أمننا التربوي في خطر يا دولة الرئيس
لقد باتت الكتابة معاناة والما بعد أن عجزت مئات المقالات وعشرات الكتب والندوات والمؤتمرات أن تعطي نتيجة لمواجهة موجات الجنون والعنف التي أخذت تستشري في جامعاتنا في مسلسل درامي لا يتوقف وعندما يقع الفأس بالرأس تتحرك الجاهات لأخذ الخواطروتهدئة النفوس ووأد الفتنة التي تطل برأسها من وقت لآخر منعا لامتداد الخطر وتهديد الأمن الاجتماعي للناس. أتساءل هنا وعلى مدى السنوات الخمس الماضية كم جاهة توجهت لأخذ هذه الخواطر لتعالج مشكلة حصلت بين مجموعات من الطلبة مستهترة بأعرافنا الاكاديمية وتقاليد العشيرة النبيلة التي تدعو للاخاء والتسامح ولكنها انقلبت فيها الموازين على عقب فأصبحت تأخذ طابع العصبية العمياء والجاهلية الجهلاء وتركنا الساحة للبلهاء والمتهورين والموتورين ليقودنا جنونهم الى نفق مظلم لانعرف له حدا أو مدى وأنطبق على حالنا القول المأثور "مجنون رمى حجر في بير ... مية عاقل ما بطلعه" ... ان هذا البئر ليس لواحد بعينه فهو لنا جميعا والكل يشرب منه ولا يجوز بحال من الاحوال السماح للمجانين والسفهاء ومثيري الفتنة في تعكير صفاء مياه هذا البئر وتلويثها.
نعم يا سادتي لقد ذهبنا بمؤسساتنا التعليمية الى منعطف خطير وأصبح الامن التربوي والتعليمي يا دولة الرئيس في خطر فهل نحن قادرون على اعادة الهيبة لأمننا التربوي والتعليمي الذي هو جزء لا يتجزأ من منظومة أمننا الشامل؟ نعم يا دولة الرئيس انني أطالب كأكاديمي وغيري الكثيرون من العاملين في العمل الاكاديمي والجامعات أن نعيد لمؤسساتنا هيبتها بفرض سلطة القانون واحترام سيادة الدولة الاردنية كما وعدت لان الحلول الجزئيية وعمليات الترقيع لم تعد تجدي نفعا فلا جاهات تفيد وتحل المشكلة من جذورها مع احترامي لجهودها الخيّرة في ظل غياب هيبة الدولة وسلطة القانون ... حيث ترك الامر في الشارع للزعران دون أن نجد من يردعهم عن زعرنتهم ... وتركت الامور في الجامعات لمجموعات من بعض الطلبة دخلوا الجامعات وآخر شيء يفكرون به هو تلقي المعرفة والعلم وهم يستعرضون ممراتها بعضلاتهم المفتولة وانحدارهم القيمي والسلوكي وانغلاقهم الفكري باسم الحرية الشخصية التي هي الفوضى والعبثية والاستهتار بعينها.
ما حدث في جامعة أغلى الرجال (جامعة الحسين) أغضبنا وآلمنا جميعا واوجع قلوبنا وادمع عيوننا، وقبل ذلك ما حدث في مؤتة واليرموك وجرش وغيرها حيث أصبحت ساحات هذه الجامعات داحسا والغبراء تغزونا من جديد وتهدد أمننا التربوي والتعليمي وتهدد بسقوط ذريع لمنظومتنا التريوية والتعليمية والقيمية لا قدر الله.... ويحضرني هنا قول ذلك الفيلسوف الذي رأى الفوضى تنهش في جسد وطنه فخرج من شباك شرفته مخاطبا الناس في جملة واحدة ومختصرة قائلا: أيها الناس (اذا سقط العالِم "بكسر اللام".... سقط العالَم "بفتح اللام")... نعم يا دولة الرئيس لقد فقد المعلم في مدارسنا هيبته ولا يوجد له سند يحمية ... ولقد اصبح الاستاذ الجامعي يتعرض لمواقف غير مقبولة من اعتداء عليه في داخل الحرم الجامعي والكل سمع ماحدث من مواقف حصلت لبعض الاساتذة في بعض الجامعات من قبل بعض الطلبة وصلت الى التهديد الجسدي واللفظي وهذا مؤشر خطر يجب التوقف عنده لانه يمس هيبة الجسم الاكاديمي برمته.
