سوريا تشهد حربا كونية
تعاطفنا بداية مع الإنتفاضة السورية لعدة اسباب منها،الرغبة الدفينة الملحة في التغيير،وظنا منا أن "الربيع العربي"سيزهر ورودا عربية ،لكنه صدمنا ووجدناه يزهر أمريكيا وإسرائيليا ،وكنا كالزوج المخدوع آخر من يعلم.
إتضحت الصورة عن طريق عدة أشكال ومواضيع ،منها أن الشعب السوري أصبح في آخر سلم المقاومين للنظام،فها هم اللاجئون السوريون يملأون الفراغات الأرضية التي أعدت لهم بعناية فائقة،فمواطنو إدلب التابعين لحلب والقريبين من تركيا نراهم في الأردن،مع أن المنطق يقول أن مكان لجوء هؤلاء هو تركيا وليس الأردن.
ما يجري في سوريا بحق هو حرب كونية يشارك فيها الجميع ،فالغرب يدعم بالتصريحات ويمد بالأسلحة ويعمل على تهييج الموقف ، وعنوان المرحلة هو الأسلحة الكيماوية،وقد إنقسم العالم إلى قسمين ،الأول مع النظام في سوريا والثاني ضده ،لكن الضباب ما يزال يخيم على الموقف،وها نحن نرصد التصريحات السياسية العربية والأجنبية ،ونرقب ما يحدث على الأرض بعد زيارة الرئيس الأمريكي أوباما إلى المنطقة وزيارة عدد من قادة المنطقة إلى واشنطن،وعقد قمم مع الرئيس اوباما لم يقيض لنا معرفة ما دار في المحادثات .
الشعب السوري متدين بطبعه ،وقد دخل دائرة العلمانية مكرها ،ومع ذلك وجدنا الطابع الديني يغلف إنتفاضته،لكن الأمر المحير هو أن الإسلاميين في كل انحاء المعمورة إستنفروا خفافا وثقالا ونفروا إلى سوريا للقتال ضد النظام السوري.
السلفيون السلطيون مثلا في الأردن ،جيشوا أنفسهم وهبوا ل"نجدة " الشعب السوري،علما ان القدس لا تبعد عن السلط كثيرا ومع ذلك لم يخطر ببالهم أنها ما تزال تحت الإحتلال وأنها تحت التهويد وأن أقصاها قيد الهدم.
الإسلاميون في الشيشان وأوروبا تركوا نعيم الغرب و"جهادهم " هناك،وتوجهوا إلى سوريا حاملين غضبات لم تنل القدس حتى أمل التفكير بها ،وكذلك سلفيو المغرب العربي وفي المقدمة تونس التي خلعت أحد وكلاء إسرائيل في شمال أفريقيا وهو بن علي،وأغرب ما سمعناه أنهم وظفوا الفتاوى لصالحهم ،وأصدروا فتوى لم أسمع بها من قبل وهي فتوى "نكاح الجهاد" .
هذه الفتوى تجيز للمرأة المسلمة أن تسافر إلى سوريا لتهب نفسها ل"الثوار"،كما تجيز لمن يسير على نفس النهج أن يطلق زوجته لتسافر وتهب نفسها إلى " الثوار"،وتعينهم على الإستمرار.
سلفيو لبنان سجلوا درجة عليا من الإستنفار ،ونفروا بأسلحتهم وعقيدتهم ،إلى إقليم القصير في سوريا ،وهم يضعون نصب أعينهم مواجهة حزب الله.
لا أظن أن الأمور تقاس هكذا،فهذا الإستنفار المنظم إنما هو تنفيذ لأجندة خارجية عقابا ،لأن النظام السوري لم يذعن لطلب إعلان الطلاق البائن بينونة كبرى بينه وبين كل من إيران وحزب الله في سوريا.
هذه النقطة وبالتحديد تجبر كل صاحب عقل نقدي منطقي أن يحترم هذا النظام ،مع إختلافنا معه في أمور تتعلق بالمواجهة مع إسرائيل.
لو أنه كانت هناك معارضة فعلية ذات برامج سياسية وإجتماعية مدروسة
وتتضمن جدولا للأعمال في اليوم التالي لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن في سوريا.
وإستنادا إلى ما تقدم من عرض غير منحاز ،فإنني أقول أن ما يحدث في سوريا لا يرتقي إلى مستوى الثورة بل هو عبث دفع وسيستمر الشعب السوري مرغما في دفع ثمنه ،لأن الأمور خرجت من أيادي الجميع الذين باتوا رهينة لمن يقرر ويمول.
العبث في سوريا يتحمل مسؤوليته الجميع ،وقد أتى على سوريا التي وصلت إلى مرحلة الإكتفاء الذاتي،رغم أن هناك من إختطفها لكن ذلك سببه عدم تفعيل التعددية وتبادل السلطة السلمي.
هناك من يقول أن كلفة إعادة إعمار سوريا حتى يومنا هذا تبلغ 138 مليار دولار،مع أن الأوضاع لم تهدأ،والحبل على الجرار ،والعبث مستمر وبالتالي فإن دائرة العنف والدمار تتسع .
الأغرب والأخطر من ذلك هو عبث من نوع آخر،إنه المتاجرة بحرائر الشام ،وهذا دليل كاف على نوايا من يخطط وينفذ ما يجري على أرض الواقع في سوريا.
لا أحد يدري ما السيناريو المرسوم لسوريا ،فكل الإحتمالات واردة ،فهناك قراءتان لكل تصريح أو خبر،الأولى قراءة أحرفه على الشاشة أو على الورق أو سماع أحرفه من خلال الأثير،أما القراءة الثانية وهي الصحيحة على كل حال ،فإنها مراقبة ومتابعة ما يجري على أرض الواقع على حدود سوريا هنا وهناك،لأن ذلك هو جهينة التي ستقطع قول كل خطيب.
يحزفي انفسنا ما يجري في سوريا من قتل وتدمير وعبث ومتاجرة بالحرائر،ويحز في أنفسنا اكثر أن البعض إستخدم سلفيته للكسب الحرام وأفتى وإستنفر لكن ليس للجهاد في فلسطين بل في سوريا .