الحاكمية المؤسسية والقيادات الجامعية!
أ. د مأمون نديم عكروش
جو 24 :
يتصدر المشهد الأكاديمي هذه الايام العديد من التوقعات بإجراء تغييرات جذرية في قطاع التعليم العالي أهمها اجراء تعديلات جوهرية على مجالس أمناء الجامعات وقيادات جامعية في بعض الجامعات الرسمية. لا شكّ ان التغيير سُنة حميدة في حياة الشعوب من أجل مستقبل أفضل.
لكن، السؤال الابرز: ما هو جوهر التغيير وآليات الحاكمية المؤسسية التي سوف يتم على أساسها إختيار مجالس الامناء والقيادات الجامعية وعلى كافة المستويات المؤسسية؟ أعلم تماماً بوجود حٌزمة من الانظمة والقوانين الناظمة للتعليم العالي على مستوى القطاع والجامعات على حدِ سواء ولكن الواقع يؤشر بوضوح على وجود فجوة كبيرة جداً بين "الطموح لما يجب ان يكون" وما هو فعلياً "كائن على أرض الواقع".
تطوير التعليم العالي يعتمد على تعيين قيادات إكاديمية فذة بناءً على معايير تنافسية واضحة المعالم التي يجب ان تخرج من رحم الحاكمية المؤسسية الرصينة لتشكل المرجعية الأساسية في إختيار القيادات الجامعية لمؤسساتنا الاكاديمية! فالحاكمية المؤسسية الرصينة تشكل أرضية صلبة لعمليات إتخاذ القرارات الإستراتيجية السليمة والعمل على تنفيذها بهمّة عالية وحسب ظروف كل جامعة. فهل هناك قرارات إستراتيجية أهم من إختيار القيادات الجامعية ضمن رؤى إستراتيجية واضحة المعالم لكل جامعة؟ فإذا سلّمنا بأن الحاكمية المؤسسية الرصينة سليمة من حيث الشكل والجوهر فإن النتيجة ستؤدي حتماً لوجود تخطيط إستراتيجي واقعي بحيث يتم من خلاله تحديد المسار الاستراتيجي لمستقبل كل جامعة. بناءً على ذلك، فإن من نتائج الحاكمية المؤسسية والتخطيط الإستراتيجي وجود خطة طموحة لبناء جيل مستقبلي من القادة الأكاديميين القادرين على قيادة مؤسساتهم الجامعية لمستقبل أفضل. هذا الجيل من القادة الأكاديميين يتم إحلاله مكان قيادات الجامعات بشكل تدريجي ومدروس بحيث يتم تحقيق توازن حكيم من خلال المزج المُبرمج بين "بيوت الحكمة والخبرة" و "ضخّ دماء عصرية جديدة" في الجامعات على غرار ما يجري في اول مائة جامعة في العالم.
إن بناء جيل من القيادات الأكاديمية في كل مؤسسة جامعية سيقلل من إحتمالات الإستعانة بقيادات أكاديمية من جامعات أخرى سواء على مستوى رئيس مجلس أمناء أو رئيس أو نائب رئيس أو عميد! انا لست ضدّ الإستعانة بقيادات وخبرات أكاديمية من جامعة لأخرى ولكن يجب أن تكون هذه الاستعانة بناءً على معايير واضحة المعالم لا تقبل التأويل وحسب ظروف الجامعة المعنية فقط-كأن تكون الجامعة تحت التأسيس مثلاً. إن الأستعانة بقيادات جامعية من جامعة لأخرى مُحبذ عندما لا يتوفر قيادات جامعية بنفس الجامعة وبنفس الوقت يجب أن يكون لدى من يتم الإستعانة به سجّل مشهود وموثق من الأداء المميز في جامعتة أو جامعة أخرى حتى يتم الإستفادة من تجربتة الغنية والمميّزة ونقلها لجامعات أخرى! بخلاف ذلك، "اهل مكة أدرى بشعابها". فمن وجهة نظر إستراتيجية، إن عدم فرز قيادات جامعية من رحم حاكمية مؤسسية رصينة بشكل مدروس مسبقاً سيُبقي مؤسساتنا الجامعية تراود مكانها على الرغم من تفاؤلي بمستقبل أفضل.
حمى الله الوطن الأردني الجميل.