآلاتها حسابية صرفة، غير خاضعة للتأويل والاجتهاد، مفادها الآتي:

حين تنعكس نتائج السياسات والقرارات الحكومية الفاشلة، سلباً على حيوات الناس ومعيشتهم، يتولد عندهم التململ، وثم يتحول الى سخط، وغضب، وتعلو أصوات البطون الجائعة. فتأخذ طوراً آخر لاحقاً -اذا ما استعصت الأمور على الحل، وسدّت الآفاق بوجه الآمال والتعقل- الى الاحتجاجات.. فتضطر الدولة قصيرة النظر، وعاجزة التدبير، إلى زيادة الحقنة، بتضييق مساحات الحريات، وفرض قوانين مكممة للافواه، تجبرها لاحقاً الى توسيع رقعة إعتقالاتها.

وبموازة الفشل في تحسين واقع الناس الساخطين، أو القدرة على احتوائهم، يزداد الإحتقان، ويرتفع منسوب الإحتجاج والمحتجين، ويتجه المسلسل المرعب إلى طريق مجهول، وربما معلوم، لا يحبذ السير نحوه أي عاقل.

والسؤال الذي يستوجب التدبر: هل نجحت "سياسة الإحتواء" التي انتهجتها الدولة، بمؤسساتها المختصة، طيلة عشر سنوات عجاف، مضت على الأردن والمنطقة والعالم، في درء نشوء (صدام) بين أجهزة الدولة، وحراكات الشارع؟

وأيضاً.. هل نجحت سياسة "الأمن الناعم"، في امتصاص الإحتقانات الشعبية، وحالت دون وقوع "ربيع أردني"، رغم عشرات السياسات الحكومية المحرّضة، والقرارات المؤلبة، وتضييق الخناق الاقتصادي والمعيشي، على صدور الأردنيين وجيوبهم؟

إذا كانت الاستراتيجية الأمنية المتبعة طيلة عقد محتقن منصرم، وأجهزتها، قد نجحت في التغطية على عورات الحكومات السياسية والاقتصادية البائسة، وسترت سوءاتها، وتمكنت من استيعاب الإحتجاجات الشعبية، وأصواتها وسقوفها المرتفعة، وعبرت بسفينة البلاد التي تقاذفتها أمواج عاتية، صوب شواطىء آمنة.. فماذا يتوقع أصحاب القرار الحصيف اليوم، من زيادة حقنة الاعتقال والتوقيف، سوى أنها تزيد من ضغط الشارع المتأزم، وترفع من وتيرة الغضب والسخط والاحتقان، حدود الإنفجار؟!

نعم، هنا بعض الأصوات الناشزة.. وهناك نبرة متشنجة مرفوضة، بيد أنها لا تعالج بالقمع، ولا الإعتقال. سيما وأن الدولة والمنطقة برمتها، تقف على عتبات امتحان هو الأصعب في تاريخها، يستدعي مواجهته بأعلى درجات الحرص والوعي والتلاحم والحنكة، وبساحة داخلية متماسكة متينة !

عقلية الدولة، ما زالت أحفورية غابرة، لم تستوعب بعد، أن أدوات الإتصال الحديثة، وضعت قواعد جديدة للعبة، فأتاحت نشر ما كان من المستحيل نشره، بسهولة بالغة، واخترقت حاجز الصوت والصورة والفيديو، الذي يتعارض مع مزاج الدولة، ولم يعد في كل موسوعات القوانين الكونية، تشريعاً واحداً، يقدر على ضبط ايقاع ثورة الإتصال والتواصل، مهما سعى المجتهدون إلى ذلك سبيلا ..

القبول بشروط اللعبة الجديدة، والمضي باستيعابها، والتعاطي معها بدراية بالغة، وحكمة وحنكة، يشكل ذروة الوعي، لأن البديل عنها، هو الصدام، المرفوض باطلاقه في ثوابت الدولة الأردنية ومواطنيها، ومن محرماتهم.

تغليب صوت العقل، والإحتكام له، هو البوصلة الوطنية الوحيدة الواجب اتباعها، فالقرارات المتسرعة الإنفعالية، طالما كانت نتائجها محفوفة بالمخاطر، ويختبىء خلف أبوبها .. ألف شيطان وشيطان !
 
تابعو الأردن 24 على google news