يادولة الرئيس وانتم الحريصون والمسؤولون عن ذلك أعيدوا لمؤسساتنا هيبتها بسلطة القانون وأعيدوا لمنظومتنا التعليمية والتربوية هيبتها ونضارتها والحلول كثيرة ضمن استراتيجية عمل وبناء تراكمي مستمر بدءا من الروضة وانتهاء بالتعليم الجامعي وتحت اشراف مجلس كفؤ يضم خيرة الخيرة من ابناء هذا الوطن الذين يراقبون المشهد بألم ويخافون على مستقبل هذا البلد لوضع حلول عملية بعيدا عن التنظير والتسويف وباشراف مباشر من دولتكم... مجلس يضم متخصصين وبيوت خبرة لم تلوثهم الحياة وكانوا من القابضين على حب هذا الوطن قولا وعملا ... يضم متخصصين في مختلف المجالات والتخصصات (علم الاجتماع، التربية والتعليم، القانون، الامن، السياسة، الاقتصاد، الدين) وأسمحوا لي أن أذكر بعض الحلول:
1. الاستثمار الحقيقي في التعليم الحكومي الذي لا يهدف الى الربح المادي ولكن الذي يسعى الى تربية النشء تربية قويمة سليمة تستند على ارضية علمية سليمة ولها هوية واضحة تعزز الالتزام بتعاليم ديننا الاسلامي العظيم التي ترفض التعصب والانغلاق ويكون ذلك عن طريق المدرسة والمسجد لتعزز الانتماء الحقيقي للوطن والولاء لقيادتنا الهاشمية حيث أن هذه القيم أصبحت مشوشة في أذهان الاجيال التي تتقاذفهم امواج التغيير دون بوصلة حقيقية وهوية واضحة تخدمهم وتخدم مستقبل الوطن الذي هو اكبر منا جميعا. ولتحقيق ذلك يجب التركيز على ايفاد المتميزين في امتحان الثانوية العامة الى الجامعات في مختلف التخصصات التعليمية، وطرح برنامج وطني تحت مسمى (معلمو المستقبل) على غرار برنامج قضاة المستقبل الذي تبنته وزارة العدل قبل سنوات، مع اعطائهم امتيازات مادية ومعنوية كالطبيب والمهندس تقديرا لتميزهم.
2. الاستفادة من تجارب الدول الناجحة ولنأخذ تجربة ماليزيا يا دولة الرئيس التي استثمرت في التعليم الحكومي وليس الخاص وانفقت عليه الكثير ضمن معايير وضوابط في اختيار المبدعين والمتميزين ليكونوا المعلمين والاساتذة الذين يعلمون النشء في مختلف مراحل التعليم الالزامي والثانوي ونجد نماذج من طلبتهم حيث تضم جامعاتنا الاردنية عددا كبيرا منهم فهم ملتزمون وجادون ومتميزون في دراستهم وراقون في تصرفاتهم وسلوكياتهم.
3. وقف النجاح التلقائي في مداراسنا واعادة للمعلم هيبته وحمايته لان مدارسنا يا دولة الرئيس بسبب غياب حماية المعلم وبسبب النجاح التلقائي أثركل ذلك على سلوكيات النشء فأصبح متمردا على سلطة المدرسة وامتد ذلك الى البيت هذا بالاضافة الى تخريج ارباع وانصاف المتعلمين الذين لا يجيدون الاملاء والقراءة والكتابة والأكثر ألما أن نجد الكثيرين من طلبة بعض المدارس يتسكعون في الشوارع خلال ساعات الصباح ولا يحضرون حصصهم المدرسية وخصصوصا مدارس الذكور.
4. اعادة امتحان المترك القديم لمدارسنا ليشعر الطالب أن اجتياز النجاح ليس بالأمر السهل مما يولّد الاحساس بالمسؤولية والدراسة الجادة وان توضع معدلات خاصه لتصنيفهم حسب فروع الدراسة العلمية والادبية والمهنية.
5. التركيز على التعليم المهني في المدارس ليتم تهيئتهم مستقبلا نحو دراسة التعليم المهني المتوسط ليكونوا رافدا لدعم العمالة في مختلف المجالات المهنية ولاستبدالهم محل العمالة الوافدة أولا بأول ضمن استراتيجية عمل تتم بالتنسيق ما بين وزارتي التربية والتعليم ووزارة العمل وربما يكون أحد الحلول التي قد تسهم في التقليل من نسب البطالة مستقبلا.
