jo24_banner
jo24_banner

أولوياتنا الإستراتيجية القادمة

أ. د مأمون نديم عكروش
جو 24 :
تحدّثت منذ ما ينوف عن عقد من الزمن عن الإهمية الإستراتيجية لإحداث تغيير جوهري في بُنية المجتمع وإعادة هيكلة الإقتصاد الوطني بطريقة تساهم في خلق حالة فريدة من الأمن الإجتماعي والإقتصادي، مما ينعكس على رفاهية المواطن الأردني وبنفس الوقت الحفاظ على مؤسسات وطنية تقود دفّة الإقتصاد من خلال إتباع فلسفة إقتصاد السوق الإجتماعي وفقا للأولويات الوطنية
الأردنية بما يُعزز الأمن الوطني ويحفاظ على الم ن جزات. فالأولوية القصوى تكمن في إحداث نقله نوعية في قطاعي التعليم المدرسي والجامعي وإعطاء إهتمام خاص بالقطاع الطبي والتمريضي ودعم قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والتركيز على قطاع الصناعات الإستخراجية التي يوجد لدينا فيها ميّزة تنافسية. كما أننا بحاجة لتأسيس "صناعة مياه" تعمل على
المساهمة الفعّالة في تحقيق الأمن المائي كونه يُصنّف من أكثر الموارد الإستراتيجية نُدرةً وغير القابلة للتجدّد بسهولة. نحن أيض ا بحاجة لصناعة إعلام وطنية مميّزة تعمل كرديف لهذه القطاعات وتسوقها محلياً وإقليمياً ودولياً.

حتى أكون واضح وصريح تماماً، أنا لست ضدّ الرأسمالية وإقتصاد السوق المفتوح والمنافسة وجذب الإستثمار. نحن بحاجة الى إعتماد سياسية السوق المفتوح وخلق حالة من التنافسية "العادلة" التي تأخذ بنظر الجوانب الإجتماعية في السياسة الإقتصادية ال متبعه بحيث يتم الحفاظ الدائم على الطبقات الإجتماعية الوسطى والدنيا وتحقيق مستوى معيشي مريح لهم لانهم فعلياً العصب الرئيسي لأي إقتصاد منتج ومتين، هذه الطبقات تُنتج وتستهلك وتُحرّك عجلة الإقتصاد! هذا قد يتطلّب إعادة النظر في الإطار التشريعي والقانوني الذي يُنظم العلاقة بين مختلف مقومات وعناصر النشاط الإقتصادي والتي تشمل القطاع العام والقطاع الخاص والمؤسسات المالية والنقدية وكافة عناصر العرض والطلب. لا بدّ من خلق حالة توازن بين ضرورات الأمن الإقتصادي والإجتماعي وإقتصاد السوق في عدة جوانب إقتصادية وخصوصاً تلك التي لها آثاراً
إقتصاديةً مباشرةً على الأمن الإجتماعي.
أما كيفية تحقيق ذلك، فيكمن في تحقيق التوازن من خلال وجود التدخل الحكومي المُقنن لضبط إيقاع السوق وخلق أرضية إقتصادية للمنافسة المنطقية والحفاظ على آليات التوازن بين العرض والطلب للمحافظة على الطبقات الإجتماعية من ذوي الدخل المحدود ويحافظ على القوة الشرائية
2 لديهم. فمثلاً، الحكومة الأمريكية أنقذت صناعة السيارات لديها قبل عقد من الزمن ودعمته بملغ ( 21 ( مليار دولار وضخّت مليارات ) Tax Refund ( للمواطن الأمريكي من عائدات الضرائب لتحريك الإقتصاد! الأمر الآخر يتعلق بضرورة الإنتقال من التوجه الإقتصادي الذي يعتمد على الدعم المادي المباشر لفئات الطبقات الاجتماعية الوسطى والدنيا الى الإعتماد على منهجيات إقتصادية إنتاجية تُمكّنها من التنمية المُستدامة بالتركيز على المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي أثبتت نجاحها في تحقيق نمو وإستقرار إقتصادي كما هو الحال في المانيا الإتحادية وبريطانيا واليابان. أما الإستثمار، فهو محرك أساسي للتنمية من خلال التركيز على قطاعات إقتصادية يتم فيها خلق قيمة مُضافة مثل البنية التحتية والسياحة. كما أنني أقترح تأسيس ذراع إقتصادي للدولة
من خلال مؤسساتها العسكرية وشبه الحكومية لتوجيه إستثمارات فيها بحيث تكون رديف أساسي لتحقيق الأمن الإجتماعي والإقتصادي لفئات واسعة من المواطنين وبنفس الوقت تكون ذراع الدولة في الأوقات الصعبة مثل الإضرابات وأزمات الأوبئة والكوارث الطبيعية وضبط إيقاع القطاعات الهادفة للربح. فهذه القطاعات تشمل الأنشطة الإقتصادية ذات العلاقة بالأمن الإجتماعي والإقتصادي وأهمها صناعات الغذاء والدواء والزراعة والمياه والخدمات الطبية والتعليمية على أن يكون عنوانها القدرة على المنافسة والبقاء في السوق. وبنفس المسار نحن بحاجة الى الإستثمار في إعادة إنتاج طالب المدرسة ودعم مُعلّم من الطراز الأول وطيب ماهر ومهندس كفؤ وخريج جامعة جاهز لسوق العمل وتسهيل مهمة القطاع الخاص للمشاركة في التنمية الإقتصادية وتوجيه الإعلام لبناء منظومة مجتمعية جديدة. كما نحن بحاجة لدعم القطاع الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي.

فأزمة فايروس كورونا كشفت الحاجة ال ملحة لإعادة ترتيب الأولويات الإقتصادية والإجتماعية لدينا لأننا، المجتمع وبعض الحكومات، ركّزنا على القشور وتركنا الجوهر لبرهةً من الزمن. فمثلاً، جاهة لطلب يد عروس او حدث فني او ثقافي او برنامج غنائي كان يستأثر بنصيب إعلامي ومجتمعي أكثر من طبيب سجّل إنجاز طبي مميّز أو باحث أردني حقق إنجاز بحثي أو علمي
 مميّز أو رجل أمن حمى أرواحاً وجازف بروحه من أجلنا. فإذا وضع أحدهم بوست على إحدى وسائل التواصل الإجتماعي حول "نُكته" أو " مطربة" فستجد الكم الهائل من التعليقات والدعم، أما خبر إنجاز وطني أو قضية مجتمعية مهمة فإنها لا تستأثر بنفس الإهتمام، والشواهد كُثر! ففي أوقات الأزمات، مثل أزمة فايروس كورونا، الذي ضبط إيقاع الوطن هم قيادة جلالة الملك الحكيمة وأبطال الجيش ونشامى الأجهزة الأمنية والكوادر الطبية والتمريضية وال معلم وأستاذ الجامعة والجنود المجهولين في الميدان. أرجو أن لا ي فهم من كلامي التقليل من أهمية الكوادر والقطاعات الأخرى ولكن يموت الإنسان من المرض وقلة الدواء وليس شرط اً أن يموت إذا لم يأكل بينما سلاح كلاهما حماة الديار وإستمرارية التعليم. فمن وجهة نظر إستراتيجية وعندما نتتبع الأوقات الصعبة التي مررنا بها نستنج وبسهولة أن هذه القطاعات تُمثل أولوياتنا الإستراتيجية
لأنها أعمدة الإستقلال والتنمية المستدامة لنا وللأجيال القادمة بإذن الله.
حماك الله يا وطني
 
تابعو الأردن 24 على google news