الجامعات الأردنية إلى أين!
أ. د مأمون نديم عكروش
جو 24 :
الجامعات الوطنية الأردنية (الحكومية والخاصة) إستطاعت أن تحقق قفزات نوعية على مدار العقود الماضية وتحديداً منذ بداية صناعة التعليم العالي في منتصف الستينات من القرن الماضي في وطننا العزيز.
إن نظرة عميقة لواقع قطاع التعليم العالي تؤشر بوضوح على أن فلسفة التعليم العالي قد تغيرت تبعاً لتغيرات جوهرية وهيكلية في الدولة الأردنية وتحديداً منذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي عندما تم فتح الباب أمام القطاع الخاص للإستثمار في قطاع التعليم العالي وغلب عليه طابع البزنس وبنفس الوقت بدأت بعض الجامعات الحكومية بالتراجع النسبي بالتزامن مع حدوث توسع كبير في قطاع التعليم العالي عن طريق تأسيس المزيد من الجامعات الحكومية في عدة محافظات.
أنا لست ضد الإستثمار في قطاع التعليم العالي من قبل القطاع الخاص، على العكس تماماً، فإنني مؤيد قوي لإشراك القطاع الخاص للإستثمار في قطاع التعليم العالي. لكن، القاسم المشترك بين القطاعين العام والخاص أنه تم التوسع في التعليم العالي ومنح تراخيص جديدة لعدة جامعات في القطاعين وسٌمح بتكرار العديد من التخصصات على حساب الجودة والنوعية وضعف التنافسية وغياب التخطيط الاستراتيجي الهادف للتنمية.
النتيجة كانت وجود مُخرجات في العديد من التخصصات غير المطلوبة في السوق ترافق ذلك مع وجود ضعف واضح في منظومة المهارات والقدرات اللازمة وفقاً لمتطلبات سوق العمل سواء أكان المحلي او الإقليمي.
الأمر الآخر وجود ضعف واضح في هيكل وجوهر الحاكمية المؤسسية في العديد من مؤسسات التعليم العالي من حيث عدم واقعية التخطيط وضعف واضح في التنفيذ على المديين القصير والطويل. ماذا كانت النتيجة؟ الجواب، هروب العديد من الكفاءات خارج الوطن وبنفس الوقت رزحت العديد من الجامعات الحكومية تحت وطأة البيروقراطية في العديد من جامعات القطاع العام وتراجع دورها القيادي والتنموي.
أما بالنسبة لجامعات القطاع الخاص فقد رزحت تحت سندانة تحقيق الربح السريع على الرغم من الدور التنموي الايجابي لهذه الجامعات! النتيجة الكلية كانت إضعاف القدرة التنافسية لقطاع التعليم العالي وتراجع دوره التنموي والاقليمي والإستمرار في ضخ أعداد هائلة لسوق العمل أدت الى تراكم في العدد على حساب النوع.
لا شك ان هناك عدة جامعات وطنية خطت خطوات واسعة نحو تطوير خططها وتخصصاتها وأعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية من أجل الوصول الى مصاف الجامعات العالميةلا بل بعضها إستطاع تحقيق إعتمادات دولية لكليات وتخصصات لديها. لكن القطاع بحاجة لجراحة عاجلة لمعالجة الإختلالات الموجودة فيه مع الأخذ بنظر الإعتبار الأبعاد الإجتماعية والإقتصادية لكل منطقة توجد فيها جامعة سواء أكانت جامعة حكومية أم خاصة.
فمن وجهة نظر وطنية تنموية بحته، البداية لا بد ان تكون من خلال إعادة النظر بممارسات الحاكمية المؤسسية الحالية والعمل على إعادة هيكلة العديد من الجامعات بناءً على متطلبات سوق العمل والتنمية المستدامة وصولاً لمصطلح الجامعات "الرشيقة" القادرة على التكيف والتأقلم مع متطلبات العصر. ثم لا بد من المبادرة الى تشجيع الاندماج بين الجامعات في القطاعين من أجل تكوين حاضنات بحثية وأخرى تدريسية قادرة على المنافسة والبقاء على المدى الطويل والتخفيف من إزدواجية وتكرار التخصصات المستهلكة وغير المرغوبة في السوق.
الخطوة الأستراتيجية الأخرى تكمن في رفع جودة التعليم والبحث العلمي والتشبيك مع الصناعة وفقاً لنظرة إستراتيجية عميقة قوامها الحصول على الإعتماد الدولي لكل تخصص في الجامعات. فالاعتماد الدولي هو النتيجة الحتمية للتخطيط الاستراتيجي السليم والشهادة الدولية العابرة للقارات التي يمكن ان تصل بجامعاتنا نحو العالمية وبعد ذلك لا يجرؤ أي بلد على المساس عليها الا بوجود أسباب تستدعي ذلك.
الشراكات بين القطاعين العام والخاص ضمن ضوابط محددة يشكل حلاً نوعياً آخراً قد يساهم في تطوير قطاع التعليم العالي لدينا. في نهاية المطاف، إذا لم يتم الإستثمار الجدّي طويل الأجل في أعضاء الهيئة التدريسية كمحور لتطوير الجامعات سنبقى نراود مكاننا. والله من وراء القصد.