jo24_banner
jo24_banner

مؤسسات الأعمال الى أين؟

أ. د مأمون نديم عكروش
جو 24 :
عالم الأعمال تغيّر الى غير رجعه بعد أزمة جائحة فايروس كورونا وعلينا أن نختار إمّا التكّيف والنجاة أو الإضمحلال ونراكم الخسائر، الخيار لنا! بغض النظر عن أسباب الجائحة ومن هو الرابح او الخاسر، وخصوصاً على المستوى الدولي، نحن نعيش في أزمة إقتصادية عالمية وإقليمية غير مسبوقة بسبب عدو غير مرئي وغير مألوف. الحلّ الجذري للجائحة أن يتم تطوير علاج للفايروس أو لقاح للوقاية منه. ولكن حتى لو تم ذلك في القريب العاجل، التغيير حدث واًصبح واقع نعيشه وحدث ضرر كبير في الإقتصاد العالمي، حيث أننا في مرحلة متقدمة من التراجع الإقتصادي (Recession) وقريباً سندخل في مرحلة الركود الإقتصادي (Stagnation) وإذا لم يحدث تدخلّ جراحي عالمي بشكل سريع ومتعاون سيدخل العالم في مرحلة كساد كبير (Great Depression) قد يكون أسوأ من الكساد الكبير الذي حدث عام 1929! هذا التسلسل قد يحدث قبل نهاية العام الحالي وسيكون له تداعيات إقتصادية عالمية وإقليمية ستؤثر حتماً على الإستقرار السياسي في العديد من دول العالم. فقد يحدث إنهيار في أنظمة إقتصادية وإنخفاض في سعر صرف العملات وتضخم كبير وخروج الأمر عن السيطرة لتصل الأمور الى حدوث حروب لتفريغ الأزمة وتحريك الإقتصاد لأن بعض الدول العظمى لن تسمح بإنهيار أنظمتها الإقتصادية!
السؤال المنطقي، ماذا يمكن أن تفعل مؤسسات الأعمال في الأردن؟ في البداية لا بدّ من الإشارة الى أن العديد من الإجراءات المالية والنقدية التي أتخذتها الحكومة والبنك المركزي والجهاز المصرفي تسير في الإتجاه السليم وتؤسس لمرحلة جيدة لبداية التعامل مع الأزمة الإقتصادية في الأردن. بصراحة، ضخ سيولة في السوق والمساعدات النقدية المباشرة وتأجيل الديون وإعادة جدولة الأقساط يشكل خطوات مهمّة للتأسيس لمرحلة جادة لتعافي الإقتصاد الوطني ولكن هذه الإجراءات تحتاج الى رديف من مؤسسات الأعمال. فهناك دور محوري يجب أن تقوم به مٌختلف مؤسسات الأعمال من أجل تنشيط الإقتصاد ودفعه نحو الأمام من خلال التفكير المُبدع والخلاق.
نظراً لعدم توفر ترف الوقت، أعتقد أن مؤسسات الأعمال، في القطاعين العام والخاص، بحاجة ماسة وفورية الى إتخاذ الخطوات التالية:
أولاً: وجوب تبنّي التخطيط الإستراتيجي الديناميكي (Dynamic Strategic Planning) ليتم من خلاله تطوير إستراتيجيات أعمال تنافسية (Competitive Business Strategies) على أن يٌصاحب كل إستراتيجية سيناريوهات متفائلة وأخرى متشائمة للتعامل مع المرحلة القادمة، حيث لا مجال للإنتظار. لابدّ من ترسيخ: جهّز مؤسستك الآن لمستقبل أفضل (Prepare your Business for a Better Future) أفضل وقت لذلك الأزمات. إصنع قراراتك الآن!
ثانياً: تشكيل فريق إدارة أزمات ومخاطر في كل مؤسسة أعمال لوضع تصورات للأزمات والمخاطر المٌحتملة ووضع سياسات وآليات يٌمكن إستخدامها عند الضرورة.
ثالثاً: الإنتقال من الإعتماد على التنبؤ المالي القائم على الايرادات والتكاليف لصالح الإعتماد على النماذج المالية المقرونة بتحليل الحساسية (Financial Modelling & Sensitivity Analysis) لمؤسسات الأعمال لتحديد البدائل المالية لدى كل مؤسسة أعمال وتحصينها لمواجهة المستقبل بحيث تتجنّب خيار الإفلاس أو إعادة الهيكلة وتخفيض حجم العمل.
رابعاً: أعادة النظر بإستراتيجيات الموارد البشرية بحيث يتم الإنتقال من مرحلة الحضور الإجباري لمؤسسة الأعمال والإنصراف منها الى مرحلة العمل عن بُعد ما دام أن هذا موجه بالأهداف (Results-Oriented HRM) وحيثما كان ذلك ممكناً ووفقاً لطبيعة العمل. هذا التحوّل يؤدي عادةً لتخفيض التكاليف التشغيلية وتحسين الانتاجية إذا أُحسن إستخدامة.
خامساً: إجراء تحليل فوري ودقيق لسلسلة القيمة (Value Chain Analysis) التي تتبعها كل مؤسسة أعمال في ضوء الإجراءات الجديدة التي يتم فرضها في العالم والتي ستؤدي حتماً الى تغييرات جذرية في إدارة سلسلة التزويد (Supply Chain Management) في الأسواق العالمية والإقليمية والمحلية على حدِ سواء. هذه التغييرات ستؤثر على نماذج التنبؤ في المبيعات والطلب والعرض وهيكل التكلفة والإستراتيجيات التسعيرية والوصول الى الأسواق في الأوقات المناسبة.