6. اعادة خدمة العلم الوطني لان خدمة العلم مدرسة حقيقية حيث كان لي شرف تأدية هذه الخدمة كما أداها الكثيرون التي تعلم قيمة الحياة الحقيقة من تحمل الصعاب والارادة والعزيمة وحب الوطن والانتماء له والدفاع عن ترابه وهذه قيم تربوية عملية من الاولى أن يتم غرسها في نفوس ابنائنا وممارستها سلوكا مما يشكل تحصينا لهم تجاه كل التيارات التي تقذف بهم هنا وهناك. وانا اؤمن ان الانسان يتعلم كثيرا من مدرسة الغربة ومدرسة العسكرية حيث النظام والالتزام واحترام الوقت والقوانين والمساءلة والمسؤولية.
7. عمل برامج عمل اجبارية لطلبة الجامعة كمتطلبات للتخرج تخدم المجتمع بشكل حقيقي في مختلف المجالات. وهذا أيضا لطلبة المدارس خلال العطلة الصيفية وكلنا يذكر معسكرات الحسين للعمل والبناء التي كانت تقيمها وزارة التربية والتعليم خلال العطلة الصيفية لطلبة المدارس وتستثمرها بطريقة فاعلة وبذلك نكون قد قللنا من بيئة العنف والانزلاقات الاخلاقية والسلوكية والتفحيط في الشوارع باسلوب مرعب ومخيف.
8. وجود أمن جامعي حقيقي ومثقف ومسؤول ومدرب أو شرطة جامعية في جامعاتنا - كما اقترح زميلنا الاستاذ الدكتور خليف الطراونه رئيس الجامعة الاردنية- ولديها صلاحيات تحفظ للحرم الجامعي حرمته.
9. اشغال الطلبة في اجراء بحوث حقيقية تعوده على الاتصال بالكتاب والمكتية، لاننا نلاحظ وللاسف في الكثير من جامعاتنا أن الطلبة يضيعون الكثير من اوقاتهم في أمور تافهة ليست ذات قيمة قد تكون سببا من أسباب العنف.
10. عدم السماح للمقاهي والنوادي الليلية بفتح ابوابها لساعات متأخرة من الليل بحجة الاستثمار المادي دون أخذ الجوانب الاجتماعية وانعكاساتها المدمرة فالكل يسمع ويرى مدى تأثير ذلك على أخلاقياتنا وقيمنا وخروج مظاهر للتطرف الاخلاقي في مجموعات لا تمت الى دين أو عرف بصلة.
11. اعادة الامان الاجتماعي للناس في المدن والقرى والمخيمات باعادة شرطة الاداب العامة وهذا لا يتعارض مع حقوق الانسان الذي تنادي به بعض الجمعيات التي وجد قسم من الخارجين عن عاداتنا وقيمنا اللجوء اليها.
عزيزي دولة الرئيس وانت المعلم والتربوي ورجل الاقتصاد أرجوك أن تركز على هذا المحور الهام وهو الاستثمار الحقيقي في التربية والتعليم الذي يراعي البعد البنائي للمجتمع وعلى مراحل وان كان ذلك مكلفا لان النتيجة ستؤتي أكلها خلال عقد أو عقدين من الزمن... وابدأ يا دولة الرئيس من الآن تحث الخطى وبدون تأجيل في معالجة الخلل الذي يكمن في مفاهيم التربية والتعليم فهزيمتنا يادولة الرئيس هي هزيمة تربوية بامتياز واعتقد أنك تدرس التاريخ جيدا فأنت خريج الجامعات الفرنسية واعتقد كذلك أن الاجابة عندكم عن سبب هزيمة فرنسا في حرب السنوات السبع أمام بريطانيا، عندما خرج وزير الثقافة والتعليم آنذاك مخاطبا الفرنسيين معتذرا ومعترفا لهم بان سبب الهزيمة لم يكن عسكريا ولكن كانت هزيمة ثقافية وتربوية فتم مراجعة منظومة القيم الثقافية والتربوية والتعليمية الفرنسية ووضعت الاستراتيجيات الفاعلة والصادقة التي وضعت فرنسا على المحك وكان لها النهضة والتقدم.
فهل نبدأ في هذا المشروع الوطني الحقيقي وعلى مراحل الذي يخدم مستقبل وطننا وابناءنا لأنه يؤسس لمرحلة بناء حقيقية لمنظومتنا التعليمية والتربوية لننقذها من التصدع والامراض التي أخذت تغزو نظامنا التعليمي، وبالتالي سينعكس كل ذلك على كل مسارات البناء والتنمية في مجتمعنا الاردني الاقتصادية والصحية فهل نحن فاعلون والله خير حافظ لاردننا الوطن الأغلى ليبقى متماسكا وقويا في مواجهة كل بذور الفتنة واقتلاعها من جذورها ننعم في وطن آمن ومزدهر بعون الله ودمتم ودام الوطن بخير ودام جلالة مليكنا المفدى يقود المركب قائدا وسيدا.