إستراتيجية التعليم الألكتروني
أ. د مأمون نديم عكروش
جو 24 :
في عام 2014 تقدّمت بمقترح تحويل 30% من مساقات التعليم التقليدي لتكون إلكترونية لكن المٌقترح لم يٌكتب له الحياة! الآن إنتهى الجدل الذي كان قائماً حول التعليم الإلكتروني سواء أكان في التعليم المدرسي أم الجامعي أم في صناعة التدريب. أزمة فايروس كورونا كشفت بشكل جليّ أن المؤسسات التعليمية الجامعية التي كان لديها خططاً إستراتيجيةً واضحة المعالم كانت الأسرع والأكفأ والأفضل في الإستجابة للأزمة الحالية وإستطاعت التكيّف سريعاً لمتطلباتها وخفضت خسائرها الى أقل حدّ وتمكّنت من الإستمرار في أعمالها بشكل شبه إعتيادي. فالتعليم الإلكتروني لا يتوقف عند إجراء عملية الإتصال المباشر وربط أستاذ الجامعة مع الطلبة والتفاعل من أجل توصيل المعلومة من خلال منصات التكنولوجيا المتعددة! التعليم الإلكتروني يحتاج الى عملية تخطيط إستراتيجي متقدم لمستقبل المؤسسة الجامعية وإتخاذ قرارات إستراتيجية قيادية مبنية على قراءة فريدة لمستقبل الجامعة إستناداً الى تفكير مستقبلي خلاّق يؤدي الى إتخاذ قرارات إستراتيجية لما سيكون عليه توجه الجامعة على المدى البعيد. فالمسألة لا تتعلق بالتعامل مع التعليم الإلكتروني "كبدعة عابرة" (Fad) نظراً للأزمة الحالية، وإنما التعليم الإلكتروني هو توجه (Trend) تم ممارستة لما يزيد عن عقدين من الزمن في أعرق الجامعات في العالم. فالقضية الأساسية لا تتعلق بإستخدام التكنولوجيا المتقدمة في العملية التعليمية فقط وإنما بناء توجه إستراتيجي واضح المعالم حول مستقبل التعليم الإلكتروني في الجامعة. فمثلاً، هل ترغب الجامعة بعملية إحلال تدريجي للتخصصات الحالية التي يتم تدريسها من خلال التعليم التقليدي (Traditional Education) الى التعليم الإلكتروني (Online Education)؟ أم هل ترغب الجامعة في مزج التعليم التقليدي مع الإلكتروني من خلال ما يسمى بالتعليم المٌختلط (Blended Education)؟ أم المطلوب العمل على تطوير برامج للتعليم الإلكتروني منفصلة عن البرامج الحالية وتستهدف فئات مٌحددة من الطلبة؟ هذه الخيارات الإستراتيجية المتاحة أمام الجامعات التي تُخطط للمستقبل في ضوء التغيّرات الحالية والمستقبلية. فالتخطيط الإستراتيجي للتعليم الإلكتروني يتطلّب العمل يداً بيد من عدة جهات رئيسية ذات العلاقة بالموضوع (Key Stakeholders Analysis). فمثلاً، التعليم الإلكتروني يتطلب العمل الدؤوب على مستوى سياسة وإستراتيجية التعليم العالي والإلكتروني على مستوى المؤسسات الناظمة للتعليم الجامعي مثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهيئة إعتماد مؤسسات التعليم العالي وضبط جودتها وصولاً للجامعات الوطنية بحيث يكون هناك توافق وطني حول الموضوع.
أما على مستوى الجامعات فإن الأمر يتطلب إجراء إستدارة إستراتيجية (Turnaround Strategic) لديها بحيث تحافظ على أساسيات التعليم الجامعي وبنفس الوقت مواكبة تكنولوجيا العصر في التعليم الجامعي. فالتعليم الإلكتروني يتطلب بٌنية تحتية مٌختلفة من التفكير الإستراتيجي وإعداد بنية تحتية من التكنولوجيا الحديثة وأعداد إستراتيجية تطوير تطوير الموارد البشرية ثم بعد ذلك بناء أنظمة ضبط الجودة والإعتماد بما يتوافق مع ذلك. فنحن نتحدث عن تعليم الكتروني تفاعلي يعمل على خلق بيئة جامعية تفاعلية من خلال بوصلة إستراتيجية محورها أستاذ الجامعة والطالب والتكنولوجيا بالتركيز على منظور مميّز لضبط الجودة والإعتماد بحيث يتم تقديم منتج تعليمي إلكتروني مميز (A Distinguished Online Educational Product) قادر على المنافسة وتحقيق مكانة مميزة للجامعة محلياً وإقليمياً ودولياً. بالطبع هناك كمّ هائل من التفاصيل الفنية والإدارية والتكنولوجية والمالية التي تحتاج لعمل دؤوب ولكنها ممكنة في حال كانت الرؤية الإستراتيجية واضحة المعالم. فمثلاً من التحديات تحديد الرسوم الجامعية، ثقافة المجتمع، المنافسة وقدرة العنصر البشري في الجامعات على القيام بذلك. وهناك مٌحدد نجاح رئيسي وهو إجراء عملية ريط ذكية (Smart Mapping Process) بين البرامح الممكن طرحها الكترونياً وأهداف كل برنامح وتحقيق النتائج المتوقعة منه (Intended Learning Outcomes) وربطها بإستراتيجيات وأساليب وتقنيات ضبط الجودة وتحقيق الإعتماد بما ينعكس على تخريج طالب مميّز يتمتع بمجموعة من المهارات والقدرات المميّزة التي يتطلّبها سوق العمل.
أعلم تماماً أن الموضوع كبير وبحاجة ماسة الى عقلية الشراكات والتشاركية بين عدة أطراف ومنها نظام التعليم المدرسي والقطاع الخاص وإستراتيجية تنمية الموارد البشرية وأهداف التنمية الإقتصادية المرجوة ولكن قد يكون مٌحرّك للتقدم في بلدنا العزيز. كما أن التعليم الإلكتروني قد لا يكون ملائماً لكافة التخصصات والحقول المعرفية بنفس الوتيرة ولكن يمكن الإستفادة منه بالحد الأقصى في كل تخصص وحقل معرفة يدور في فلك الجامعة. أيضاً، التعليم الإلكتروني قد يحقق وفورات إقتصادية ومالية ويمكن أن يكون الأردن المركز الرئيسي في المنطقة للتعليم الإلكتروني بسواعد وعقول أردنية.
والله وليّ التوفيق والفلاح.