سادساً: تغيّر الأنماط الإستهلاكية، سيكون هناك تغيّر جذري في الأنماط الشرائية والإستهلاكية للمستهلك بحيث يتم التركيز على منتجات العناية الشخصية والنظافة والإهتمام بالحدّ الأدنى من الجودة وسيحدث تغييرات جوهرية في أنماط التسوّق لدى المستهلك. وهذا يعني وجود فرص عمل كبيرة كانت متواضعة سابقاً وفتح المجال لأعمال جديدة.
سابعاً: إستخدام مٌكثف للتكنولوجيا، هناك تغيّر جوهري في أنماط التسوّق والتزويد والعرض والطلب بحيث سيتم التسوّق والتزويد عن بُعد (Online Shopping) أو التسوّق عبر تطبيقات الهاتف المُتنقل (Mobile Shopping via Applications). هذا يتطلّب العمل الفوري على تأسيس او تعزيز القاعدة التكنولوجية في كل مؤؤسة أعمال والبدء بإستخدام إنترنت الأشياء (Internet of Things) والذكاء الأصطناعي (Artificial Intelligence) بناءً على فهم عميق لعمليات (Processes) التسويق والإدارة الحديثة. هذا يحتاج الى تطبيق مكثف لعلم البيانات الضخمة (Big Data Science) في عمليات التخطط وإتخاذ القرارات بدلاً من الطرق التقليدية.
ثامناً: تطوير إستراتيجيات تسويقية تنافسية (Competitive Marketing Strategies) يكون جوهرها محفظة منتجات (Product Portfolio) مرغوبة في السوق والقدرة على التسعير الديناميكي (Dynamic Pricing) وفقاً لتطورات السوق وتغيّراته والتواجد حيثما يكون المستهلك (Convenience) وإستراتيجيات إتصال وترويج غير تقليدية (Marketing Communications) لضمان إستمرارية العمل.
تاسعاً: إن تسريح العمال والموظفين الفوري سُيخفّض التكلفة على المدى القصير ولكن لن يحل المٌشكلة على المدى الطويل. لا بدّ من التفكير بحلول غير تقليدية بالتشارك والتعاون والتنسيق مع مؤسسات الدولة المٌختلفة. البوادر إيجابية كونه يوجد إدراك كامل للمشكلة الإقتصادية على أعلى المستويات في الدولة وسيكون هناك دعم وتسهيل لمهمة مؤسسات الأعمال من أجل إستقرار الإقتصاد وتنشيطه.
عاشراً: نظراً لإختلاف حجم وطبيعة عمل مؤسسات الأعمال يٌمكن لكل مؤسسة العمل على إحداث تغيير تدريجي لأنماط ووسائل الإنتاج وتقديم الخدمات والبحث والتطويرواللوجستيات وفقاً لحاجات السوق ومتطلبات العمل واولويات وقدرات الإدارة بما يضمن إستمرارية المؤسسة ونجاحها.
حادي عشر: التنفيذ الفعلي للإستراتيجيات والأنشطة المذكورة على أرض الواقع بحيث يكون لكل مؤسسة أعمال أنموذج العمل الخاص بها (Business Model) وفقاً لظروفها الخارجية والداخلية والتنافسية والذي يضمن للمؤسسة تجاوز تداعيات الأزمة والإستمرار مستقبلاً!
ثاني عشر: السيولة والديون. مؤسسات الأعمال التي لديها سيولة أو ديون منخفضة ستكون أقدر على مجابهة الأزمة وتداعياتها، حيث إذا كان لديها تخطيط إستراتيجي فستكون الأقدر على مواجهه الأزمة وتصبح أقوى من السابق. أما مؤسسات الأعمال التي عليها إلتزامات مالية كبيرة (ديون) فإنها سوف تعاني من شُحّ السيولة نظراً لتوقف العمل مؤقتاً وإنخفاض المبيعات مما يتطلب تدخل جراحي من قبل الدائنين بدعم وإسناد من مؤسسات الحكومة المالية والمصرفية بحيث يتم توفير حُزم إنقاذ لها. بخلاف ذلك سيكون البديل تسريح العمال والموظفين ومواجهة حالات إفلاس وتزداد المشكلة الإقتصادية تعقيداً.
ثالث عشر: يوجد فرص سوقية في الإقتصاد الوطني نظراً لتوقف العديد من أنشطة التجارة الدولية. أزمة فايروس كورونا كشف حاجة مؤسسات الأعمال للتركيز على تمييز علاماتها التجارية (Branding) في السوق الوطني وتوسيع أنشطتها فيه. وهنا تبرز الحاجة لدور الدولة في دعم مؤسسات الأعمال من حيث تخفيض الضرائب عليها ودعمها بحزمة حوافز إقتصادية لتشجيعها على توسيع نطاق عملها في الأسواق الداخلية والخارجية.
رابع عشر: التفكير الإيجابي والدروس المٌستفادة من الأزمة هما مفتاح الحلول المستقبلية وتقليل آثارها السلبية من خلال إتباع إستراتيجية التكيّف معها (Adaptation Strategy).
والله ولي التوفيق، حماكم الله جميعاً.

تابعو الأردن 24 على google news